علاقات » روسي

من يربح حرب النفط الجديدة بين السعودية وروسيا؟

في 2020/03/11

متابعات-

تراجعت أسعار النفط بأكثر من 30% خلال اليومين الماضيين مع ظهور بوادر حرب نفطية بين السعودية وروسيا، في وقت يعاني فيه السوق من تخمة في المعروض وركود في الطلب، جراء تفشي فيروس "كورونا".

وربما تحمل الأيام القادمة، المزيد من الخسائر لمنتجي النفط، بعد اشتعال حرب الأسعار بين قوتين عظميين في سوق النفط، ما يهدد باقي المنتجين الرئيسين من أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك".

وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت 12.23 دولار أو ما يعادل 27% إلى 33.04 دولار للبرميل، في طريقها لتسجيل أكبر انخفاض يومي منذ 17 يناير/كانون الثاني 1991.

كذلك تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 11.88 دولار، أو ما يعادل 29% إلى 29.40 دولار للبرميل، بعد أن لامس مستوى 27.34 دولار، وهو أدنى مستوى منذ 12 فبراير/شباط 2016.

انهيار "أوبك+"

ويعود الانهيار الحاد في أسعار النفط إلى فشل الدول الأعضاء في "أوبك+" في تجديد اتفاق خفض الإنتاج الذي يهدف إلى إزالة حوالي 2.1 مليون برميل من الطاقة الفائضة يوميا، وهو الاتفاق الذي سينتهي العمل به رسميا في نهاية مارس/آذار الحالي.

ويضم "أوبك+"، الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، والدول النفطية الحليفة من خارج المنظمة، وأبرزها "روسيا، المكسيك، البرازيل، النرويج، كولومبيا، كازاخستان، أذربيجان، أنجولا، إيران، سلطنة عمان".

وكانت السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، تسعى لإقرار تخفيضات نفطية جديدة بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا إضافية حتى نهاية 2020، ما يعني بلوغ إجمالي التخفيضات 3.6 مليون برميل يومياً أو حوالي 3.6% من الإمدادات العالمية.

لكن موسكو رفضت دعم تخفيضات نفطية أكبر، وهو ما أغضب الرياض، لينتهي العمل باتفاقية استمرت 3 سنوات بين روسيا و"أوبك"، وترد السعودية على ذلك بإلغاء كل القيود على إنتاجها وإغراق الأسواق بالنفط الرخيص.

إغراق الأسواق

بدأت اللعبة مع مطالبة وزير الطاقة السعودي الأمير "عبدالعزيز بن سلمان" لشركة "أرامكو" مطلع الأسبوع الحالي بتعزيز إنتاجها من الخام.

وتعتزم السعودية، وفق "رويترز"، زيادة إنتاج النفط إلى أكثر بكثير من 10 ملايين برميل يوميا في أبريل/نيسان المقبل، وربما ترفع الإنتاج إلى 12 مليون برميل يوميا، في محاولة للضغط على روسيا.

ولم تتوقف الحرب النفطية من جانب السعودية عند ذلك الحد، بل أعلنت عرض الخام الخاص بها بخصم كبير في الأسواق الرئيسية، حيث خفضت سعر البرميل بنحو 10 دولارات للزبائن في أوروبا و6 دولارات للزبائن في آسيا و3 دولارات للزبائن في الشرق الأوسط، وهو خفض غير مسبوق يهدف لمنافسة الخام الروسي.

ووفق الباحث بمعهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية "تيلاك دوشي": فإن "الأمر يبدو بمنزلة صدمة سعودية شاملة وإستراتيجية تهدف لمحاصرة النفط الروسي في أسواقه الرئيسية في أوروبا وآسيا".

ويفسر الخبير في شؤون النفط في المنطقة "بيل فارين برايس"، التحرك السعودي بأنه "يهدف لإشعال حرب أسعار ردا على خروج روسيا من اتفاق أوبك+"، بحسب "فرانس برس".

وربما تستهدف السعودية عبر تلك الصدمة، إلى إجبار موسكو على العودة لطاولة المفاوضات، والاتفاق على خفض أكبر في حصص الإنتاج من أجل إعادة الأسعار إلى الارتفاع مجددا.

عناد روسي

لكن الأمور في أسواق النفط تبدو تتجه إلى المزيد من التصعيد، مع إعلان "الكرملين" أن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لا يعتزم التحدث مع القيادة السعودية بشأن أسعار النفط.

ويعد إعلان "بوتين" أن سعر 40 دولاراً للبرميل يعد مقبولا لدى بلاده، إشارة ذا مغزى، بأن موسكو كانت تتحضر مسبقا لانخفاض في أسعار النفط، وأن ذلك ربما يصب في مصلحتها على المدى الطويل مع تعزيز حضورها في الأسواق الدولية.

كما أن الشركات النفطية الروسية لديها اتفاقات طويلة الأجل مع السوق الصينية وبأسعار شبه ثابتة في المتوسط، ما يمنحها قدرة على الصمود أكثر.

ويعود الرفض الروسي لخفض الإنتاج، كذلك، إلى رغبة موسكو في محاصرة صناعة النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة، وإخراجها من السوق الأوروبية.

ووفق ميزانية العام الجاري 2020، فإن روسيا بنت ميزانيتها على أساس سعر لخام برنت منخفض جداً هو 42.4 دولار للبرميل، وهو ما يقلل من احتمالات تكبدها لخسائر فادحة، مقارنة بالسعودية التي بنت ميزانيتها عند سعر 55 دولارا للبرميل.

ولتحقيق التعادل في الميزانية السعودية، تحتاج المملكة إلى سعر مرتفع للبرميل عند مستوى 71 دولارا، لذا فإن المملكة كانت متمسكة بشدة تمديد اتفاق "أوبك+".

ولكن مع انهيار اتفاقية خفض الإنتاج، فإن أيا من الدول المنتجة للنفط لن تكون مضطرة إلى خفض إنتاجها، ما يعني إغراق الأسواق بقوة، وزيادة تخمة المعروض، وبالتالي انهيار الأسعار بشكل أكبر بكثير.

20 إلى 30 دولارا

لكن هناك مخاوف كبيرة أن حرب الأسعار السعودية ربما تخرج عن السيطرة هذه المرة، خاصة مع الركود الكبير في الأسواق بسبب المخاوف من تفشي فيروس كورونا، ما ينذر بانهيار الأسعار إلى مستوى قد يصل إلى 20 دولارا للبرميل.

ويتوقف هذا الانهيار على حجم الضخ الذي يقرره المنتجون الرئيسيون للنفط، في مسعاهم للاستحواذ على حصة في السوق.

في هذا السياق، تقول محللة الطاقة "فاندانا هاري"، من شركة فاندا انسايتس للأبحاث، لـ"بي بي سي" إن "انهيار تحالف أوبك بلس يمثل صدمة كبيرة لسوق النفط، ويأتي متزامنا مع تحد إضافي وهو الغموض الذي يسببه كورونا".

ورغم ذلك، يبدو أن الرياض وموسكو لا تزالان متمسكتين بسياسة "عض الأصابع" في انتظار من يصرخ أولا، ومن سيكون مضطرا للعدول عن موقفه وتقديم تنازلات، ولكن المؤكد أنه كلما طالت فترة انخفاض الأسعار، زاد الألم الاقتصادي الذي ستتحمله الدول المنتجة للنفط.

وسوف يكون هذا الألم محسوسا بشكل خاص في دول الخليج، حيث من المرجح أن تعاني بعض الدول الخليجية عجزا غير مسبوق في الموازنة حال استمرت موجة انخفاض الأسعار.