سياسة وأمن » دراسات سياسية

أتباع أبوظبي جنوبي اليمن... نمد يدنا لإسرائيل وللمريخ [5/5]

في 2020/07/17

العربي الجديد-

يكفي تتبّع تصريحات نائب رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي"، هاني بن بريك، الذي يوصف بأنه رجل الإمارات الأبرز في اليمن، لمعرفة حجم التحوّل الذي تدفع إليه الإمارات عبر حلفائها في اليمن في العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي. صرّح بن بريك في بث مباشر على موقع "تويتر" في 22 يونيو/ حزيران الماضي خلال تطرقه إلى "مسألة العلاقة مع دولة إسرائيل" بعد الأنباء التي تحدثت عن علاقات للمجلس مع الاحتلال قائلاً: "نحن في المجلس الانتقالي لا يوجد لدينا شيء نخبئه أبداً، لو لنا علاقة مع أبناء عمومتنا اليهود، دولة إسرائيل، سنعلن عنها، لكن ينبغي أن تعرفوا شيئاً واحداً، إن المسلّمة الوحيدة في هذا الملف، الملف الإسرائيلي عندنا هي المبادرة العربية، التي تضمن حق الشعب الفلسطيني أن يعيش في دولة مستقلة…". قبل أن يضيف "في ظل هذه المبادرة وفي ظل ضمان حق الشعب الفلسطيني في أن يقيم دولته حرة مستقلة عاصمتها القدس الغربية (يقصد الشرقية)، فإن عندنا في ذلك توجّه سائر الدول العربية التي اتفقت على ذلك"، مصوباً على العلاقات القطرية الإسرائيلية من بوابة ما قال إن ما هو "حلال لهم حرام على غيرهم".

وتوقف عند ما سماه "استغلال القضية الفلسطينية والمتاجرة بها وإرهاب كل من يسعى للسلام بأنه عميل وخائن مع اليهود، وضد القضية"، معتبراً أن الدول الخليجية هي أبرز الدول العربية الداعمة للقضية الفلسطينية. وأضاف أن "السلام مطمع ومطمح لنا مع إسرائيل ومع غير إسرائيل. وأنا أقولها لكم، أي دولة حتى لو كانت في المريخ ستعين الشعب الجنوبي لعودة دولته المستقلة على حدود ما قبل مايو/ أيار 1990 سنمد يدنا لها، على ثوابتنا العربية من دون أن يقع أي ظلم على أي شعب من شعوب العالم".
وكان بن بريك قد أكد في تغريدات على "تويتر" أكثر من مرة، أنهم في "المجلس الانتقالي" مستعدون لإقامة علاقة مع أي طرف في العالم يدعمهم لإقامة دولتهم في الجنوب اليمني، حسب زعمه، وهو موقف لم يكن مستغرباً لدى قيادات جنوبية أخرى كانت تتوقع ذلك، لا سيما في ظل العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، والتشارك في عدد من الملفات في المناطق التي تشهد صراعات في الشرق الأوسط، وبينها اليمن.

وسبق ذلك نشر صحيفة "إسرائيل توداي" تقريراً، في 21 يونيو/ حزيران الماضي، بعنوان "صديق إسرائيل السري الجديد في اليمن"، جاء فيه نقلاً عن مصادر سياسية، أن "المجلس الانتقالي الجنوبي" هو الصديق الجديد لإسرائيل، وتُجرى اتصالات سرية بين الطرفين. وبحسب التقرير، فإنّ "المجلس الانتقالي" المدعوم إماراتياً، يبدي موقفاً إيجابياً تجاه إسرائيل، مشيراً في الوقت عينه إلى أنه لم تتم مناقشة إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع المجلس حتى الآن، متوقفة عند تغريدات بن بريك تحديداً قبل أن يرد الأخير في البث المباشر بعدها بيوم. ونقل كاتب المقال أفييل شنايدر عن صديق يعمل في مطار بن غوريون قوله إنه شهد في يناير/ كانون الثاني 2020 وصول يمنيين غير يهود يزورون إسرائيل.
الدور الإماراتي
تأتي هذه التصريحات مترافقة مع معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر مختلفة، عن تنظيم أبوظبي لقاءات بين مسؤولين من "الانتقالي" وآخرين إسرائيليين، وهي المرة الأولى التي تظهر فيها علاقة إسرائيلية مع طرف يمني، وكان الجنوب وأبوظبي ودول في القرن الأفريقي مسرحاً لتلك اللقاءات التي ارتفعت وتيرتها وخرجت من العلاقة السرية لتقارب العلنية.
ووفق المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر مختلفة، فإن الإمارات استعانت بالإسرائيليين في وقت مبكر من الحرب اليمنية، لمساعدتها في تحركاتها في اليمن والقرن الأفريقي، لذلك سعت لخلق علاقة بين الإسرائيليين وأتباعها في "المجلس الانتقالي"، لتُعقَد لقاءات بين مسؤولين إسرائيليين و"مستشارين" من قيادة المجلس بتنسيق إماراتي، ثم بقيادات من المجلس في أبوظبي. وزادت اللقاءات وتوسعت إلى دول في القرن الأفريقي، وتطور الأمر إلى تدريب إسرائيلي عبر شركات خاصة لمليشيات "الانتقالي" والمساعدة في إنشاء المعسكرات والقواعد، وأيضاً في مساعدة الانفصاليين بعمليات الملاحقة والتجسس وتصفية معارضي أبوظبي، واستخدام بعض الأسلحة والتقنيات الإسرائيلية في الصراع.

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن اللقاءات بين مسؤولين في "الانتقالي" وآخرين إسرائيليين، كانت تتم في بداية الأمر بشكل سري في أبوظبي وأفريقيا، قبل أن تتطور إلى زيارة عدد من هؤلاء الإسرائيليين إلى عدن وحضرموت وبلحاف وسقطرى بصفة سياح وخبراء مشاريع، أما التدريبات لقوات "الانتقالي" فكانت بمعظمها تتم في قواعد عسكرية إماراتية في دول بالقرن الأفريقي.
ويقول مصدر سياسي مقرب من "الانتقالي"، سافر مرات عدة إلى الإمارات مع قيادات في المجلس، وتحفظ عن ذكر اسمه لأسباب أمنية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن أبوظبي حضّرت الأجواء في أراضيها لمسؤولي "الانتقالي" للقاء أطراف دولية عدة، وتكوين علاقات سواء برضاهم أو من دونه، ومن بين هذه الأطراف إسرائيليون، وكانت اللقاءات تتم بسرية تامة وبحضور قيادات وضباط إماراتيين من اللجنة المكلفة بإدارة الملف اليمني. ويوضح أن الأمر كان مرتبطاً بداية بقيادات في "الانتقالي" على مستوى مستشارين موجودين بشكل دائم في أبوظبي، ويشاركون ضمن لجان أنشأتها الإمارات، ثم وصلت اللقاءات إلى مستوى القيادة ممثلة برئيس المجلس عيدروس الزبيدي، الذي لم يفاجأ بطلب الإماراتيين منه إجراء لقاء مع مسؤولين إسرائيليين ووافق على الفور، مع أنه كان في السابق خلال علاقته بإيران يعتبر نفسه في محور المقاومة ضد إسرائيل.
وبحسب المصدر، فإنه استمع إلى تلميحات من الزبيدي عدة مرات إلى تلك العلاقة، ويبدو أنه كان ينتظر ردة فعل التيار السلفي في "الانتقالي"، والذي يتزعمه نائبه هاني بن بريك، نظراً لحساسية التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي بالنسبة للتيارات الإسلامية والقومية. لكن الأمر كان مطمئناً له بأن بن بريك لم يعارض هذه العلاقة بل أصبح جزءاً من اللقاءات السرية، وهي طريقة بدأت عبرها أبوظبي تنسيق هذه العلاقة، لأنها كانت بحاجة بعد ذلك للاستعانة بالإسرائيليين في اليمن في مواضيع أمنية واستخبارية، بما فيها تدريب مليشيات وإنشاء قواعد عسكرية وغيرها.

في السياق، يقول قيادي آخر في "المجلس الانتقالي"، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن هذه العلاقة من المرجح أن تتسبّب بحرج للمجلس أمام مناصريه وحتى في صفوف قياداته، مع بروز أصوات معارضة لا تزال بمثابة آراء، نظراً لحساسية الأمر ليس فقط للمجلس وقضيته بل أيضاً للشعب الجنوبي، الذي يعتبر العلاقة مع إسرائيل والتطبيع معها من الأمور المرفوضة، وبالتالي خروج العلاقة إلى العلن سيهز شعبية المجلس، لكن طالما أن هناك دولاً تدعم "الانتقالي" في فرض سيطرته وحكم الجنوب، فلا مانع من إقامة العلاقة معها، وهذا هو المعيار الذي يفتح العلاقة مع أي طرف دولي بمن فيهم إسرائيل.

تجسس واغتيالات؟
في السياق، تتحدث مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد"، عن أن الوجود الإسرائيلي في اليمن بالتنسيق مع الإمارات بدأت ملامحه في العام 2017، وزاد في السنتين الأخيرتين، وشمل التجسس والدعم اللوجستي لأبوظبي وأتباعها، إضافة إلى التجسس على المسؤولين اليمنيين، من سياسيين وعسكريين وأمنيين وقيادات في المقاومة وأخرى حزبية وناشطين وصحافيين وغيرهم، في عدن وباقي مناطق الجنوب، بمن فيهم قيادات بارزة في السلطة الشرعية، خلال وجودهم في عدن، من خلال أجهزة تجسس إسرائيلية حديثة.

من جهته، يقول مسؤول في الحكومة اليمنية، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنه لا يستبعد أن تكون وراء تصفيات حصلت داخل اليمن وخارجه في أكثر من بلد عربي أيادٍ وخبرات وإمكانيات إسرائيلية، لأن لا قدرات إماراتية لتنفيذ كل هذه العمليات، لذلك لجأت الأخيرة إلى خبرات أجنبية أبرزها إسرائيلية.
ويجد هذا الاتهام ما يدعمه، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2018 نشر موقع "بازفيد" تقريراً عن استخدام الإمارات منذ عام 2015 شركة مرتزقة خاصة تدعى "سبير أوبرايشن غروب"، ومقرها ولاية ديلاوير الأميركية ومؤسسها يدعى أبراهام جولان، وهو متعاقد أمني مجري - إسرائيلي، مقيم في مدينة بيتسبرغ (بنسلفانيا)، استخدمت مقاتلين سابقين في القوات الخاصة الأميركية لتنفيذ عمليات اغتيال لرجال دين بارزين وشخصيات تنتمي لأحزاب إسلامية، وأهمها حزب "الإصلاح" الذي تعتبره الإمارات فرع "الإخوان المسلمين" في اليمن. ونقل الموقع عن أبراهام جولان قوله: "كان هناك برنامج اغتيالات في اليمن، كنت أديره. كان مصادقاً عليه من الإمارات في إطار التحالف".
وبحسب المسؤول اليمني الذي تحدث مع "العربي الجديد" شرط عدم الكشف عن اسمه، فإن الإماراتيين باتوا يتحركون مع الإسرائيليين بشكل كبير في البحر الأحمر والعربي، وخليج عدن، فضلاً عن المحيط الهندي، ويعملون على جعل جزيرة سقطرى قاعدة لهم، لتأمين مداخل مضيق باب المندب، من الشرق المحيط الهندي وبحر العرب، ومن الغرب البحر الأحمر، وجنوباً القرن الأفريقي وعدن شمالاً، ومن سينفذ لهم ذلك هو "المجلس الانتقالي" والقوات الأخرى التي شكّلتها أبوظبي.
وفي سياق متصل، قال محلل الشؤون العربية في القناة الإسرائيلية 12، إيهود يعاري، أخيراً، إن "الاستخبارات الإسرائيلية تتابع بحب استطلاع كبير معارك السيطرة على جزيرة سقطرى، وهي حالة خارجة عن المألوف من حيث رغبة إسرائيل بأن ينتصر أولئك القادة الذين سبق أن تلقواً تدريباً عسكرياً وتثقيفاً سياسياً لدى حزب الله"، وذلك في إشارة منه إلى قيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي إبان فترة وجود عدد منهم في بيروت قبل سنوات، والذين قال إنهم يطلقون إشارات حول رغبتهم بالتقرب من إسرائيل.

الحكومة غير بعيدة
مصدر آخر في قيادة الشرعية يقول لـ"العربي الجديد"، إن مواقف الحكومة اليمنية لا تزال ثابتة في ما يخص العلاقة مع إسرائيل، واعتبار القضية الفلسطينية هي أم القضايا العربية والإسلامية وعاصمتها القدس، واستمرار رفضها التطبيع مع إسرائيل، على الرغم من الضغوط التي تمارس على الحكومة من قبل الرياض وأبوظبي في ما يخص التعاطي مع خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن".
لكن هذا الكلام لا يعدو كونه تسجيل مواقف مجانية بلا قيمة كبيرة، عندما يتذكر القارئ العربي جلوس وزير الخارجية اليمني (حينها) خالد اليماني في فبراير/ شباط 2019 إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر وارسو ضد إيران، وإعارته الميكروفون الخاص به، ليكون أول مسؤول يمني يلتقي بشخصية إسرائيلية من هذا الوزن علناً، في ما سماه يمنيون كثر حينها "تطبيعاً ناعماً" تم تبريره بأولوية مواجهة إيران وذراعها اليمنية، جماعة الحوثيين.

ويرى الباحث والمحلل السياسي اليمني، نبيل الشرجبي، أن الإمارات هي عرابة التسلل الإسرائيلي للمنطقة العربية عبر الكثير من التحالفات، وآخرها التحالف الإريتيري الإماراتي الإسرائيلي لضبط الاستراتيجية البحرية في البحر الأحمر. ويقول الشرجبي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إنه "توجد مشاريع تجارية عملاقة، مثل طريق الحرير الذي سيكون خطه البحري الأساسي عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي، وبما أن إسرائيل إحدى القوى الكبرى في البحر الأحمر، والإمارات إحدى القوى الكبرى في تشغيل الموانئ العالمية، التقت المصالح بينهما ليلي ذلك (بروز) دور المجلس الانتقالي الجنوبي كممثل للإمارات في اليمن".
ويعتقد الباحث اليمني أن سيطرة "الانتقالي الجنوبي" على سقطرى هي جزء من هذا المخطط الإماراتي، إذ ستتحوّل الجزيرة إلى واحدة من أكبر محطات المراقبة والصيانة والإمداد في منطقتي البحر الأحمر والمحيط الهندي، في مقابل ذلك تنشط إسرائيل في الكواليس بإعطاء وعود بدعم استقلال مستقبلي لـ"دولة الجنوب" في أبعد تقدير أو منحه وضعاً أقرب إلى ما يشبه الفيدرالية لمقاطعة كيبك الكندية التي تكاد تقترب من الدولة المستقلة. ويلفت إلى أنه "لدى الإمارات والمجلس الانتقالي الاعتقاد نفسه بقوة إسرائيل وقدرتها على فعل أي شيء وإقناع القوى الكبرى في العالم به". ويشير إلى أنه لو حصل شيء من هذا القبيل مستقبلاً، سيرفع العتب عن دول التحالف من أنها ساعدت أو ساهمت بتفتيت اليمن، وسيتم إلصاق الأمر بإسرائيل، ومن أجل ذلك خرجت تصريحات قادة "الانتقالي" التي أعربت عن احتمال تطبيع العلاقات. ويلفت الشرجبي إلى أن تركيبة "الانتقالي" أكثر تنوعاً وغير محصورة بالسلفيين، و"يضم جماعات انتهازية ومناطقية ومصلحجية في آن واحد، لكن من يعبّر عن تلك الجماعات معاً في ذلك الاتجاه هو سلفي بحكم أنه نائب رئيس الانتقالي ليس إلا"، في إشارة إلى هاني بن بريك.