دول » دول مجلس التعاون

كيف تسللت الرواية الإسرائيلية إلى الدراما الخليجية؟

في 2020/05/02

متابعات- 

لسنوات طويلة اختارت الدراما الخليجية، وتحديداً الدراما الكويتية (وهي الأكثر غزارة إنتاجياً)، التركيز بشكل كامل على الشأن السياسي المحلي، والتناقضات الحادة التي أصابت المجتمعات الخليجية نتيجة اكتشاف النفط، وصعود دولة الريع، وتأثيرها بجيل الشباب، مبتعدة عن تناول القضايا العربية، مثل قضية فلسطين.

وأسهمت رغبة الحكومات الخليجية، التي تتحكم تلفزيوناتها بعملية الإنتاج، بعدم دخول المعترك السياسي العربي والفلسطيني تحديداً، في ابتعاد المنتجين المنفذين عن إنتاج مثل هذه القصص. هذا، إلى جانب عدم وجود كتّاب سيناريو يتصدون لهذه المهمة، وغياب الإنتاج الإعلامي الخاص بسبب غياب الفضائيات العربية في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، وهي الفترة الذهبية للفن الكويتي بصفة خاصة والخليجي بصفة عامة.

لكن ذكر القضية الفلسطينية، وشجب الاحتلال الإسرائيلي، كانا حاضرين في الأعمال المسرحية التي مثّلها كبار الفنانين الكويتيين، مثل عبد الحسين عبد الرضا وسعد الفرج. وإن لم يكن موضوع المسرحية القضية الفلسطينية بشكل أساسي، لكن ذكرها أتى على لسانهم في مواضع عدة في المسرحيات الكويتية الخالدة مثل "باي باي لندن"، و"سنطرون بنطرون"، و"حامي الديار".

لكن عام 2001 حمل تغيراً كبيراً في الأعمال الدرامية العربية. إذ ساهم ظهور قناة "الجزيرة" القطرية (1996) في شدّ انتباه الدول الخليجية إلى إمكانية استخدام الإعلام والصورة والدراما أداةً لاستعراض النفوذ السياسي، خصوصاً أن السنوات التي تلتها ترافقت مع صعود الفضائيات في العالم العربي وانتشارها في كل بيت تقريباً.

وتعاون الكاتب المصري الشهير يوسف معاطي في ذلك العام مع الفنان الكويتي داود حسين لإنتاج مسلسل الكوميديا السوداء "إرهابيات" (2001) الذي عُرف أيضاً باسم "شارونيات"، حيث مثّل الفنان داود حسين دور رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون، فيما مثّل الفنان حسن البلام دور رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.

خلال 30 حلقة من حلقات المسلسل الذي أنتجته فضائية "أبو ظبي" ومولته الحكومة الإماراتية آنذاك، سخر داود حسين من قادة إسرائيل ومن القصة التي يحاول الإسرائيلون ترويجها حول قيام دولتهم. وسخر من القادة الإسرائيليين الآخرين، مثل غولدا مائير، وموشي ديان، وإسحاق رابين. 
وأدى المسلسل إلى أزمة سياسية كبيرة، وأغضب دولة الاحتلال الإسرائيلي التي حاولت الضغط لإيقاف عرضه. كذلك فإنه كشف عن قوة الدراما الخليجية وقدرتها على التأثير في وعي الشعوب العربية بسبب انتشارها عبر الفضائيات ووجود رأس المال الإنتاجي الكبير الذي تقف خلفه حكومات مثل حكومة الإمارات آنذاك. وقد كانت هذه الأخيرة تبحث عن فرص استثمارية في الأعمال الدرامية والفنية والإعلامية، وتحاول تطوير فضائية "أبو ظبي" وتقدمها كمنافس إخباري ــ ترفيهي لقناة "الجزيرة" ذلك الوقت، قبل أن تعدل عن المشروع فيما بعد.

وانتقدت الحكومة الإسرائيلية مسلسل "إرهابيات"، وقال سكرتير الحكومة الإسرائيلية آنذاك غيدون سار، عقب اجتماع لمجلس الوزراء الإسرائيلي إن "الحكومة ترى أن المسلسل يعكس ثقافة تحريض وكراهية، ويستدعي فترات مظلمة من التاريخ ونبرة واضحة من العداء للسامية". فيما قال وزير الخارجية الإسرائيلي السابق شمعون بيريز: "إن هذا المسلسل عنصري ويثير الاشمئزاز"، فيما سحبت شركات عالمية إعلاناتها من تلفزيوني أبوظبي، المنتج للمسلسل، وتلفزيون الكويت الذي كان يبثّ المسلسل أيضاً، احتجاجاً على ما وُصف بأنه "معاداة للسامية". فيما ترجمت الحكومة الإسرائيلية أجزاءً من بعض حلقات المسلسل وأرسلتها إلى السفارات الأجنبية كعملية احتجاجية.

ولم تجدد فضائية "أبوظبي" للمسلسل موسماً آخر، ولم يقم داود حسين بمحاولة لتجديد العمل في ذات السياق والقصة، وفضّل العودة إلى أعمال التقليد الساخرة. لكن النتيجة النهائية كشفت عن قوة الدراما الخليجية ومقدرتها على الانتشار عبر الفضائيات الممولة خليجياً. من هنا، اكتشفت الحكومات فعالية هذا السلاح، وبدأ بعض الأمراء الطامحين إلى أداء أدوار كبيرة في المنطقة فيما بعد بالاستثمار فيه.

بعد "إرهابيات"، عادت الأعمال الدرامية الخليجية، التي غالباً ما تُنتَج في الكويت، لمناقشة القضايا المحلية، فيما ناقشت الدراما السعودية والكوميديا السوداء التي يقدمها الفنان السعودي الأشهر ناصر القصبي عبر مسلسل "طاش ما طاش" القضايا المحلية المتعلقة بسيطرة المتشددين على التعليم، ونفوذ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو توجه كانت الحكومة السعودية تدفع القصبي إلى تمثيله وتموله عبر مجموعة MBC المملوكة لكبار أمراء الأسرة الحاكمة.

واستمر السعوديون والإماراتيون في استثمار المنصات الدرامية، وأبرزها منصة مجموعة قنوات MBC (ذات الجماهيرية الهائلة) في محاربة خصومهما من مؤيدي الربيع العربي ثمّ الإخوان المسلمين بحجة الحرب على الإرهاب. ثم مع فرض الحصار على قطر، قررت الشبكة تجنيد إنتاجاتها لمهاجمة الدوحة وإهانة شخصيات عربية، خصوصاً الفلسطينيين، متهمة إياهم بـ"بيع أوطانهم" عبر قالب تهريجي يؤديه ممثلون مبتدئون يحاولون محاكاة أعمال داوود حسين التقليدية التي برع فيها في أواخر تسعينيات القرن الماضي.

لكن عام 2020 حمل معه نقلة أخرى نحو التطبيع. فبعد إعلان ورشة البحرين التي مهدت لما يسمى "صفقة القرن"، أشرفت مجموعة MBC ـــ التي انتزع محمد بن سلمان جزءاً كبيراً من أسهمها بعد سجن مالكَيها الأمير عبد العزيز بن فهد آل سعود، وخاله الشيخ وليد الإبراهيم ـــ على نقلة جديدة تسعى إلى التمهيد للتطبيع مع إسرائيل شعبياً، عبر محاولة إضفاء نزعة إنسانية على الوجود اليهودي في المنطقة وأحفادهم الذين هاجروا طوعاً إلى فلسطين (مسلسل "أم هارون")، وعبر طرح مسألة التطبيع كجزء من النقاش العام داخل العائلات الخليجية كما صوّر ذلك مشهد من مسلسل "مخرج 7".

في "أم هارون" الذي تؤدي دور البطولة فيه الفنانة الكويتية حياة الفهد، ويخرجه المخرج المصري محمد العدل، تستعيد أحداث المسلسل الوجود اليهودي في الكويت في أربعينيات القرن الماضي، وآثار إعلان قيام دولة إسرائيل عليهم، في محاولة لإزالة الحواجز النفسية بين سكان الخليج العربي واليهود الذين كانوا، بحسب ما تقول بطلة المسلسل في لقاء لها، "جزءاً من تاريخ الخليج".
وفضّل صناع مسلسل "أم هارون"، وهم شركتا "الفهد" الكويتية التي تعود ملكيتها لحياة الفهد، و"جرناس" الإماراتية، وخلفهما المنتج الرئيسي مجموعة MBC عدم تصوير المسلسل في الكويت. وجاء هذا القرار، رغم أن القصة تدور أحداثها هناك، وطاقم المسلسل إما كويتي أومن الممثلين الذين يعيشون في الكويت. لكن خوف المنتجين من تساؤلات وزارة الإعلام التي يسيطر عليها المحافظون، وموقف الكويت الحاد من التطبيع، أدى إلى نقل المسلسل إلى الإمارات، التي وافقت حكومتها على تصوير أحداث العمل فيها.

وإن حاول مسلسل "أم هارون" إضفاء الجانب الإنساني على دولة الاحتلال، فإن مسلسل "مخرج 7" السعودي كان أسوأ بمراحل. إذ تبنى فكرةً مفادها أن إسرائيل ليست دولة عدوة كما يجاهر بذلك أحد أبطال المسلسل (راشد الشمراني) في واحد من المشاهد، بل يشير إلى أنّ الفلسطينيين أسوأ من الإسرائيليين، لأنهم لا يقدّرون التضحيات التي تقوم بها السعودية من أجلهم. وفي ختام أحد المشاهد يدعو الشمراني إلى التعايش مع فكرة وجود إسرائيل.

حتى إن بطل العمل الرئيسي، أي ناصر القصبي، الذي يمثل الجانب المؤيد للفلسطينيين في المسلسل، يلمز ويطعن في القضية الفلسطينية أكثر من مرة، من خلال مشاهد مدروسة كتبها كاتب السيناريو، خلف الحربي، الشهير بعمله مباشرة مع وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان.

ورافقت هذه الأعمال الدرامية، موجة هائلة من الإشادة بها، من قبل الصحف السعودية المحلية، أو الصحف الممولة من السعودية في الخارج مثل "الشرق الأوسط". فيما يتوقع مراقبون أن يكون هذا التأييد الكبير من الصحف المملوكة للنظام السعودي بادرة لأعمال درامية جديدة في المواسم المقبلة، تكون أكثر دعماً لإسرائيل، وتزيد في مهاجمتها لفلسطين والفلسطينيين بحجة "نكرانهم للجميل السعودي".