دول » عُمان

بسلاسة وهدوء.. عُمان تشهد انتقال حُكمٍ عمره نصف قرن في ساعات

في 2020/01/13

الخليج أونلاين-

في الساعات الأولى من صباح يوم السبت (11 يناير 2020)، أعلنت سلطنة عُمان رسمياً وفاة سلطانها قابوس بن سعيد، الذي أمضى في الحكم نحو 50 عاماً، أسس خلالها السلطنة الحديثة ونسج علاقات محلية ودولية متينة، والتحم مع شعبه التحاماً واضحاً.

وخلال ساعات من الإعلان أقيمت مراسم الجنازة والدفن، وانتقلت السلطة إلى سلطان جديد، ليكون يوماً تاريخياً من أيام السلطنة، التي تعد من أبرز الدول العربية استقراراً وأماناً وسلاماً في الداخل والخارج.

الوداع الأخير

وأقامت السلطنة مراسم جنازة السلطان قابوس وسط مشاهد وداع مهيبة من قِبل عائلته وأركان دولته وشعبه.

وانطلقت الجنازة من قصر بيت البركة، ثم وصلت إلى جامع السلطان قابوس الأكبر، حيث جرت الصلاة عليه ثم ووري الثرى في مقبرة الأسرة.

وشارك السلطان العُماني الجديد هيثم بن طارق آل سعيد، وكبار المسؤولين في البلاد وجمع غفير من المواطنين في الصلاة على جثمان السلطان الراحل قابوس بن سعيد.

وسبق أن أعلن البلاط السلطاني "الحداد وتعطيل العمل الرسمي بالقطاعين العام والخاص ثلاثة أيام، وتنكيس الأعلام في الأيام الأربعين القادمة".

ونعى قادة وسياسيون عربٌ سلطان عُمان الراحل، حيث غاب الجميع عن المراسم؛ لسرعة تنفيذها، وكان على رأس المعزين في السلطان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

ونعاه أيضاً كل من رأسِ النظام المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وكذلك ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، وحاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم.

وأوضح الصحفي والمحلل السياسي العُماني عوض باقوير لـ"الخليج أونلاين"، أنه "لا شك في أن السلطان قابوس أوجد دولة عصرية في سلطنة عُمان خلال العقود الخمسة الماضية؛ حيث أسس دولة المؤسسات والقانون، وجعل عُمان دولة مدنية حضارية".

وأضاف: إن السلطان الراحل "انتهج سياسة خارجية متوازنة تتسم بالواقعية السياسية، وأوجد علاقات موضوعية مع دول العالم من خلال سمات واضحة، أهمها الاحترام المتبادل بين الدول، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، واستخدام آلية الحوار لفض النزاعات والخلافات بالطرق السلمية، ونشر ثقافة التسامح وخلق تعاون بين الشعوب".

وأشار إلى أن "السلطان قابوس تدخَّل بحكمة لحل التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، كما استطاع حل خلافات الحدود مع جيرانه، ومن هنا يعد السلطان الراحل، من القيادات الحكيمة في العالم، وله كاريزما استطاع من خلالها أن يحظى باحترام قيادات العالم وشعوبه، وأقام علاقات مميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية، وخلق للسلطنة مكانة إقليمية ودولية".

ولفت باقوير إلى أنه "بلا شك، سبَّب رحيله حزناً كبيراً للشعب العُماني الذي أحبه بشكل كبير، واعتبره أباً لكل العُمانيين، وسوف تظل إنجازاته وحكمته باقية في أذهانهم".

انتقال سلس

وكان اللافت هو الانتقال السلس والهادئ والسريع للسلطة من الراحل قابوس إلى السلطان الجديد هيثم بن طارق آل سعيد، بعد ساعات قليلة من إعلان وفاته فقط.

وأدى السلطان الجديد اليمين الدستورية بحضور كبار المسؤولين في البلاد، بقصر البستان أمام مجلس السلطنة.

وقال مجلس الدفاع، الذي يضم كبار الضباط والمسؤولين، والموكلة إليه دعوة العائلة لتحديد خليفة للسلطان، في بيان: "تسلّم مجلس الدفاع، اليوم السبت، رداً كريماً من مجلس العائلة المالكة"، التي دعته -بحكم النظام الأساسي للبلاد- إلى الانعقاد لاختيار خليفة قابوس بن سعيد.

وأوضح أن "مجلس العائلة المالكة انعقد وقرر -عرفاناً وامتناناً وتقديراً للمغفور له بإذن الله، السلطان قابوس بن سعيد، وبقناعة راسخة- تثبيت من أوصى به السلطان في وصيته".

وأضاف بيان مجلس الدفاع: "عليه أوكل مجلس العائلة المالكة إلى مجلس الدفاع فتح الوصية وفقاً لما نصّت عليه المادة السادسة من النظام الأساسي للدولة، واتخاذ الإجراءات لتثبيت من أوصى به السلطان، بالتنسيق مع مجلس العائلة المالكة".

وتابع: "تشرّف المجلس بحضور أفراد العائلة المالكة (لم يسمهم) شهوداً كراماً على الإجراءات"، وقال المجلس: إنه "نال شرف فتح الوصية وقراءتها بشكل مباشر على جميع الحاضرين الكرام".

وتشترط المادة رقم "5" من النظام الأساسي المتعلق بنظام الحكم في دستور سلطنة عمان، أن "نظـام الحكم بالبلاد سـلطاني وراثي في الذكور من ذرية تركـي بن سعيد بن سلطان"، وهو الجد الثالث للسلطان الراحل قابوس.

كما تنص المادة رقم "6" على أن "يقوم مجلس العائلة المالكة، خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم".

وتضيف المادة: "إذا لم يتفق مجلس العائلة المالكة على اختيار سلطان للبلاد، يقوم مجلس الدفاع، بالاشتراك مع رئيسَي مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا، وأقدم اثنين من نوابه، بتثبيت من أشار إليه السلطان فـي رسالته إلى مجلس العائلة".

وقال عوض باقوير: كان "انتقالاً سلساً وسريعاً للسلطة من خلال تفهم عميق لضرورة الاستقرار بالسلطنة، وهذا درس كبير للآخرين في كيفية انتقال الحكم. وفيما يخص السياسة الخارجية العُمانية، فسوف تتواصل على النهج نفسه الذي رسمه السلطان قابوس بن سعيد، رحمه الله".

من جانبه قال المحلل السياسي العُماني مصطفى الشاعر، في حديث مع "الخليج أونلاين": إن "ما حدث لم يكن متوقعاً لكثيرين من خارج السلطنة، ولكن في عُمان كان ذلك متوقعاً، خاصة مع وجود مؤسسات عسكرية ومدنية راسخة وأنظمة قوانين معروفة ومحددة".

وأضاف "الشاعر": "في اعتقادي أن مجلس الدفاع الوطني قد أدى واجباته بكل أمانة وإخلاص، واستطاع خلال فترة وجيزة، سد فراغ الحكم في عمان، وهذا يعود لمتانة مؤسسات الدولة".

وبيّن أن "عُمان دولة راسخة ومتجذرة، ويعتبر نظامها من أقدم أنظمة الحكم في الشرق الأوسط، وأسرة آل سعيد التي تحكمها منذ أكثر من 250 عاماً لها تاريخ عريق؛ وهذا بكل تأكيد له الدور الأكبر في هذا الانتقال السلس، ولا بد من الإشارة إلى أن الأوضاع الخارجية الحالية المضطربة قد تكون أسهمت في حل ذلك، لأن البلاد تعيش بمنطقة يشوبها كثير من الاضطرابات، ولا بد من أن يكون هناك سلطان؛ للإمساك بزمام الحكم بسرعة".

وأكد أنه "منذ عام 1996 والسلطان قابوس قد حضَّر لهذا اليوم حين أصدر النظام الأساسي للدولة، وأنشأ مجلس الدفاع الوطني، وكان دقيقاً في اختياره من يشغل أي منصب عسكري أو أمني بالبلاد؛ حفاظاً على البلد في مثل هذه اللحظات".

نهج مستمر

ويبدو أن السلطان الجديد واحد ممن كانوا مقربين من السلطان قابوس وأحد ممثليه الخاصين في بعثات خارجية؛ يعرف نهجه السياسي جيداً، وقواعده الدبلوماسية من السلام والوئام على المستويات والأصعدة كافة في الداخل والخارج.

وفي خطاب تنصيبه أكد السلطان هيثم بن طارق، المضي قدماً على النهج السامي للسلطان قابوس بن سعيد في تطوير السلطنة وتقدُّمها.

كما أكد السلطان الجديد تمسُّكه بالحفاظ على عدم التدخل في شؤون الدول المجاورة، مشدداً على دفع مسيرة التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي.

وعلى صعيد السياسة الخارجية أكد استمراره في دعم جامعة الدول العربية وتحقيق أهدافها، والنأي بهذه المنطقة عن الصراعات.

وعلَّق مدير المكتب الإعلامي لوزارة الخارجية القطرية، أحمد بن سعيد الرميحي، في تغريدة نشرها على موقع "تويتر"، قائلاً: إنه "من خصائص الأشقاء في عُمان هذا الانتقال السلس والهادئ بالحكم في سلطنة عمان، بتعيين هيثم بن طارق خلفاً للمرحوم قابوس بن سعيد، وهذا يعطي مؤشراً  على حرص السلطان قابوس -رحمه الله- قبل وفاته، على الاستقرار في الحكم بعيداً عن أية تأويلات".

ويرى المحلل مصطفى الشاعر أن "السلطان هيثم بن طارق هو ابن عم السلطان، ويوجد تجانس بين شخصيته وشخصية السلطان قابوس من حيث الظهور الإعلامي والحرص على التاريخ".

وأكمل "الشاعر" أن "السلطان الحالي هو أحد أكثر أبناء الأسرة قرباً من العُمانيين، لأنه يشغل منصب وزير التراث والثقافة، وكذلك عُرف بأنه لم يتغيب عن أي اجتماع لمجلس الوزراء منذ عقود طويلة".

جديرٌ ذكره أن السلطان هيثم كان يشغل منصب وزير التراث والثقافة العماني، منذ عام 2002، ويعتبر أحد أركان الدولة.

وهو من مواليد عام 1954، عمِل إلى جانب منصبه كوزير للتراث والثقافة مبعوثاً خاصاً للسلطان الراحل، كما سبق أن عمِل أميناً عاماً لوزارة الخارجية، وكان في منصب رئيس لجنة رؤية 2040 التنموية.

كما سبق أن تولى رئاسة الاتحاد العماني لكرة القدم؛ بين عامي 1983 و1986، ورئاسة اللجنة المنظمة لـدورة الألعاب الآسيوية الشاطئية الثانية التي أقيمت في مسقط عام 2010، كما كان رئيساً فخرياً لجمعية الصداقة العمانية - اليابانية.