خاص الموقع

ليبيا والدور الغائب لشعوب المنطقة

في 2020/01/21

أحمد شوقي- راصد الخليج-

من الأسئلة التي يجب ان تثار مجتمعياً في وقتنا الراهن وبشكل عاجل، هو مدى التزام المجتمعات بالقيم والثوابت المتعلقة بالشرف والنخوة، وخاصة في مجتمعاتنا العربية والخليجية ذات الموروث العروبي المتعلق بقيم تاريخية وأعراف لم تبتعد معظمها عن جوهر الدين.

وفي حال كانت الإجابة بأن المجتمعات لاتزال تحتفظ بهذه القيم وتتمسك بها، فالسؤال اللاحق على الفور، هو ما مدى تمسك الحكومات بهذه القيم، وما هي الضمانات والمواثيق اللازم توفرها للاحتفاظ بهذه القيم كوسم عام لهذه البلاد دون ان توصم البلد ككل بالتخلي عنها وما يرتبط بذلك من نقيصة وخزي عام.

وهذه المقدمة المختصرة ضرورية للولوج الى موضوع التدخلات الخليجية الخارجية والتي اكتسبت صفتين حديثتين في السنوات القليلة الماضية وتحديدا منذ الانتفاضات التي اتخذت لقب "الربيع العربي".

وهاتين الصفتين الحديثتين للتدخلات الخارجية، هما انها اصبحت اكثر حدة لدرجة التدخل العسكري او تمويل الميليشيات والدعم المسلح، والاخرى هو التميز بالازدواجية الشديدة، دون وضوح مبدأ او استراتيجية لهذا التدخل.

وكمثال على الحدّة، يمكن رصد التدخل السعودي والاماراتي المباشر في اليمن وبشكل غير مباشر في ليبيا وسوريا.

وكمثال على التناقض والازدواجية، فالتدخل المعلن في ليبيا هو لدعم الجيش ضد الجماعات الارهابية، بينما في سوريا كان لدعم الجماعات الارهابية ضد الجيش!

وكذلك الحال في التدخلات القطرية والتي ربما تتمايز عن الامارات والسعودية بأنها اقل حدة ولا يتضح بها الازدواجية، فهي داعمة لاتجاه بعينه وان اشتمل على الارهاب!

هنا نحن امام ظاهرة اثبتت ضررا بالدول التي عانت من هذه التدخلات وازهقت الاف الارواح وخربت الديار ولا تزال تستنزف الجيوش، وكل ذلك يعد خصماً من قوة الامة الكامنة في مواجهة اعدائها الحقيقيين.

الأمر الاخر، هو مناصرة العدو الاسرائيلي بشكل علني والتخلي عن قضية عربية واسلامية مركزية وتعدّ معياراً حقيقيا للوفاء والشرف والوطنية، وهي القضية الفلسطينية، بل ومحاولة انتزاعها من وجدان الشعوب عبر ممارسات تضليلية اعلامية وثقافية وحتى دينية عبر بعض فقهاء السلاطين.

ولو أخذنا ليبيا، كمثال صارخ باعتبار الملف الليبي يتصدر جدول الاعمال العالمي حالياً، فإن صراع الجبهات الليبية تتصدره واجهات خليجية، رغم اتساع الصراع وتعدد أطرافه، الا ان جبهة واجهتها اماراتية سعودية، وأخرى واجهتها قطرية لا بد وان تذكر في كافة التحليلات وعناوين الصراع، رغم دخول أطراف دولية وعربية أخرى مثل روسيا وامريكا ومؤخرا تركيا بقوة في عناوين الصراع.

وهذا الصراع وجبهاته لن يغادر وجدان الشعب الليبي والذي يتوق للخروج من مأزق تاريخي مأساوي، كما أنه يعمّق من نظرة الشعوب الأخرى للخليج وتداعيات تدخلاته.

ولو نظرنا لتناول الغرب والتناول الأممي للصراعات ومنها الملف الليبي، فإن النظرة هي نظرة مصالح بحتة ومتعلقة اما بالطاقة واما بالتأمين من الهجرة العشوائية واعبائها الامنية والمادية.

حتى مسودة البيان الختامي لمؤتمر السلام حول ليبيا، الذي يعقد في برلين قالت، إن المؤتمر سيدعو كافة الأطراف الليبية إلى الأمتناع عن استهداف المنشآت النفطية!.

فهل اختلف التناول الخليجي، أم أنه أيضا في باطنه صراع على موانئ واستثمارات في إعادة الاعمار ونفوذ لضمان المصالح؟ وهل هناك أي بُعد أيدلوجي أم أن الأمر لا يعدو خدمات لأطراف دولية فيما يشبه الصراع بالوكالة؟

الأمور تتخطى الاسلام السياسي وخطر الإرهاب حيث المعايير مختلفة في جبهات أخرى، والأولى بالخليج هنا ان يكفّ تدخلاته الضارة وان يتفرّغ للاصلاح الداخلي وتوفير النفقات لمساعدة شعوبه والشعوب الأخرى في مواجهة الظروف الاقتصاددية المستجدة داخليا، والمستجدات الاقليمية والدولية بأن تكون المساعدات لخدمة المقاومة لأعداء الأمة ودعم حركات التحرر الوطني إن كان هناك بد من التدخل الخارجي.

اما غير ذلك، فإن تراكم التجاوزات الاخلاقية والمواريث سينذر بعواقب وخيمة قد تجعل الخليج في عزلة عربية واسلامية، وهو ما لا يرجوه أحد لأنه ليس في الصالح العام.

هنا تقع مسؤولية على الشعوب والتي لا يصح صمتها على اوضاع تنذر بهذه المخاطر، وعليها ان تبدي مواقفها وليس بالضرورة عبر عنف واحتجاجات، ولكن لا بد وان تبحث الشعوب عن وسيلة على الاقل للتنصل وإبراء الذمة.