سياسة وأمن » صفقات

هل ستجبر الأزمة المالية السعودية على الحد من نفقاتها العسكرية وتخسر نفوذها السياسي

في 2020/05/19

الغارديان البريطانية-

نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا لمراسلتها في واشنطن ستيفان كيركغاسنر، ومراسلها في لندن دان صباغ، قالا فيه إن الأزمة المالية قد تجبر السعودية على الحد من النفقات العسكرية، وقالا إن خامس أكبر مشتر للسلاح في العالم بات يستنفد احتياطاته المالية ومعها نفوذه السياسي. وهو ما اعتبراه “نهاية عصر” وأشارا إلى أن المملكة قد تُجبر على التخلي عن صفقات السلاح الجديدة وتأخير العقود التي تم الاتفاق عليها، في وقت تعاني فيه من أزمة اقتصادية كما يتوقع الخبراء.

وترى الصحيفة أن التأخير المتوقع لصفقات الأسلحة سيترك تداعيات سياسية على بلد شن حربا مدمرة في ظل حاكمه الفعلي ولي العهد محمد بن سلمان، على الدولة الجارة اليمن.

وتعلق الصحيفة أن السعودية تواجه أزمة مالية بسبب انهيار أسعار النفط والاضطرابات العالمية التي نجمت عن انتشار وباء كوفيد-19 والذي أثر على الطلب العالمي للنفط وعلى المستقبل القريب.

ونقلت الصحيفة ما قاله بروس ريدل، الزميل في معهد واشنطن والذي خدم 30 عاما في الوكالة المركزية للاستخبارات الأمريكية، وعمل مستشارا للحكومات الأمريكية المتعاقبة: “ليس لدي أي داع للشك أن هذه هي نهاية عصر، عصر امتلاك دول الخليج الفارسي كل هذه الأموال”.

وبلغت النفقات العسكرية السعودية على السلاح في العام الماضي 62 مليار دولار، مما جعلها خامس أكبر مشتر للسلاح على مستوى العالم. وبمقارنة أرقام العام الماضي مع العام الذي سبقه، فهي تبدو أقل، ولكنها تظل تمثل نسبة 8% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أن المملكة تنفق جزءا كبيرا من ثروتها على الأسلحة وأكثر من الولايات المتحدة (3.4%) والصين (1.9%) وروسيا (3.9%) والهند (2.4%) وهذه أرقام معهد ستوكهولم الدولي للسلام. وأشارت الصحيفة إلى أن نفقات السعودية على السلاح أعطاها نفوذا سياسيا.

ويقول أندرو فاينستاين الخبير في الفساد وتجارة السلاح الدولي: “لو لم تكن السعودية هي أكبر مشتر للسلاح، فإنها لم تكن لتعوّل على الدعم المطلق للقوى الغربية. ومن نتائج شراء الأسلحة أنك تشتري علاقات”.

وفي الولايات المتحدة، أشار الرئيس دونالد ترامب في الماضي إلى أن السعودية عبّرت عن نيتها لشراء الأسلحة -وبتقديرات مبالغ فيها حول أثر الصفقات على سوق العمل الأمريكي- لكي يبرر رد إدارته على مقتل الصحافي جمال خاشقجي، الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” في القنصلية السعودية في اسطنبول.

وتعتبر السعودية أكبر زبون للسلاح البريطاني، وهي تشتري منها أكثر من أية دولة أخرى، بأكثر من 4.7 مليار دولار منذ بداية الحملة الجوية التي شنتها السعودية على اليمن عام 2015. وتعرض رئيس الوزراء بوريس جونسون لانتقادات بسبب سماحه لاستمرار الصفقات رغم المخاوف من اتهام بريطانيا بخرق القانون الإنساني الدولي عبر تقديم السلاح للحملة السعودية في اليمن.

ويعتقد بروس ريدل أن السعودية وغيرها ستجد نفسها أمام خيار تأجيل النفقات العسكرية وفي بعض الأحيان لفترة دائمة.

ويقول أندرو سميث من الحملة ضد تجارة السلاح: “أتوقع أنهم على المدى القصير سيوقفون التزامهم بالصفقات الكبرى، مثل مجموعة من الطائرات العسكرية والتي تتفاوض بريطانيا معها منذ وقت طويل”. ويعلق خبير آخر وهو السفير الأمريكي السابق في اليمن جيرالد فاينستاين، أن السعودية تستطيع بسهولة تأخير أو تعليق الصفقات العسكرية، لكنها بحاجة للحفاظ على العقود العسكرية لصيانة أسلحتها حتى تظل قابلة للتشغيل.

وأشار إلى أن السعودية حاولت في الماضي التفاوض على تأخير الدفع للصفقات ولمدة طويلة. وقال: “تذكر عندما جاء محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض وحمل ترامب لوحة مفصلة حول مشتريات السعودية بقيمة 100 مليار دولار وكانت هذه مجرد توقعات” و”معظم تلك الصفقات لم تناقش أو توقع، وكان مجرد كلام على الهواء”.

ولا يواجه محمد بن سلمان أزمة مالية عليه أن يتعامل معها فقط، ففي الولايات المتحدة يواجه منظور انتخاب جوزيف بايدن، المرشح الديمقراطي المفترض لانتخابات الرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر. وقال بايدن إنه سيضع حدا على صفقات السلاح إلى السعودية، ووصف القيادة السعودية الحالية بـ”المنبوذة”.

وتقول كريستين فونتنروز التي عملت مديرة لشؤون الخليج بمجلس الأمن القومي في إدارة ترامب: “لا أعتقد بتأثير الأزمة المالية على نفقاتهم كلها”. وبدلا من الإعلان عن وقف النفقات فقد تنتظر السعودية إلى تشرين الثاني/ نوفمبر ونتائج الإنتخابات، وسيقطع بايدن النفقات حالة فوزه فإنه سيتظاهرون بـ”القبول على مضض”. وتضيف: “هذه واحدة من الطرق لتجنب التداعيات والحفاظ على علاقات مع القطاع الخاص”.

ويتوقع ريدل أن من الشركات التي قد تتأثر بشكل واضح هي شركة أنظمة الدفاع “بي إي إي سيستمز” والتي تعتمد كثيرا على العقود السعودية “ستتضرر بي إي إي بشكل ضخم، وهناك آلاف من موظفيها تعتمد وظائفهم على دعم سلاح الجو السعودية بطريقة أو بأخرى، وعاجلا أم آجلا سيقال لهم: لن نتمكن من دفع رواتبكم”.

وفي تصريح تجنب المتحدث باسم “بي إي إي” التعليق حول إمكانية تخفيض السعودية صفقات السلاح، ولكن الشركة التي تحصل على موارد بنسبة 13% من مبيعاتها إلى المملكة ستواصل تقديم “الدعم والتدريب” إلى السعودية حتى 2022.

وتحتاج السعودية لأن يكون سعر برميل النفط 85 دولارا حتى تحافظ على ميزانيتها بدون عجز. وبدلا من ذلك كانت المملكة تأخذ من احتياطها الأجنبي خلال السنوات الخمس والذي انخفض من 750 إلى 500 مليار دولار.

ومن الناحية العامة لم تخفف السعودية نفقاتها، رغم ما أعلنته من زيادة غير مسبوقة في الضرائب وتخفيض في الميزانية. وتحاول هيئة الاستثمارات العامة التي يسيطر عليها ولي العهد الاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد في بريطانيا، واشترت حصصا بملايين الدولارات في شركة الشحن البحري “كارنيفال” و”لايف نيشين” التي تعد أكبر شركة عالمية لترويج الحفلات الموسيقية والمناسبات.

ولا يوافق جميع الخبراء على فكرة تخفيض السعودية النفقات الدفاعية، فبحسب كريستين أورليكسن الباحث في معهد بيكر للسياسة العامة، بجامعة رايس فالسعودية ستضاعف من النفقات الدفاعية رغم الضغوط الاقتصادية ووسط الشكوك حول التزام الولايات المتحدة بالأمن السعودي.