دول » عُمان

لا تُعلن إلا وقت التنفيذ.. عُمان تنتهج "دبلوماسية هادئة" لحلحلة الأزمات

في 2020/10/15

الخليج أونلاين-

واصلت الدبلوماسية العُمانية في عهد السلطان الحالي هيثم بن طارق آل سعيد، النهج الهادئ ذاته الذي اتبعته في حقبة نظيره الراحل قابوس بن سعيد؛ بهدف حلحلة أزمات المنطقة ونزع فتيلها وإرساء الأمن والسلم.

وأدت مسقط دوراً كبيراً في تهدئة الأزمات ومنع تدحرجها إلى مرحلة قد يصعب تداركها، وهو ما يعزز من ثقل الدبلوماسية العُمانية "الهادئة"، وجعلها محل ترحيب وتقدير بين مختلف الفرقاء في القضايا الإقليمية والدولية الشائكة.

وكان السلطان هيثم قد تعهد في خطاب للأمة (23 فبراير 2020)، بالسير على خطا سلفه الراحل، مؤكداً أن رسالة السلطنة هي "نشر السلام في العالم"، وأنها رسالة "تبني ولا تهدم، تقرّب ولا تبعد".

نجاح دبلوماسي جديد

الدبلوماسية العُمانية سجلت نجاحاً جديداً بإتمام صفقة للإفراج عن رهينتين أمريكيين لدى جماعة الحوثي، التي تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء منذ سبتمبر 2014، وذلك "استكمالاً للمساعي الإنسانية والسياسية للسلطنة".

وبحسب وكالة الأنباء العُمانية، تكللت جهود السلطنة بالإفراج عن "عدد من الرعايا الأمريكان في اليمن، ونقلهم إلى عُمان، على متن رحلات تابعة لسلاح الجو السلطاني العماني، تمهيداً لعودتهم إلى بلادهم".

وأوضحت أنه عاد على متن الرحلتين اللتين تم تسييرهما إلى صنعاء "250 من الأشقاء اليمنيين الذين كانوا يتلقون العلاج في السلطنة والخارج".

45455445454

شكر أمريكي

بدورها وجهت الإدارة الأمريكية شكراً لسلطان عُمان والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، على جهودهما لتحرير الرهينتين لدى الحوثيين في اليمن.

وقال مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي روبرت أوبراين، في بيان: إن "الولايات المتحدة ترحب بالإفراج عن المواطنَين ساندرا لولي وميكائيل جيدادا، ونتوجه بتعازينا لعائلة بلال فطين الذي سيُعاد جثمانه إلى الوطن أيضاً".

ولم يسبق أن تطرقت واشنطن رسمياً إلى عملية الاحتجاز، فيما تضمنت الصفقة إعادة رفات "فطين"، وهو أمريكي ثالث كان محتجزاً لدى الحوثيين، إضافة إلى إيصال مساعدات طبية لليمن.

و"ساندرا لولي"، هي أمريكية ناشطة في مجال تقديم المساعدات الإنسانية، واحتجزتها جماعة الحوثي رهينة لمدة 3 سنوات تقريباً، في حين احتُجز ميكائيل جيدادا، وهو رجل أعمال أمريكي، عند الجماعة المدعومة إيرانياً، لمدة عام تقريباً، بحسب كاش باتيل، وهو أحد مساعدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعمِل على إتمام عملية التبادل.

الأقل صخباً والأكثر نجاحاً

المحلل السياسي العُماني عوض بن سعيد باقوير، يقول إن الدبلوماسية العُمانية انطلقت من ثوابت راسخة منذ نصف قرن، أساسها الاحترام المتبادل بين الدول وبذل الجهود الممكنة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والعالم.

وأوضح أن السلطنة نجحت في محطات وملفات عديدة خلال نصف قرن، بعيداً عن الضجيج الإعلامي، وهو ما جعل مسقط "الطرف الأكثر قبولاً في حل عدد من الأزمات إقليمياً والعالم".

ويعتقد "باقوير"، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن الدبلوماسية العُمانية "هي الأقل صخباً والأكثر نجاحاً"، مرجعاً سر نجاحها إلى "ذلك الهدوء البعيد عن ضجيج الإعلام".

وأشار إلى أن الخطوة الأخيرة التي قضت بإطلاق سراح عدد من المواطنين الأمريكيين، وترتيب رجوع عشرات من الحوثيين الذين تلقوا العلاج في السلطنة والخارج، "تنسجم مع تلك الرؤية الدبلوماسية".

وعن التحركات العُمانية لحلحلة عدة ملفات ساخنة بالمنطقة، يقول المحلل السياسي: إن بلاده تواصل جهودها في "الملف اليمني الكارثي، والأزمة الخليجية الراهنة، فضلاً عن إيجاد إطار لحوار متجدد بين واشنطن وطهران؛ لإبعاد المنطقة عن شبح الحرب".

ويشدد "باقوير" على أن الجهد الدبلوماسي العُماني "لا تنتظر السلطنة منه أية مصالح؛ وإنما تهدف إلى تكريس السلام والاستقرار والتعايش السلمي وتبادل المصالح والمنافع".

ويؤكد أن من هذا المنطلق "يواصل السلطان هيثم بن طارق، النهج الحكيم نفسه في تدعيم قيم السلام والتسامح، والبعد عن الصراعات التي لا تخدم الشعوب"، لافتاً إلى أن هذا هو "المنطق الحكيم الذي انتهجته السلطنة خلال نصف قرن في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد".

وخلص إلى أن الدبلوماسية العُمانية الهادئة "ستتواصل في المنطقة والعالم في أكثر من ملف، خاصةً وقف الحرب في اليمن، وما سبَّبته من كوارث وتدمير للشعب اليمني ومقدراته".  

سجل حافل

السياسة الخارجية في سلطنة عُمان يُعرف عنها الحياد دولياً، مما وفر لها المناخ الملائم للبناء والتطوير وكسب ثقة مختلف الفرقاء، كما أنها ترفض غالباً الانحياز إلى أي طرف في الصراعات والأحداث الخارجية.

وخلال حقبة السلطان قابوس، تجنبت مسقط الدخول في سجالات ومهاترات وتكتلات خارجية، وتجلى ذلك في عدم مشاركتها عسكرياً بـ"عاصفة الحزم"، التي أطلقتها السعودية ضمن تحالف لاستعادة الشرعية من الحوثيين، في مارس 2015.

وإضافة إلى كل هذا، لدى سلطنة عُمان علاقات صداقة مع معظم دول العالم، وتحظى باحترام وتقدير، وهذا ما جعلها مقبولة بشدة لأداء دور الوساطة في قضايا شائكة، كان أبرزها ملف إيران النووي.

وبذلت عُمان تاريخياً عدة جهود وساطة، أبرزها إخراج أبناء الجاليات والدبلوماسيين الأمريكيين والفرنسيين والألمانيين وغيرهم من بعض الدول من اليمن، ونقلهم عبر مسقط ثم إلى بلدانهم آمنين.

وتعددت الوساطات العُمانية بدءاً من تبادل الأسرى إبان حرب الخليج الأولى، والمساعدة في تحرير الأسرى المصريين المحتجزين لدى إيران خلال سنوات الحرب مع العراق.

وقادت الخارجية العُمانية وساطة لتحرير بحّارة بريطانيين كانوا محتجزين لدى طهران عام 2007، ثم في 2011 أُفرج عن رهائن أمريكيين، وكذلك الإفراج عن رهائن محتجزين في اليمن.

ومن بين أبرز الوساطات التي تدخلت فيها السلطنة، الإسهام في خروج الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، إلى السعودية.

واستضافت عُمان محادثات علنية في نوفمبر 2014، بين واشنطن وطهران، وهي المباحثات الثلاثية التي ضمت إلى جانب ممثلي البلدين، منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي سابقاً كاثرين آشتون، لإزالة نقاط الخلاف العالقة، للوصول إلى اتفاق نهائي بشأن البرنامج النووي الإيراني.

ونجحت مسقط بعد إجراء محادثات سرية طويلة بين الولايات المتحدة وإيران، في توقيع الاتفاق النووي في يوليو 2015، بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن (روسيا والولايات المتحدة وفرنسا والصين وبريطانيا)، وألمانيا.

كما تسعى منذ سنوات لتقريب وجهات النظر بين طرفي الأزمة الخليجية، وهنا يدور الحديث حول السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى، وتعمل إلى جانب الوساطة الكويتية لردم الهوة والفجوة؛ لإنهاء أسوأ أزمة يشهدها مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه.