علاقات » عربي

رفضت إدانة التطبيع.. نقطة فارقة بتاريخ الجامعة العربية تجاه فلسطين

في 2020/09/10

الخليج أونلاين-

يوماً بعد يوم تتخذ الجامعة العربية خطوات تدعم فرضية أنها باتت أداة في يد بعض الحكومات التي تسعى لفرض تصوّر جديد للعلاقات العربية - الإسرائيلية على نحو ينتهي إلى تصفية الحقوق التاريخية للفلسطينيين، مقابل صمت الولايات المتحدة على ما تقوم به هذه الدول من سياسات لسحق أي محاولة للتغيير السياسي في المنطقة.

ففي عام 1979 نُقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، وجُمّدت عضوية مصر، ردّاً على توقيع الأخيرة معاهدة "كامب ديفيد" للسلام مع "إسرائيل"، في حين أسقطت الجامعة ذاتها، الأربعاء (9 سبتمبر)، قراراً فلسطينياً يطالب بإدانة تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال.

وما بين العامين 1979 و2020، جرت مياه كثيرة تحت جسر السياسة العربية، وطفت على السطح علاقات لطالما كانت موجودة في الخفاء، وأصبح التطبيع مع دولة الاحتلال والترويج له سمتاً لا تخجل منه الحكومات ولا تخشى عواقبه.

وجاء قرار الجامعة برفض القرار الفلسطيني المتعلق بإدانة التطبيع ضمن تداعيات اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي الأخير، وهو يعكس بوضوح حال الجامعة التي تحولت إلى بوق إعلامي وسياسي لبعض الدول، برأي محللين.

ومنذ اندلاع الربيع العربي عام 2011 أظهرت الجامعة "عداءً واضحاً للثورات الشعبية ودعمت الأنظمة الساقطة أو التي كانت تجابه السقوط، في السر والعلن"، لكنها ظلت محتفظة بموقفها الثابت من القضية الفلسطينية، والقائم على التمسك بالمبادرة العربية للسلام أساساً لمستقبل العلاقات مع "إسرائيل".

لكن يبدو أن المحور الذي يضم السعودية والإمارات ومصر والبحرين، والذي يروّج للتطبيع ويمهد له بكل السبل، إلى جانب معاداته أي دعوة للتغيير السياسي بالمنطقة، بات مسيطراً على قرار الجامعة بشكل كامل.

خلاف خليجي بشأن التطبيع

ففي الوقت الذي يؤكد فيه مسؤولون قطريون وعُمانيون وكويتيون، بل وسعوديون، أنه لا مجال لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال بعيداً عن المبادرة التي أطلقتها الرياض عام 2002، ترفض الجامعة قرار فلسطين بإدانة التطبيع.

ويلقي موقف الجامعة بظلال كبيرة من الشك حول مستقبل العلاقات العربية الإسرائيلية؛ خاصة أن إيلي كوهين، وزير الاستخبارات الإسرائيلي، قال مؤخراً إن دولتين خليجيتين غير الإمارات ستطبعان العلاقات خلال العام الجاري.

وورفضت المنامة، هذا الشهر، عقد اجتماع طارئ للجامعة العربية لمناقشة قرار الإمارات تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، ثم رفضت الطلب الفلسطيني بوضع بند رفض التطبيع على هامش الدورة العادية للجامعة العربية، وهو موقف قال المتحدث باسم حركة "فتح" الفلسطينية حسين حمايل، الجمعة (4 سبتمبر 2020)، إنه "يصب في خانة أعداء الأمة".

وعقب إسقاط الجامعة القرار الفلسطيني، كشف دبلوماسي فلسطيني لوكالة "الأناضول"، أن فلسطين توافقت مع الدول العربية على إصدار بيان ختامي لا يتضمن إدانة للاتفاق التطبيعي، لكنه يشدد على ضرورة الالتزام بالمبادرة العربية لعام 2002، والتي تربط التطبيع بالإنهاء الكامل للاحتلال الإسرائيلي، والالتزام بحل الدولتين، ومبدأ الأرض مقابل السلام.

لكن فلسطين، بحسب الدبلوماسي، فوجئت بعدم التزام بعض الدول العربية (لم يذكرها) بالنص الذي تم التوافق عليه، وحاولت إضافة بنود تُضفي الشرعية على اتفاق التطبيع، ورداً على خرق الاتفاق، عادت وطرحت مشروع قرار يُدين الاتفاق الثلاثي التطبيعي (الإماراتي الإسرائيلي الأمريكي).

وكان مدير مركز "مينا" للأبحاث بواشنطن، الدكتور خالد الجابر، قال في تصريح سابق لـ"الخليج أونلاين"، إن ثمة خلافاً خليجياً كبيراً بشأن الموقف من التطبيع، مؤكداً أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لمست هذا الخلاف خلال جولة جاريد كوشنر الأخيرة للمنطقة.

نفوذ البحرين وتخاذل السلطة

وقال أحد مسؤولي مكتب السلطة الفلسطينية بالقاهرة إن البحرين لعبت دوراً كبيراً في إسقاط القرار الفلسطيني، مؤكداً أن الجامعة باتت خاضعة للمحور "التطبيعي" الذي تتصدر المنامة موقفه في الجامعة.

وأكد المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن البحرين، ومن خلال المال السياسي، باتت تمتلك نفوذاً كبيراً وغريباً في الجامعة، لكنه قال أيضاً إن موقف السلطة الفلسطينية يتسم بالتخاذل، مؤكداً أن القيادة الفلسطينية تخشى إغضاب السعودية وحلفائها، مهما فعلوا.

وأعرب المتحدث عن صدمته من تعامل جميع الأطراف مع التطبيع وكأنه أمر يمكن التصويت على رفضه، مشيراً إلى أن الدول العربية، بل والسلطة نفسها، تتعامل مع القضية الفلسطينية وكأنها خلاف بين طرفين متساويين في الحقوق.

وكانت مصادر دبلوماسية قد كشفت، الأربعاء (2 سبتمبر 2020)، عن تهديد بحريني للفلسطينيين بأنها سوف تضع بنداً من طرفها لتأييد التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وتشجيع "صفقة القرن".

ويتردد اسم البحرين كثيراً على ألسنة المسؤولين الأمريكيين و"الإسرائيليين"، الذين لا يتوقفون عن تأكيد أن دولاً خليجية وعربية أخرى ستلحق باتفاق الإمارات.فيما يتحدث ترامب صراحة عن اقتراب تطبيع السعودية والبحرين مع "إسرائيل".

موقف يعكس الواقع

المحلل السياسي ياسين التميمي قال لـ"الخليج أونلاين" إن الموقف الأخير للجامعة "موقف مخز"، معتبراً أنه يعكس مدى هشاشة هذه المؤسسات، وخضوعها لدول بعينها، في مقدمتها السعودية ومصر والإمارت التي تقودها لتبني مصالح تتعارض تماماً مع المصلحة العربية.

وأوضح التميمي أن الهجوم المستمر من أمين عام الجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، على الدور الإيراني والتركي في بعض الدول العربية، يأتي في سياق خضوع المؤسسة لمحور المطبّعين، مضيفاً: "دور تركيا وإيران في بعض الدول يمكن أن يكون محل نقاش، لكن الجامعة ومن يديرونها يسعون لتأسيس حلف إقليمي أساسه دولة الاحتلال".

وتسعى الجامعة، بحسب التميمي، إلى "تسليط الضوء على تركيا وإيران لتشتيت انتباه الشعوب العربية عن قضيتهم الرئيسية وهي قضية فلسطين، التي باتت تواجه هجمات وإساءات من محور المطبّعين أكثر من تلك التي تواجهها من حكومة الاحتلال".

ولفت التميمي إلى أن المنظومة الإعلامية في الإمارات والسعودية تحديداً باتت تهاجم الفلسطينيين وتتهمهم بمختلف الاتهامات لكي تبرر سلوكها تجاه "إسرائيل"، وهو ما يشير إلى المنحدر الذي سقطت فيه بعض الدول العربية بسبب النفوذ المتواطئ لمحور السعودية ومصر والإمارات، حسب قوله.

وخلص إلى أن هذه الهدايا المجانية  التي يحصل عليها الكيان الإسرائيلي من الجامعة العربية والدول المسيطرة عليها، "يعكس مدى تواطئ البعض على قضية فلسطين وانحيازهم إلى دولة الاحتلال"، مؤكداً أن مجرد التصويت على قبول التطبيع من عدمه، في ظل ضياع الحقوق الفلسطينية كافة، هو خيانة لقضية فلسطين ولحقوق شعبها.

وكان أستاذ الإعلام في جامعة القدس والمحلل السياسي، الدكتور أحمد عوض، قال بتصريح سابق لـ"الخليج أونلاين"، إن دور جامعة الدول العربية انتهى كمنظمة إقليمية تحمي أعضاءها، منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.

وبحسب "عوض"، فإن صمت الجامعة العربية يعود إلى "وجود نفوذ لدى أبوظبي في الجامعة، إضافة إلى أن هناك أغلبية من الأنظمة العربية لا تستطيع الإعلان صراحةً عن تأييدها أو رفضها لما قامت به أبوظبي، خاصةً بعض الأنظمة التي لها علاقات سرية أو علنية مع إسرائيل".

تمسك بالمبادرة العربية

ورغم هذه المواقف فقد شدد وزير الخارجية العُماني، بدر بن حمد البوسعيدي، على أنه لا سلام شامل وعادل بين الدول العربية و"إسرائيل" بدون حل الدولتين المبني على مبدأ الأرض مقابل السلام، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

وأعرب "البوسعيدي"، خلال ترؤسه الاجتماع الافتراضي للدورة العادية الـ154 لمجلس جامعة الدول العربية، عن دعم السلطنة للشعب الفلسطيني للحصول على حقوقه المشروعة، ودعم جهود ومبادرات السلام في المنطقة. وقال: "لا يمكن تحقيق سلام شامل وعادل بين الدول العربية وإسرائيل بدون حل الدولتين، المبني على مبدأ الأرض مقابل السلام".

وكان وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، قد دعا الدول العربية، في وقت سابق من اليوم ذاته (9 سبتمبر)، إلى رفض اتفاق التطبيع "الإسرائيلي" الإماراتي، وذلك خلال اجتماع الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، الذي عُقد افتراضياً.

وقال "المالكي"، خلال كلمته: "نرفض خطوة التطبيع الإماراتي، ونأمل منكم عدم قبولها"، واصفاً اتفاق التطبيع بـ"الزلزال الذي ضرب الموقف العربي".

في المقابل، قال الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي، للصحفيين، إنه "تم حوار جاد وشامل حول مشروع قدمته فلسطين، بشأن الإعلان الثلاثي.. وأخذت مناقشة الأمر بعض الوقت، لكن لم يؤد النقاش في النهاية إلى التوافق حول مشروع القرار".

ودانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، على لسان المتحدث باسمها، حازم قاسم، موقف الجامعة العربية، وقالت إنه من المؤسف إسقاطها لمشروع قرار يدين اتفاق التطبيع.

وقال قاسم، عبر حسابه الرسمي في "تويتر": إن عدم قدرة الجامعة على إصدار هذا القرار "يغري حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية على استمرار تطبيق المخطط التصفوي للقضية الفلسطينية"، مؤكداً ضرورة أن تكون الجامعة "معبرة عن ضمير الأمة العربية الرافض للتطبيع".

كما نقلت وكالة "الأناضول" التركية عن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، أن دولاً عربية رفضت مشروع القرار الذي كان يسعى لإدانة اتفاق التطبيع بين الإمارات و"إسرائيل"، ودافعت عن أبوظبي، واصفاً ما جرى بأنه "تشريع عربي رسمي للتطبيع".

وتوصلت الإمارات و"إسرائيل"، في 13 أغسطس الماضي، إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما. وقوبل الاتفاق بتنديد فلسطيني واسع، حيث اعتبرته الفصائل والقيادة الفلسطينية "خيانة" من الإمارات وطعنة في ظهر الشعب الفلسطيني.