من هنا وهناك » من هنا وهناك

الصيد بالصقور.. هواية خليجية تراثية تشعل المنافسة والمغامرة

في 2020/01/16

الخليج أونلاين-

حظى "هواية" الصيد بالصقور في دول مجلس التعاون الخليجي برواج هائل منقطع النظير، حيث تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، ويحرص الأبناء على السير على خُطا الآباء والأجداد فيما يتعلق بتربيتها واقتنائها، في إحياء للموروث الشعبي.

ومنذ زمن بعيد كان يعتمد الأجداد في دول الخليج على الصقور والطيور الجارحة في صيد الأرانب وطيور الحبارى والحمام والحيوانات؛ وذلك لتوفير الطعام أو حتى بيع ما يتم اصطياده من الحيوانات كمصدر رزق ودخل لهؤلاء.

واختلف الحال تماماً في الوقت الحالي؛ إذ تحول الصيد بالصقور بالخليج من "هواية الملوك" إلى "رياضة وتجارة مربحة"، تُدخل الأموال بغزارة إلى جيوب العاملين والقائمين على هذا المجال.

وتُعد "الصقور" من أهم الرموز التراثية، ويعد الصيد بها من أبرز العادات الثقافية في المنطقة الخليجية، ويحرص الجميع بمختلف الأعمار والفئات والمستويات على اقتنائها؛ بل وصل الأمر إلى الأمراء، حيث يُعرف عنهم امتلاك أفضل أنواع الصقور وأغلاها على الإطلاق.

تربية الصقور

وقديماً كانت تربية الصقور تبدأ بصيد الصقر نفسه، وحتى استئناسه وتدريبه، والاعتناء به، ومن ثم استخدامه في الصيد. غير أن الأهم حالياً في هذه الهواية لم يعد الصيد، وإنما تلك العلاقة المتينة بين الصقر ومربيه.

ومن أجل ترويض الصقر بسرعة، يُفيد صقارون خبراء بهذا الشأن أن تجويعه يُجبره على تقبل الأوامر، والقدرة على الطاعة، إضافة إلى حمل الطير في فترة التدريب. وقد يُمضي المربي ساعات كثيرة وهو يحرك الصقر على يده ويكلمه، وينزع البرقع عن عينيه، وكل ذلك يحدث في المجلس حتى يعتاد حركة الناس، ويطمئن إليهم.

وتختلف طريقة الصيد بالنسبة للصقور التي تطير في مستوى مرتفع عن غيرها، حيث يحلق الصقر على ارتفاع كبير في الهواء في انتظار فريسته، فإذا رآها انطلق وراءها وانقضَّ عليها بسرعة مذهلة تكاد تصل إلى 275 كيلومتراً في الساعة.

في حين يحط الصقر الذي يطير على مستوى منخفض على جذع شجرة، ويتفحص المنطقة المحيطة به بدقة، وما إن يلمح فريسته حتى ينزلق بجناحيه بين الأشجار ثم ينقض عليها وهي في غفلة عنه.

محال مخصصة للصقور

وفي دول الخليج الست تُوجد عشرات المحال والدكاكين المخصصة للتعامل مع الصقور، فبمجرد الدخول إلى هذه الأماكن والأسواق تنبهر العين؛ بسبب العمليات والمداولات الجارية على قدم وساق بين الناس مثل: البيع، والشراء، والبحث عن "مستلزمات" هذه الطيور الجارحة، كما يحدث في سوق "واقف" الشهير في العاصمة القطرية الدوحة.

ولا يُمكن المبالغة في القول إن تجارة الصقور في الدول الخليجية باتت من "أربح" العمليات التجارية، كما أن الحكومات في دول مجلس التعاون تدعم هذه الرياضة؛ لربط الأجيال مع ثقافتها الأصيلة.

كما تُصدر دول خليجية جوازات سفر خاصة بالصقور، حيث يُمنع منعاً باتاً مغادرة الصقر البلدَ دون هويته حتى لو كان برفقة صاحبه؛ بهدف حمايتها من "الانقراض" و"التهريب" و"التجارة غير القانونية"، كما يتم تشييد وبناء مستشفيات خاصة بهذه الطيور؛ بغية معالجتها والاطمئنان عليها.

فعاليات ومهرجانات دورية

ويقول محمد بن راشد النعيمي، أحد الصقارين المعروفين في قطر، في تصريحات لوكالة "الأناضول"، إنه يتم تنظيم مجموعة من الفعاليات والمهرجانات لتشجيع المواطنين على اقتناء الصقور القوية وتربيتها.

ويؤكد النعيمي أن سوق الصقور يُعد من أغلى الأسواق، لافتاً إلى وجود أنواع كثيرة من الصقور؛ مثل: الحر، والشاهين، والباشق، والوكري، والهيثم، والمعرجي، والأسعف، والزهدم، والقطامي، وغيرها.

أسعار خيالية

وتختلف أسعار الصقور بعضها عن بعض؛ وذلك بحسب نوعها وقوتها وسلالتها ومهاراتها، في حين تبلغ أنواع الصقور نحو 300 نوع تتفاوت في حجمها، ووزنها، وصفاتها.

ويبلغ ثمن بعض الصقور 500 ألف ريال قطري، في حين ذهب النعيمي إلى أبعد من ذلك حين أشار إلى أن أنواعاً أخرى وصفها بـ"النادرة" يصل سعرها إلى مليون ريال قطري؛ أي ما يزيد بقليل على ربع مليون دولار، موضحاً في الوقت نفسه أن صقور "الشاهين" المصرية هي الأغلى سعراً في المنطقة الخليجية.

وفيما يتعلق بموعد بيع الصقور، أوضح أن السوق ينشط مع بداية موسم الصيد في فصل الخريف، ويستمر طيلة فصل الشتاء حتى بداية الربيع، وتحديداً في مارس/آذار من كل عام، على حد قوله.

ولا تُوجد إحصائيات رسمية موثقة حول عدد الذين يملكون صقوراً خاصة بهم، في حين تُرجح تقديرات أن نصف الشباب الخليجي لديه صقور، حيث يشرع كل شاب في تسمية صقره باسم يليق به، لتحتدم المنافسة فيما بينهم.

يتم استيرادها

وبناءً على كلام الصقارين في المنطقة الخليجية، فإن الصقور يتم استيرادها من عدة دول آسيوية وأفريقية وأوروبية ومن قارة أمريكا الشمالية؛ إذ تُعد مصر، وإيران، وكازاخستان، وأفغانستان، وألمانيا، وبريطانيا، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية "الأكثر" بيعاً للصقور لدول الجزيرة العربية.

ولا يتوقف الأمر عند اقتناء الصقور في الخليج؛ بل تقام مسابقات وفعاليات رياضية يتنافس فيها الصقارون مقابل جوائز مالية ضخمة، في إحياء للتراث والموروث الشعبي وربط الأحفاد والأجيال بالعادات والتقاليد التي سار عليها الكبار والأجداد.

وتبلغ جوائز هذه المسابقات "الملايين"، حيث يصل مجموع جوائز رئيس الدولة للصيد بالصقور بالإمارات إلى 25 مليون درهم إماراتي، بالإضافة إلى 56 سيارة فارهة، كما تم اعتماد أول مهرجان وطني للصيد بالصقور في منطقة القصيم بالسعودية بداية من العام الجاري.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) قد أدرجت تربية الصقور ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي في أكثر من 10 دول، منها: قطر، والإمارات، والسعودية، والمغرب، وسوريا.

ويحرص الخليجيون عند وصول مشاهير كرة القدم إلى الجزيرة العربية على إبراز الصقور؛ بل ووضعها على أيدي هؤلاء النجوم، مثلما حدث مع البرغوث الأرجنتيني ليونيل ميسي، والدون البرتغالي كريستيانو رونالدو، والجناح الفرنسي فرانك ريبيري.