اقتصاد » دراسات

بين شبوة وسقطرى.. كيف تدير الإمارات معركتها باليمن بعد الانسحاب؟

في 2020/02/07

متابعات-

"سابقة خطيرة من نوعها في المحافظة"..

هكذا وصف محافظ سقطرى، "رمزي محروس" ما جرى، يوم الثلاثاء 4 فبراير/شباط، عندما أعلنت عناصر من "كتيبة حرس الشواطئ" التابعة لـ"اللواء الأول مشاة بحري" التمرد على شرعية الرئيس "عبدربه منصور هادي"، والانضمام إلى ميليشيا المجلس الانتقالي الانفصالي.

واتهم "محروس"، في بيان، أبوظبي بدعم التمرد ضد الحكومة الشرعية في سقطرى، مشيرا إلى أن الخطوة "تمت بحضور عناصر من ميليشيا الانتقالي نفسه، وبدعم واضح وصريح من دولة الإمارات".

وأعاد البيان توجيه أصابع الاتهام إلى مطامع أبوظبي في اليمن، خاصة بمناطق الجنوب وسقطرى، المدرجة على قائمة التراث العالمي، والتي شهدت محاولات إماراتية متكررة لفرض نفوذها ودعم المتمردين الانفصاليين، على الرغم من شكوى تقدمت بها الحكومة اليمنية رسمياً إلى مجلس الأمن الدولي، في مايو/أيار 2018.

وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني، دفعت التحركات الإماراتية أهالي مدينة حديبو، عاصمة سقطرى، إلى تسيير مظاهرات تندد بدعم أبوظبي للفوضى وتمزيق النسيج الاجتماعي بالمحافظة، شارك بها الآلاف، بينهم "محروس"، قبل أن تتوقف التظاهرات أمام مقر قوات التحالف العربي.

وسقطرى، هي كبرى جزر أرخبيل يحمل الاسم ذاته، مكون من 6 جزر، ويحتل موقعا استراتيجيا في المحيط الهندي، قبالة سواحل القرن الأفريقي، قرب خليج عدن، وأكدت العديد من التقارير الغربية وجود مطامع إماراتية للسيطرة عليها.

ودعمت شواهد عديدة ما تضمنته التقارير، ومنها اقتحام قوة مدعومة من الإمارات مطار سقطرى، في 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتهريبها مجموعة من السجناء المطلوبين أمنيا من قبل الحكومة اليمنية.

ونقلت وسائل إعلام يمنية آنذاك عن محافظ سقطري تأكيده بأن "عناصر إماراتية اقتحمت مطار سقطرى وهرّبت مطلوبين"، وأنه أرسل مذكرة للرئيس "عبدربه منصور هادي" أكد فيها أن عملية الاقتحام والتهريب حدثت "رغم أن حراسة المطار تتولاه قوات السعودية وقوة من اللواء أول مشاة بحري، وصدور توجيه من السلطة بمنع أي اقتحام وتطبيق القانون".

وفي السياق، أكد مستشار وزير الإعلام اليمني "مختار الرحبي"، عبر "تويتر"، أن "الإمارات أرسلت طائرة خاصة إلى مطار سقطرى لتهريب عدد من المرتزقة التابعين لها".

ونشر "الرحبي" مقطع فيديو يوثق لحظة هروب السجناء، وعلق عليها بالقول: "ميليشيات تابعة لدولة الامارات تقتحم مطار سقطرى وتقوم بتكسير زجاج صاله المغادرة لتسهيل هروب مرتزقة".

ويعيد هذا التصريح تسليط الضوء على الأسلوب الذي تنتهجه أبوظبي في إدارة معاركها باليمن بعد إعلانها سحب قواتها أواخر العام الماضي.

أصداء شبوة

ويبدو أن أبوظبي صارت تعتمد في الوقت الراهن على أسلوب "الحرب بالوكالة" لخدمة مصالحها في اليمن، حيث تحرك الإمارات وكلائها لشن تمرد عسكري في مناطق عدة في اليمن كان آخرها محافظة شبوة، وسط البلاد، حيث اتهم المحافظ "محمد صالح بن عديو"، أبوظبي بتمويل مخطط جديد للفوضى في المحافظة تزامنا مع أنباء عن تحركات المسلحين المحسوبين على "المجلس الجنوبي الانتقالي"، بهدف التصعيد ضد القوات الحكومية.

وأصدر "بن عديو" بيانا في 4 فبراير/شباط جاء فيه: "مؤسف جداً أن تمول الإمارات الفوضى في شبوة بميزانيات ضخمة وأن يتم استغلال حاجة الناس للزج بهم ليكونوا ضحايا لتحقيق أطماع نفوس مأزومة"، مستطردا بالقول: "هذه الأموال لو أنفقت في تقديم خدمات أو عون للناس لكفتهم".

وخسرت أبوظبي نفوذها في شبوة النفطية خلال أحداث أغسطس/آب الماضي، عندما استعادت القوات الحكومية سيطرتها على المحافظة وتساقطت معسكرات قوات "النخبة الشبوانية" المدعومة إماراتياً، والتي تتهمها السلطات المحلية بالوقوف وراء أحداث عنف من حين لآخر.

ويعد المرتزقة ركنا أساسيا لحرب الإمارات بالوكالة في اليمن. وفي هذا الصدد، تشير مصادر أن أبوظبي "أطلقت وعودا داخل مناطق نفوذها باليمن عموما، وسقطرى خصوصا، بمنح من يرغب بالسفر للعمل كمجند بالإمارات رواتب تصل إلى 6000 درهم إماراتي، وكذلك إمكانية تجنيدهم في السلك العسكري الإماراتي، مع التركيز على منتسبي الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة هادي".

وتشير التقارير أن المئات من السقطريين سافروا فعلا إلى أبوظبي على أثر تلك الوعود، وسط مخاوف من أن يتم تجنيدهم كمرتزقة لصالح الإمارات، ثم العودة بهم لتنفيذ أجندة تمرد عسكري باليمن، أو إرسالهم إلى ليبيا، أو دول أخرى، على غرار توظيف الإمارات لمرتزقة من دول متعددة.

ولكن إذا المرتزقة الأجانب والمحليين هما جناحا حرب الوكالة الإماراتية في اليمن، فإن عمودها الفقري هو قوات المجلس الجنوبي الانتقالي، ذو التوجه الانفصالي، والذين يقاتل من أجل السيطرة على الشطر الجنوبي من البلاد، ويشن غارات متواصلة على القوات الحكومية.

سلاح المرتزقة

ولذا يصف خبراء استراتيجيون الانسحاب الإماراتي من اليمن أنه مجرد انسحاب "تكتيكي"، ويستبعدون أن يكون له أي تأثير ميداني إيجابي لصالح الاستقرار والسلام في اليمن، وفقا لما نقله موقع الجزيرة نت.

ويقوم هذا التكتيك، حسبما يرى الخبير العسكري والاستراتيجي السعودي، اللواء "شامي الظاهري"، على "تحركات لاستبدال قوات محل قوات أخرى أو تبديل من منطقة عمليات إلى أخرى"، وفقا لما أوردته وكالة سبوتنيك الروسية، مشيرا إلى أن "هذا يجرى لأجل استمرار نشاط وجاهزية القوات في مسرح العمليات".

وفي السياق ذاته، نوه الخبير الأمريكي "جريفوري جونسن" إلى الإمارات صارت تعتمد على شركات متخصصة في القتل لتنفيذ عمليات اغتيال في مدينة عدن، وهو ما أكده تحقيق لموقع "بازفيد" الأمريكي.

وأشار التحقيق الأمريكي إلى أن أبوظبي استأجرت مقاتلين، تلقوا تدريبا متخصصا من قبل الجيش الأمريكي، لتنفيذ عمليات اغتيال، وكلفت المقاتلين بتنفيذ عملية اغتيال، واستجلبت مرتزقة أجانب، ومنحتهم ميزات وضمانات كبيرة، من أجل تنفيذ أجندتها الخاصة في منطقة الشرق الأوسط.

وكانت باكورة الاعتماد الإماراتي على سلاح المرتزقة الأجانب هي تشكيل ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، عام 2011، لقوة سرّية مؤلفة من 800 مرتزق كولومبي تحت قيادة "ريكي تشامبرز"، العميل السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي والذي عمل لسنوات لصالح "إريك برنس"، مؤسس شركة "بلاكووتر".

استهدف "بن زايد" من تشكيل القوة مواجهة ثورات الربيع العربي في حال امتدادها إلى الإمارات، وتنفيذ مخطط الثورات المضادة الهادف إلى وأد الاحتجاجات الشعبية في المنطقة.

وفي حرب اليمن؛ قدرت رواتب المرتزق الكولومبي بين 2000 إلى 3000 دولار شهريا كراتب أساسي، علاوة على راتب إضافي يقدر بألف دولار أسبوعيا طوال فترة تواجده بالإمارات تقدر بـ3 أشهر.

يحصل المرتزقة كذلك على بطاقات إقامة رسمية في الإمارات، ويحصلوت أيضا على ذات الخدمات الصحية والتعليمية التي يحصل عليها المواطنون الإماراتيون، كما حصلوا على وعود بحصولهم وأسرهم على الجنسية الإماراتية، علاوة على معاش مالي مناسب بعد انتهاء مهامهم.

وفي حالة وفاة أحد أفراد المرتزقة بإحدى المهام؛ فإن أبوظبي تضمن رعاية أسرته مستقبليا، بما في ذلك الرعاية المادية والتعليمية حتى انتهاء المرحلة الجامعية، حسبما ذكرت صحيفة "El Tiempo" الكولومبية في أكتوبر/تشرين الأول 2015.

وتطور تجنيد الإمارات للأجانب لاحقا ليشمل مرتزقة أفارقة، بما في ذلك قوات من السودان، وتشاد، وأوغندا، وجنوب أفريقيا، وإريتريا، حسبما أكد "منتدى العاصمة".

ويلعب قائد قوات الدعم السريع السودانية "محمد حمدان دقلو"، الشهير بـ"حميدتي"، دورا بارزا في تجنيد المرتزقة الأفارقة لصالح الإمارات، وفقا لما نقله "الخليج أونلاين" عن مصادره.

في السياق ذاته، أكد المحلل الإسرائيلي بصحيفة "هآرتس" العبرية "زيفي بارئيل"، أن الشركات من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك (إسرائيل)، تدير أنظمة استخبارات متطورة تابعة للإمارات.

 ويشير "بارئيل" إلى أن أبوظبي "ساهمت بذلك في تطور مصطلح المرتزقة من مجرد تعبيره عن وحدات مقاتلة مسلحة من الدول الفقيرة التي تأتي لتحسين مستوى معيشتها، إلى مجموعات متعددة الأنشطة تقوم بمهام متطورة تشكل إنشاء وحدات قتالية، وقيادة تلك الوحدات، والتخطيط لتحركات الحرب، وشراء المعدات، وإدارة الميزانيات".

ويعد القيادي المفصول من حركة فتح الفلسطينية "محمد دحلان"، مهندسا للعديد من صفقات جلب المرتزقة إلى الإمارات، إثر عمله مستشارا لدى ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" منذ عام 2011.

وحسبما أشار مصدر مقرب من "دحلان"، فإن الأخير "تورط في جلب مرتزقة أجانب لتنفيذ عمليات اغتيال بحق قادة ودعاة وسياسيين يمنيين".

وعليه فإن الأوضاع في اليمن مرشحة لمزيد من التأزم حتى إن قررت السعودية إنهاء عمليات تحالفها العسكري.. إن لم يكن بيد الأجانب، فبيد ميليشيات الاحتراب المحلي، المدعومة بالأموال الإماراتية.