علاقات » ايراني

كرة لهب تُنذر بحرب.. هل بات الخليج بحاجة لنظام أمني جديد؟

في 2020/01/21

الخليج أونلاين-

عاشت منطقة الخليج العربي بداية عام غير مسبوقة بعدما قرعت طبول الحرب أجراسها بشكل جدي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وجعلت المنطقة على شفا حفرة من الانهيار والانزلاق إلى نقطة "اللاعودة".

ووصلت المنطقة إلى تلك المرحلة الفارقة بعد عدة أزمات كانت شرارتها انسحاب الإدارة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران، في مايو 2018، وما أعقبه من حوادث أمنية وعسكرية واقتصادية، منها استهداف الناقلات وسفن النفط واحتجاز بعضها في مياه الخليج وأمام ساحل عمان، فضلاً عن فرض عقوبات اقتصادية على إيران، ضاعفت من أزمة الأخيرة، وحشرتها في زاوية ضيقة.

ووصلت الذروة عقب اغتيال واشنطن قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وعدداً آخر من العسكريين الإيرانيين والعراقيين في العاصمة بغداد، فجر الثالث من يناير الجاري، فيما ردت طهران بقصف قاعدتين عسكريتين بالعراق، تضمان جنوداً أمريكيين.

وفي ظل التطورات والمستجدات المتسارعة في المنطقة، شهدت العاصمة القطرية الدوحة، في 19 و20 يناير 2020، مؤتمراً نظمه مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع مركز دراسات الخليج بجامعة قطر، حمل عنوان: "نحو نظام أمني خليجي جديد.. الخروج من المقاربات الصفرية"، بحضور نخبة من الخبراء والباحثين المحليين والدوليين المتخصصين في القضايا الأمنية والأمن الخليجي في المؤتمر.

ويؤكد خبراء أن استمرار أسباب النزاعات في المنطقة يعني فشل المقاربات الأمنية السائدة استراتيجياً، ويجعل من المهم البحث في مقاربات استراتيجية أمنية جديدة تتعامل مع مختلف التهديدات القائمة وتراعي مشاكل دول المنطقة.

التوتر سيد الموقف

رئيس جامعة قطر حسن الدرهم قال إن الإدارة السياسية للأزمات تعني منع ظهورها بداية، ثم منع تطورها وتحولها إلى صراعات مفتوحة، موضحاً أن ذلك يتحقق على مستويات ثلاثة هي: المستوى الأساسي الاستراتيجي، ومستوى التخطيط للطوارئ، ومستوى نطاق العمليات.

وكشف أن الإدارة السياسية للأزمات في المنطقة لا تتعامل الآن مع المستوى الأول والأهم "الأساسي الاستراتيجي"، والذي يعني بوضوح تطبيق سياسة متوسطة أو طويلة الأمد تمنع بموجبها نشوء الأزمات وتلافيها قبل تفاقمها، ولكنها تتعامل فقط مع المستويين الثاني والثالث.

بدوره يرى مدير مركز دراسات الخليج بجامعة قطر، محجوب الزويري، أن التوتر يبقى سيد الموقف، في ظل اشتعال أزمات اليمن والعراق والنزال الأمريكي مع إيران.

وأوضح "الزويري" أن 4 تحديات تخيم على منطقة الخليج منذ العقدين الأخيرين لها علاقة بالاستقرار السياسي وتتدحرج مثل "كرة لهب"، أولها عدم القدرة على تحديد مصدر التهديد وتمييز العدو من الحليف، والثاني يتعلق بدخول لاعبين جدد كالمليشيات المسلحة، حتى باتت فاعلاً في تحقيق الاستقرار الأمني.

أما ثالث التحديات، بحسب "الزويري"، فيتعلق بالانفتاح التكنولوجي والتطور المعرفي وكيفية التعامل مع السيولة الحاصلة في المعلومات، فيما التحدي الرابع مرتبط بحالة الفوضى التي يعيشها النظام العالمي.

إخفاقات وبحث عن حلول

بدوره قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر محمد المسفر، إن التحالفات الخليجية أخفقت في تحقيق أمن المنطقة، مشيراً إلى أن قوات "درع الجزيرة" لم تستطع حماية دول الخليج ولم تحسم أي صراع، باستثناء تدخلها في البحرين عام 2011، وهو التدخل الذي وصفه بالمنقوص "لعدم مشاركة جميع الأعضاء".

وضرب المسفر مثالاً بالدرع الصاروخي لصد العدوان عن دول مجلس التعاون، وكيف أخفق في حماية الأراضي الخليجية، وصرفت عليه المليارات وعجز عن التصدي للهجمات الأخيرة التي شهدتها المنطقة.

وحول كيفية الخروج من المأزق الأمني، أوضح "المسفر" أن ذلك يكون ببناء جبهة داخلية خليجية، وتفادي صراعات داخلية بين الدول، وبعث هيبة المنطقة ومكانتها الاستراتيجية.

وشدد على ضرورة أن يكون ذلك "على أساس المساواة بين المواطنين واحترام الحريات، واحترام استقلالية السلطة القضائية، وانتخابات أنظمة برلمانية، وإنشاء صناعة عسكرية متطورة، وعدم التدخل في السياسات الداخلية للدول، وعدم التورط في صراعات خارج الإقليم، وعدم الاعتماد على القوة العسكرية الخارجية".

غياب القيادة الأمريكية

وفقدت الولايات المتحدة منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض صفة القيادة، واتضح ذلك في تصاعد أزمات المنطقة وزيادة عددها كحرب اليمن، والأزمة الخليجية، وحصار قطر، والتوتر مع إيران.

ولم يعد بمقدور واشنطن ترجمة قوتها العسكرية إلى سياسة، كما ساهمت إخفاقاتها في صعود الصين وبروز تحالفات جديدة في منطقة الشرق الأوسط، بحسب ما قاله أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت شفيق الغبرا.

وأوضح أنه في ظل مرور الشعوب العربية بمرحلة جديدة، فإن الخليج يحتاج إلى تغيير تحالفاته الخارجية، وتبني إصلاحات سياسية والاستعداد لمرحلة "ما بعد النفط" و"ما بعد الولايات المتحدة"، محذراً من "مفاجآت" في حال أعيد انتخاب ترامب رئيساً لولاية ثانية، وإمكانية دخوله في حوار مع طهران.

في سياق متصل، دعت خبيرة الشؤون الخليجية بوزارة الدفاع الفرنسية "فتيحة دازي هاني"، دول الخليج لإعادة التفكير في نظام أمني جديد للمنطقة، بدءاً بالمستوى المحلي وصولاً إلى مأسسة العلاقات بين دول الخليج.

وشددت على أن الأزمة الخليجية الحالية ينبغي أن تكون فرصة لاستخلاص الدروس والعبر، مشيرة إلى أن أي اتفاق سعودي إيراني من شأنه تخفيض التوتر بعد الهجمات التي تعرضت لها منشآت أرامكو، وهو مسعى لجميع دول الخليج، خاصة أن التحالفات العسكرية الحالية لدول الخليج مع الولايات المتحدة وقواعدها العسكرية لم تعد مصدر أمان.

الأمن الاقتصادي وأسواق النفط

وطال التوتر الذي بلغ ذروته في الخليج، الأمن الاقتصادي وأسعار النفط، التي تأثرت بعد الهجوم على منشآت "أرامكو" النفطية السعودية (منتصف سبتمبر 2019)، واغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، مطلع يناير 2020.

وفي هذا الإطار، قال أستاذ الطاقة والاقتصاد في مركز دراسات الخليج بجامعة قطر، نيكولاي كوزانوف، إن الوضع على المستوى العالمي قد تغير أيضاً في الآونة الأخيرة وذلك بالمقارنة مع العقد الماضي.

وأوضح أن "نطاق الخطر والمجازفة قد تغير كثيراً في منطقة الخليج"، مشيراً إلى أن هناك مصادر أخرى من الطاقة مثل النفط الصخري خاصة في الولايات المتحدة والنرويج وروسيا، وهذا بالطبع يؤثر على إمدادات النفط من منطقة الخليج.

ولفت إلى أن البنى النفطية في الخليج تتعرض بشكل مستمر لتهديدات، فضلاً عن حالة عدم الاستقرار السياسي في المنطقة بشكل عام كالعراق. وكل تلك العوامل تؤثر على الأسواق النفطية.

وأشار إلى أن هناك تغيراً آخر في سوق النفط العالمي، وهو الولايات المتحدة التي لم تعد تعتمد على نفط الخليج من جانب، وتحولها إلى مصدر للنفط ومنافس لدول الخليج من جانب آخر.

بدوره ركز الخبير في السياسات المالية والنقدية، خالد الخاطر، على فكرة التنوع الاقتصادي، في ظل اعتماد دول الخليج في مدخولاتها وصادراتها على الطاقة بنسبة 80%، موضحاً أن هذا يبقى عرضة لتقلبات أسعار الطاقة عالمياً ولدورات الرواج والانهيارات النفطية ومفاجآت التكنولوجيا كالنفط الصخري، وعلل الاقتصاد الريعي الكثيرة.

وكشف أن دول الخليج "لم تنوع اقتصاداتها بشكل كافٍ"؛ وهذا يرجع إلى سببين أساسيين، وهما الوفرة الاقتصادية من الموارد الطبيعية الهائلة، ومن ثم لم يكن هناك سبب ضاغط للتنويع الاقتصادي.

وأوضح أن التنوع الاقتصادي بات أمراً ضرورياً وسوف يقود دول الخليج إلى مرحلة التكامل بسبب التبادلات التجارية بينهم، مشيراً إلى أنه كانت هناك مبادرات جيدة مثل الربط الكهربائي، وشبكات سكك الحديد، والغاز، واتحاد جمركي واتحاد نقدي، وغيرها من المشروعات التكاملية بين دول المجلس، ولكن معظم تلك المبادرات لم ترَ النور.