سياسة وأمن » لقاءات

عودة سفير مسقط لدمشق.. تفاهم أمريكي أم تعميق عماني للصدع الخليجي؟

في 2020/10/06

متابعات-

دولتان خليجيتان فقط فتحتا سفارتيهما في سوريا عام 2018، هما الإمارات والبحرين لكن دون تعيين سفير؛ إذ اقتصر التمثيل في سفارة أبوظبي على قائم بالأعمال وكذلك الحال بالنسبة لسفارة المنامة، الأمر الذي أكسب خطوة إعادة سلطنة عمان لسفيرها إلى دمشق دلالة خاصة.

فمنذ عام 2011، علقت دول مجلس التعاون الخليجي العمل الرسمي بسفاراتها في سوريا بعد اندلاع الاحتجاجات المطالبة برحيل رئيس النظام "بشار الأسد" قبل أن تتحول التظاهرات إلى صراع مسلح بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة.

غير أن وصول فصول الحرب إلى نهاية استحوذت فيها قوات "الأسد" على أغلب مناطق التراب السوري، دفع عديد الدول الخليجية إلى إعادة النظر في موقفها السابق، حتى أن بعضها يسعى حاليا إلى المصالحة مع دمشق؛ بهدف توسيع نفوذها في سوريا على حساب تركيا، وكذلك إيران.

وفي هذا السياق، قرأ عديد المراقبين إعلان الكويت عزمها إعادة فتح بعثتها في دمشق إذا جرى الاتفاق على ذلك في جامعة الدول العربية، التي علقت عضوية سوريا في 2011.

لكن عُمان ظلت الاستثناء من تلك المعادلة؛ إذا كانت واحدة من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقات دبلوماسية مع حكومة "الأسد" بعد انتفاضة 2011، رغم ضغوط الولايات المتحدة وحلفاء خليجيين آخرين.

كان سفير السلطنة يعمل من الأردن لدواع أمنية فحسب، فيما تعهد السلطان "هيثم بن طارق"، عند توليه السلطة في يناير/كانون الثاني الماضي، بمواصلة إقامة علاقات ودية مع "جميع الدول".

وأصبحت السلطنة أول دولة خليجية تعين سفيرا لها في دمشق منذ اندلاع الأزمة السورية، وإغلاق البعثات الدبلوماسية؛حيث تسلم وزير خارجية النظام السوري "وليد المعلم" أوراق اعتماد السفير العُماني "تركي محمود البوسعيدي"، الإثنين.

وذكرت وزارة خارجية النظام السوري، عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، أن "البوسعيدي" اعتمد رسميا سفيرا مفوضا وفوق العادة لسلطنة عمان في دمشق.

وأنشأت السفارة العمانية في دمشق حسابا لها على "تويتر"، في سبتمبر/أيلول الماضي، وهي خطوة تعكس عودة النشاط الإعلامي للبعثة الدبلوماسية.

وفي مايو/أيار الماضي، زار وزير الخارجية العماني السابق "يوسف بن علوي" دمشق؛ حيث أجرى محادثات مع "الأسد"، وكانت زيارته الثانية منذ عام 2011، بعد زيارة أولى قام بها في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، وهو الوزير الخليجي الوحيد الذي زار سوريا في السنوات التسع الأخيرة.

وتشير عودة السفير العماني لدمشق إلى أن السلطان "هيثم بن طارق" سيحافظ على سياسات سلفه "قابوس بن سعيد"، مثلما وعد في خطابه حينما تولى السلطة بأنه سيواصل إقامة علاقات ودية مع جميع دول العالم، وفق ما لفت محللون عمانيون.

فالموقف العماني من سوريا ينبع من سياسة مسقط الثابتة، بمد الجسور مع الجميع؛ لذا حافظت على علاقاتها الجيدة مع إيران، رغم عضوية السلطنة في مجلس التعاون، ولم تشارك في التحالف السعودي الإماراتي ضد اليمن، ما جعلها طرفا مقبولا من الأطراف المتصارعة كلها، حسبما يرى المحلل السياسي "زاهر المحروقي".

ولا يتوقع "المحروقي" أن تثير هكذا خطوة غضب واشنطن؛ لأنها على علم بعلاقة مسقط بدمشق وكذلك بطهران، وهي تضغط فقط على عُمان من أجل التطبيع مع إسرائيل.

ويشير الباحث في مركز جسور للدراسات "وائل علوان"، في هذا الصدد، إلى تفاهمات بمباركة أمريكية لقيام عُمان بدور إرسال الرسائل والوساطة بالمسار التفاوضي الخاص مع النظام السوري.

واعتبر الباحث السوري أن "قراءة الخطوة (العُمانية) كموقف مغاير للسياسات الغربية، فضلا عن أن يكون تحديا لها، لا يتناسب مع فهم العلاقات الإقليمية والدولية".

وفي الإطار ذاته، يرى المحلل العُماني "سالم بن حمد الجهوري" أن رؤية مسقط ثابتة تاريخيا، وجنبتها الكثير من الاصطفافات، كما حصل في معاهدة "كامب ديفيد" عام 1978 بين مصر وإسرائيل؛ حيث أبقت علاقتها مستمرة مع مصر، وهي الدولة الوحيدة التي لم تقطع علاقتها مع القاهرة، و"من ثم عاد العرب من البوابة العُمانية بعد حوالي 7-8 سنوات"، وفق ما نقلته وكالة "سبوتنيك" الروسية.

ولذا يتوقع المحلل السياسي "خميس قطيط" أن تساهم عُمان، في ضوء رصيدها التاريخي، في استعادة سوريا لحضورها العربي، وفي إنهاء الأزمة الخليجية التي اندلعت منذ إعلان السعودية والإمارات والبحرين قطعا شاملا للعلاقات مع قطر منذ 5 يونيو/حزيران 2017.

لكن الموقف الأمريكي من النظام السوري لا يشي بإمكانية استجابة خليجية واسعة للجهود العمانية، خاصة مع فرض واشنطن عقوبات جديدة تهدف إلى قطع التمويل عن حكومة "الأسد" وتحذيرها من أن أي تعامل تجاري مع دمشق يعني التعرض لخطر الوضع على قائمة العقوبات أيضا.

ودعت وزارة الخارجية الأمريكية، الإثنين، جميع الدول لعدم إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، أو رفع مستوى هذه العلاقات، أو التعاون الاقتصادي معه،

من هذه الزاوية، يقرأ الباحث والأكاديمي الكويتي "عبدالله الشايج" خطوة تسليم سفير سلطنة عُمان في سوريا أوراق اعتماده لوزير خارجية النظام، معتبرا إياها مؤشرا جديدا على فقدان مجلس التعاون الخليجي لبوصلة التنسيق المشترك في الملفات الهامة.

وكتب "الشايجي" عبر "تويتر": "نفتقد للحد الأدنى من التنسيق والتعاون في ملفات مهمة، ما يحوّل المجلس لحالة شبيهة بحالة مجلس التعاون المغاربي العقيم الذي لم يعقد اجتماعاً منذ عام 1994".

وأضاف: "فرّقتنا الأزمة الخليجية وأضعفتنا ولا سياسة موحدة تجاه إيران واليمن وسوريا وليبيا والتطبيع مع إسرائيل".

فهل يعبر التوجه العماني عن تنسيق إقليمي برعاية أمريكية؟ أم مبادرة تنطلق من مصالح مسقط الخاصة؟ الإجابة مطوية في موقف دول الخليج من إعادة العلاقات مع نظام "الأسد".