قضاء » قضايا

قضايا صعبة منظورة.. لماذا يثق الكويتيون بقضاء بلادهم؟

في 2020/10/06

الخليج أونلاين-

يتمتع القضاء الكويتي باستقلالية تامة، ويعد الفاصل في أي نزاع يحدث بين طرفين أو أكثر، والحكم الأخير الذي يبرئ طرفاً ويدين الطرف الآخر، فضلاً عن أن الكويتيين يعتبرونه صمام الأمان لاستمرار العدل في البلاد.

ومر القضاء في الكويت بمراحل متفاوتة من التطور والتحسين لتنظيمه الإداري والاختصاصي، وهو ما ساهم في تطويره واستقلاله، ويعتمد أساساً على دستور البلاد، الذي ينص على "أن السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم باسم صاحب السمو، وتصدر أحكامها وفقاً للقانون، ولا يجوز لأي سلطة التدخل في القضايا وشؤون العدالة".

وخلال الأشهر القليلة الماضية برز القضاء الكويتي كأحد أهم السلطات التي حكمت في منازعات وقضايا سياسية شهيرة، كان أبرزها الاتهامات الموجهة لشخصيات كويتية بالإساءة للكويت والسعودية، وكذا قضايا تتعلق بدعم الإرهاب، وغيرها من القضايا المختلفة.

تبرئة قضايا سياسية

وتحمل القضايا السياسية أهمية كبيرة في الكويت، والتي كان أبرزها اتهام النائب السابق والأكاديمي الشهير، الدكتور عبد الله النفيسي، بالإساءة للإمارات، وهو ما برأته محكمة الجنايات الكويتية.

وقال عادل عبد الهادي، محامي النفيسي في تغريدة له، في 4 أكتوبر 2020، إن محكمة الجنايات برئاسة المستشار محمد غازي الميموني "أصدرت حكمها الأول، باسم صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، ببراءة موكلنا الدكتور عبد الله النفيسي، من التهم الموجهة إليه في القضية المرفوعة من وزارة الخارجية الكويتية بخصوص دولة الإمارات".

وكانت وزارة الخارجية قد تقدمت، في مارس الماضي، بشكوى ضد النفيسي وطالبت بتطبيق أقصى العقوبات عليه؛ بتهمة تعريض الكويت لقطع العلاقات مع دولة شقيقة في إشارة إلى الإمارات، لكن النفيسي نفى إساءته للإمارات، وقال إنها تخص القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان، المتهم من قبل السلطة الفلسطينية والموجود حالياً في الإمارات، مشيراً إلى أن "حديثه كان من باب النصيحة والمصلحة العامة".

كما أصدرت المحكمة ذاتها حكماً بالإفراج عن الأكاديمي الكويتي شافي العجمي وشقيقه، بعد تبرئتهما من تهمة "تمويل جماعات إرهابية وغسل أموال".

وقال الداعية الكويتي شافي العجمي في تغريدة نشرها على حسابه بـ"تويتر": "الحمد لله رب العالمين على صدور حكم البراءة اليوم لي ولأخي في قضية دعم الإرهاب وغسل الأموال".

قضاء مستقل

المحامي حسين شريف الشرهان، عضو جمعية المحامين الكويتية، أشار إلى أن بلاده تعد من أفضل الدول ممارسة للديمقراطية بين باقي دول المنطقة.

وقال: إن الكويت "تمتلك ممارسة حقيقية للعملية الديمقراطية من خلال انتخابات برلمانية حرة، وكذلك مجلس أمة حر يمارس حقه الدستوري يسن القوانين ويراقب تنفيذها من قبل السلطة التنفيذية، فضلاً عن أنها تمتلك قوانين رادعة لكل مخالف، كما تنصف كل مظلوم".

وأكد في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن أهم أركان العملية الديمقراطية تتمثل بـ"القضاء الشامخ المستقل الذى يطبق القوانين على كافة أطياف المجتمع دون خروج عن جادة الصواب والحيادية".

وتحدث عن الأحكام التي صدرت مؤخراً قائلاً: إن هذا الأمر "ليس بغريب عن دولة الكويت وقضائها العريق بما يضمن حرية التعبير والرأي"، مشيراً إلى أن الحكم الصادر من محكمة الجنايات ببراءة النفيسي من التهمة التي وجهت إليه وتضمنت الإساءة إلى إحدى الدول، جاء بناءً على "ما نص عليه الدستور الكويتي في المادة 36 منه، والذي كفل حرية المواطن الكويتي في التعبير عن رأيه ونشر هذا الرأي بأي طريقة كانت، بما يضمن حرية الرأي دون المساس أو الإساءة للآخرين".

وأضاف: "نجد هذه المادة تنص على أن حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفق الشروط والأوضاع التي يبينها القانون"، بالإضافة إلى تنظيم المسائل المتعلقة بحرية التعبير والرأي بقوانين عدة يأتي على رأسها القانون رقم 3 لسنة 2006 بشأن المطبوعات والنشر".

ورداً على الاعتراضات الخارجية التي وجهت من قبل إعلاميين وسياسيين لحكم القضاء الكويتي ببراءة النفيسي، يقول الشرهان: "بدءاً من نشوء الحريات والحقوق المكفولة لأبناء الوطن الكويتي بموجب الدستور والقانون ووسائل ممارسة تلك الحريات والحقوق، وانتهاءً للقضاء، فإن كافة هذه الجوانب من الشؤون الداخلية لدولة الكويت، ومن غير المقبول التدخل فيها من أي شخص أو جهة، باعتبار أن هذه المسائل من مقومات استقلال دولة الكويت وسلطاتها في ممارسة حرياتها وتنظيم شؤونها الداخلية كما تراها".

وبشأن قضية العجمي وشقيقه يقول: إن "نص المادتين 47 و48 من قانون الجزاء الكويتي أنه لكل جريمة فعل مادي مكون لها إذا ارتكب الإنسان هذا الفعل أو اشترك فيه عدُّ فاعلاً للجريمة أو مشتركاً فيها".

ويشير إلى أن المحكمة التي قضت ببراءة كل من المتهمين "لم تتيقن لتوافر هذين الركنين سالفي الذكر، اللذين هما عماد الحكم بالإدانة، الأمر الذي لم يسع معه المحكمة سوى القضاء بالبراءة، وذلك بما تتمتع به المحكمة من سلطة تقديرية، ولا سلطان عليها في تكوين عقيدتها وفقاً لصحيح القانون".

ويؤكد أن ما حدث من أحكام من القضاء الكويتي "إن دل فإنما يدل على شموخ القضاء الكويتي وعدالته، ومن ضمنه أعلى مستوى من ضمانات المحاكمة التي يكفلها الدستور وينظمها القانون".

قضايا كبيرة

ويواجه القضاء الكويتي قضايا فساد كبيرة هزت الرأي العام في الكويت؛ لدخول شخصيات من العائلة الحاكمة فيها، من أبرزها قضية الصندوق الماليزي، المتهم فيها صباح جابر المبارك، نجل رئيس الوزراء السابق، والذي ألقي القبض عليه سابقاً.

ومن ضمن القضايا التي تواجه القضاء غسل الأموال، التي اشتهر فيها مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض الفاشنيستات، وكذلك قضية تجارة الإقامات، والنائب البنغالي المتهم بغسل الأموال، وفساد في صندوق الجيش.

ومن القضايا السياسية أيضاً الاتهامات الموجهة للنائب السابق مبارك الدويلة، وكذا حاكم المطيري؛ على خلفية تسريبات تسجيلات له مع القذافي، وقال في وقتٍ سابق إنها كانت بعلم وزارة الخارجية الكويتية.

وإلى جانب ذلك يقف أمام محكمة الجنايات الكويتية المحامي الشهير هاني حسين بعدة تهم، بينها "الإساءة إلى السعودية" في تغريدات له على "تويتر".

أحكام وقضاء نزيه

يؤكد الكاتب والصحفي الكويتي عيد الفضلي أن القضاء الكويتي "مشهود له بنزاهته وليس هناك أي تدخل في أحكامه".

وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" أشار إلى أن السلطة القضائية لها أحكامها النزيهة، مدللاً على ذلك بامتلاكها الحق في "إبطال مراسيم أميرية".

ومن تلك الأحكام التي قامت بها إبطال مرسوم الدعوة إلى الانتخابات مرتين متتاليتين، وإبطال مجلس الأمة في 2012 مرتين، وفقاً للفضلي.

وفيما يتعلق بالأحكام التي صدرت مؤخراً، وفي مقدمتها حكم براءة النفيسي من الإساءة للإمارات، يقول الفضلي: "إن ذلك الحكم هو من صميم القوانين الكويتية"، موضحاً أن كل حكم "له حيثيات ويرتكز على أدلة مثبتة، وللمحكمة الحق فيما تراه من براءة أو إدانة حسب كل حالة".

وشدد على أن هذا الأمر يبين "نزاهة القضاء الكويتي وعدم التدخل في أحكامه".

الاهتمام بالقضاء

وكان اهتمام السلطات الرسمية بالكويت بقضائها لافتاً خلال السنوات الماضية، فقد أكد أمير البلاد الراحل، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أن الكويت "دولة دستور وقانون ومؤسسات تكفل للجميع حق اللجوء للقضاء في مواجهة شبهات الفساد أو التجاوز على المال العام".

وأضاف في خطاب للكويتيين، في نوفمبر 2019: "إن القضاء الكويتي معروف بالنزاهة والاستقلالية، وهو موضع اعتزاز للجميع، والأمر الذي يغني عن تبادل الاتهامات في ساحة الإعلام"، مؤكداً أن دستور الكويت "ينص على أن المواطنين سواسية أمام القانون في الحقوق والواجبات العامة، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته".

وسارعت الكويت إلى العمل على "تكويت القضاء"، حيث أظهرت إحصائية رسمية، في يوليو 2019، أن إجمالي أعضاء السلطة القضائية من قضاة وأعضاء النيابة العامة بلغ 1219، بواقع 824 كويتياً و395 مقيماً.

وفي يونيو 2020، اعتمد النائب العام ضرار العسعوسي ترقية 8 وكيلات نيابة إلى رتبة قاضيات، في حدث تاريخي هو الأول من نوعه في الكويت.

وفي ذات الشهر أعلن النائب أسامة الشاهين تقدمه باقتراح بقانون لتكويت القضاء بالكامل خلال سنتين، داعياً أعضاء اللجنة التشريعية إلى منحه أولوية على جدول أعمالها.