دول » قطر

عجلة وساطة لا تهدأ.. قطر تسعى لتفكيك "قنبلة واشنطن - طهران"

في 2020/01/17

الخليج أونلاين-

تؤكد النجاحات التي حققتها دولة قطر في السنوات القليلة الماضية من خلال تبنيها السعي لحل الأزمات بين الدول والمجاميع المسلحة، أن هذا البلد الخليجي تحول إلى أبرز المحاورين الناجحين لتفكيك التوترات وحلحلة الخلافات، ليس فقط سعياً منه لتجنيب منطقة الشرق الأوسط تداعياتها، بل لتجنيب مناطق أخرى من العالم نتائج هذه التداعيات.

وفي عدة خلافات بينها كان خارج الشرق الأوسط، نجحت قطر في إرساء السلام والصلح، حيث إن لغة التسامح هي الخطاب الذي دأب عليه المسؤولون القطريون، وجسدته الدوحة بشكل عملي في مساعيها الرامية للسلام بين الدول والكيانات المختلفة.

في الأزمة التي تمر بها المنطقة حالياً نتيجة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران الذي وصل إلى حد اغتيال الجنرال قاسم سليماني، وردِّ الإيرانيين بقصف مقار أمريكية في العراق، برزت قطر بدور الوسيط من أجل تخفيف حدة التوتر للوصول إلى الهدوء وإنهاء الخلافات.

وبحسب ما ذكره الشيخ جوعان بن حمد آل ثاني، شقيق أمير قطر، فإن بلاده تؤدي دور "الوساطة لقيادة المنطقة إلى السلام".

جاء ذلك في تغريدة للشيخ جوعان على حسابه في منصة "تويتر" قال فيها: "تقوم دولة قطر بدور الوساطة لقيادة المنطقة إلى السلام بعدما اشتبكت المصالح وتضاربت المشاريع الإقليمية والدولية".

وأشار إلى أن "الجميع يثق في قدرة الدوحة على تقريب وجهات النظر بين العواصم المتخاصمة وإطفاء الحرائق التي أشعلتها أخطاء متراكمة".

وفي تغريدة سابقة ذكر أن "زيارة سيدي صاحب السمو الأمير المفدى لطهران تُحيل في زمانها ومكانها إلى قيم الجوار في تصوّر قطر للآخر مهما اختلفت معه، وقيم الحوار في تصورها للحلول وإدارة الخلاف".

وأضاف: "وهي في معناها الجيوسياسي إشارة متكررة إلى حالة تأثير وفاعلية سياسية قطرية تتجاوز ضرورات الجغرافيا".

ويأتي تصريح الشيخ جوعان بعد نشاط دبلوماسي قطري خلال الأيام القليلة الماضية، تمثل بأول زيارة لأمير قطر إلى إيران منذ توليه منصبه في العام 2013، وسط استقبال رسمي كامل، كان على رأسه الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وفقاً لتقارير نقلتها وكالتا الأنباء الرسميتان في الدوحة وطهران.

وآخر هذه التحركات القطرية كان اجتماع وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مع مسؤولين عراقيين، الأربعاء (15 يناير الجاري)؛ "لبحث العلاقات الثنائية بين بلدينا الشقيقين ومستجدات الأوضاع في المنطقة"، وفقاً لتغريدة نشرها الوزير القطري على صفحته الرسمية بـ"تويتر".

وأضاف: "جددت التأكيد على وقوف دولة قطر بجانب العراق الشقيق في جهود التهدئة وخفض التصعيد بعد الأحداث الأخيرة".

من جهته، تحدث مدير المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية القطرية، أحمد بن سعيد الرميحي، عن دور بلاده في التحرك لتدارك تفاقم الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران.

وقال لصحيفة "القبس" الكويتية، الخميس (16 يناير): إن "تحرّك الدوحة جرى مباشرة بعد مقتل سليماني؛ لأنها كانت تحذِّر من أن توالي مظاهر التصعيد يمكن أن يقود المنطقة إلى نتائج لا تُحمد عقباها".

وأشار المسؤول القطري إلى "اتصالات دولية مكثّفة أجراها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مع أطراف الأزمة، والزيارة التي أجراها إلى طهران أكد خلالها على أن الحوار هو الحل الوحيد لأزمات المنطقة".

وأكد الرميحي أن "دور قطر مكمّل لدور الأطراف الأخرى التي تسعى إلى التهدئة، في إطار تجنيب المنطقة أي تصعيد، ومحاولة تقريب وجهات النظر".

ترامب: أمير قطر صديق عظيم

في دلالة على إدراك الولايات المتحدة لقوة قطر، وصف الرئيس ترامب، أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بأنه شريك رائع وصديق عظيم، قائلاً: إنني "أتطلع إلى لقائنا في البيت الأبيض".

وفي لقائهما بالبيت الأبيض العام الماضي، قال الرئيس الأمريكي، إن أمير قطر، قائد يحظى بالاحترام في منطقة مهمة من العالم، مضيفاً: إنه "شرف عظيم لي العمل مع صديق".

جاء ذلك في خلال زيارة أجراها أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى الولايات المتحدة، في يوليو الماضي؛ في ظل تصعيد غير مسبوق بمنطقة الخليج العربي؛ بين الولايات المتحدة وإيران، ومحاولات مستفيضة لتجنيب المنطقة أي صراع.

طالبان على طاولة الوساطة القطرية

سجلت قطر نجاحاً كبيراً حين تمكنت من استضافة عدد من جولات المحادثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان منذ مايو 2019، من أجل مناقشة انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف من أفغانستان.

ونجحت قطر في جلب قادة حركة طالبان إلى طاولة المفاوضات بعد سنوات طويلة من الحرب وإراقة الدماء؛ بهدف إيجاد حل سياسي للصراع الأفغاني، وإنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة.

ويوم الخميس (16 يناير الحالي) تجددت المشاورات في الدوحة وناقش الطرفان توقيع اتفاقية السلام والقضايا المتعلقة بالتوقيع، وأكدا أن المفاوضات ستستمر في الأيام المقبلة.

وسبق هذه المفاوضات إبرام صفقة لتبادل الأسرى، بين "طالبان" والولايات المتحدة، بوساطة قطرية، في يونيو 2014، أسفرت عن إطلاق سراح الرقيب في الجيش الأمريكي باو برغدال وتسليمه إلى القوات الخاصة الأمريكية في أفغانستان، مقابل فك أسر خمسة من كبار قادة حركة طالبان، بعد الإفراج عنهم من معتقل غوانتنامو.

ورحب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حينها، بإطلاق سراح برغدال، مؤكداً في خطاب له أن الحكومة القطرية قدمت ضمانات أمنية لواشنطن بشأن المفرج عنهم.

وقف العنف في دارفور

في دارفور جنوبي السودان المشتعل بالمعارك، نجحت الدبلوماسية القطرية في وقف العنف والقتال؛ إذ احتفلت الدوحة في مايو 2011، باتفاقية سلام دارفور التي أرست دعائم الأمن والاستقرار هناك.

وكانت المبادرة القطرية أكثر الأساليب فاعلية واصطباراً على التفاوض الصعب، فقد استضافت الدوحة المتحاورين أكثر من عامين إلى أن تكللت جهودها بالاتفاقية المسماة "وثيقة الدوحة للسلام"، وكانت نتيجة حوار شارك فيه مئات من الأطراف المعنية.

وفي حينها أشاد والي ولاية شرق دارفور بقطر، وقال إنها أدت دوراً حيوياً مهماً في استدامة الاستقرار الشامل ببلاده، من خلال جهود محلية وإقليمية ودولية متواصلة، أثمرت دعماً غير مسبوق لملفات السودان في هذه المحافل، وهو ما مكَّنه من تخطي العقبات والصعاب التي كانت تحول دون إحداث الاستقرار وتحقيق الانفراج الكامل في علاقاته الدولية.

إفراج عن راهبات

في مارس 2014، أسفرت جهود الوساطة القطرية عن الإفراج عن 13 راهبة كنَّ محتجزات في شمالي سوريا، مقابل إطلاق سراح أكثر من 153 معتقلة سورية من سجون النظام السوري.

وقالت وكالة الأنباء القطرية الرسمية في حينها: إنه "بتوجيهات من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قامت الأجهزة المعنية في الدولة بجهود حثيثة منذ شهر ديسمبر 2013، للتوسط من أجل إطلاق سراح راهبات معلولا؛ إيماناً منه بمبادئ الإنسانية وحرصه على حياة الأفراد وحقهم في الحرية والكرامة".

وأعلن وزير الخارجية القطري في حينها، خالد العطية، نجاح الوساطة القطرية في إطلاق سراح الراهبات، لافتاً إلى أن جهود قطر أسفرت عن إطلاق سراح أكثر من 153 معتقلة سورية من سجون النظام السوري.

صفقة الجنود اللبنانيين

في لبنان، كانت قطر حاضرة بقوة، من خلال تحقيق صفقة تبادل بين الجيش اللبناني و"جبهة النصرة" في سوريا، إذ عملت الدوحة على تنفيذ صفقة أسرى أسفرت عن الإفراج عن 16 جندياً لبنانياً في ديسمبر 2015، مقابل إفراج الحكومة اللبنانية عن 25 سجيناً، طالبت "النصرة" بإطلاق سراحهم، بينهم 17 امرأة.

عند إتمام الصفقة وجَّه رئيس الحكومة اللبنانية في حينها، تمام سلام، لدى استقباله الجنود المفرج عنهم، الشكر إلى دولة قطر وأميرها، على الجهود التي بذلتها من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق.

قبائل التبو والطوارق

في صحراء ليبيا، تمكنت قطر من أداء دور وساطة ناجحة بين قبائل التبو والطوارق، ففي 23 نوفمبر 2015، تم في الدوحة توقيع اتفاق سلام بين القبيلتين، بعد مفاوضات استمرت أربعة أيام برعاية قطرية.

ونص الاتفاق على وقف نهائي لإطلاق النار بين الطرفين، وعودة النازحين والمهجَّرين من أهالي مدينة "أوباري" إلى ديارهم، وفتح الطريق العام إلى "أوباري"، وإنهاء المظاهر المسلحة كافة في المدينة.

وأكد الطرفان، في بيان مشترك، ترحيبهما بالجهود المتواصلة لدولة قطر في ظل قيادة أميرها، لتحقيق المصالحة بين الطوارق والتبو، التي حظيت بموافقة القبائل كافة ومساندة دول الجوار.

ولم تكن تلك الوساطة هي الوحيدة لقطر في ليبيا، إذ أسهمت جهود الدوحة في إنهاء أزمة الطبيب الفلسطيني والممرضات البلغاريات هناك، عقب صفقة أُفرج بموجبها عن هؤلاء، بعد ثماني سنوات قضوها بالسجن، في 2007.

وأكد الرئيس الفرنسي في وقتها، نيكولا ساركوزي، أهمية الوساطة القطرية والمساعدات التي قدمتها حكومة قطر في هذه القضية.

قطر.. وساطة لا تهدأ

استضافت قطر جولات للوساطة بين الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي في 2007 و2008؛ للتخفيف من حدَّة التصعيد، ووقف أي حرب مستقبلية. 

وفي أفريقيا كان الثقل السياسي القطري حاضراً، من خلال التوسط لإطلاق أسرى جيبوتيين، ضمن وساطة بين جيبوتي وإرتريا، ليعود الأسرى إلى بلدهم برفقة وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، على متن طائرة خاصة، في مارس 2016.

ورحب مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، في حينها، بوساطة دولة قطر، وأشاد في حينها الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيله، بالوساطة القطرية، ودور أمير قطر في إطلاق سراح الأسرى، مشيراً إلى أن علاقات بلاده مع قطر تشهد تطوراً في المجالات كافة.

وفي الشأن الفلسطيني، لم يغِب الدور القطري عن الوساطة لإنهاء الانقسام السياسي الداخلي بين حركتي "فتح" و"حماس"، إذ استقبلت الدوحة وفوداً من الطرفين خلال 2012، نتج عنها توقيع الحركتين، في 6 فبراير 2012، اتفاقاً يهدف إلى تسريع وتيرة المصالحة الوطنية بينهما.

وخلال الاعتداءات التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، كان للدوحة دور بارز في التوصل إلى تهدئة بين الفصائل الفلسطينية و"إسرائيل".