خاص الموقع

هل تغيّرت بوصلة شعوب الخَليج؟

في 2020/10/27

(أحمد شوقي/ راصد الخليج)
يقول الخَبر أنّ الإمارات وقّعت مع العدو الإسرائيلي، مساء الخميس 22 أكتوبر/تشرين الأوّل، مذكّرة تفاهُم الإعفاء المُتبادل من التّأشيرات المُسبقة، وهو ما يَعني أنّه أصبح بإمكان مواطُني دولة الإمارات من السّفر إلى فلسطين المحتلّة دون الحاجة إلى تأشيرة مسبقَة، ولمدّة أقصاها 90 يوماً في كلّ زِيارة.

ووِفقاً لهذه الإتّفاقيّة، ستتمكّن شرِكات الطّيران الإماراتيّة من تشغيل 28 رِحلة رُكّاب في الأسبوع إلى مدينة تلّ أبيب ورحلات غير محدودة إلى مدينة إيلات بالإضافة إلى رحلات الشّحن، أمّا الرّحلات غير المجدولة فتمّ الإتّفاق على عدم وضع قيود عليها بين الدّولتين.

ويُتوقّع أن تبدأ الرّحلات الجويّة المجدولة بين الإمارات والعدو الإسرائيلي في غضون الأسابيع القليلة المُقبِلة، حيث تخدم الإتّفاقيّة الجديدة بشكلٍ كبيرٍ حركة السّياحة والتّجارة بين البَلدين.

وللخبر دلالات متعدّدة لكنّنا هنا نودّ مُناقشة الجانب الشّعبي المتعلّق بشعوبُ الخَليج عامّةً، والشّعب الإماراتي على وجهِ الخُصوص:

وفي الدّلالات العامّة، فإنّ الهَرولة الإماراتيّة نحو التّطبيع ظاهرةً للعَيان وعلّنا ودون تَخفّي او مُواراة ويبدو أنّ الباعِث لها هو ما صرّح بهِ جاريد كوشنير صِهر الرّئيس الأمريكي وعرّاب "صفقة القرن" بخُصوص الإمارات وإنّ مُحمد بن زايد هو "قائد الشّرق الأوسط الجديد"، وبالتّالي فإنّها زَعامة سَهلة ومجّانيّة، رُغم أنّها من الباب الخائن والمُفرط!

وفي الدّلالات العامّة أيضاً، فإنّ هذه الخُطوة الخاصّة بإلغاء التّأشيرات والتي لم تُقدّم عليها الإمارات مع الدّول العربيّة والإسلاميّة، هي دليل اطمئنان استخباراتي مُتبادل بين الإمارات والصّهاينة، كما هي مؤشّر حميمي ودلالة عن أنّه لا خوف شعبياً من أي تهديدات أو حتّى مُضايقات!

هُنا يُمكننا الولوج إلى الجّانب الشّعبي الخليجي عموماً، والإماراتي خاصةً، فهل باعت شعوب الخليج القضيّة وأصبحت تابعةً لحكوماتِها في الباطل والتّفريط في الثّوابت؟

هناك أصوات شريفة أعلنت رفضَها وخاصّةً في البَحرين، ولكنّنا لم نر أي أصوات قويّة ترفض هذا العار، وكأنّ حُكّام الخليج مُطلقي اليد دون أي اعتبارات لرقم شعبي في مُعادلات التّوازنات وكوابِح جُماح القَرارات.
بنظرةٍ مُتابعة لمَواقع التّواصل الإجتماعي، نرى انّ الحالة العامّة، هي حالة دفاع عن الحكومات وتبرير وتسويغ للتّطبيع، وحماسةً للدّفاع عن نظام الإمارات وكأنّها قضيّة وطنيّة!

لا شكّ أنّ هُناك لجاناً إلكترونيّة تُعرف بـ"الذّباب الإلكتروني"، وهي موظّفة من قِبَل الأنظِمة لتَرديد مقولات الأنظِمة وتبرير سياساتِها والإيحاء بوجود تأييد شعبي، لكن هذا لا يَنفي خُفوت الصّوت المُعارض ولا يَنفي وُجود قِطاعات شعبيّة فَقدت بوصَلتِها لدَرجة أنّها أصبحت تُعادي الفِلسطينيين وتسبّهم بسبب امتعاضِهم من قرارات التّطبيع!

ولعلّ مشهد طرد الوفد الإماراتي من الأقصى، كان كاشفاً لحجم اختراق الوعي الشّعبي الذي دافع عن الوفد باعتبارِه وفداً مُسلما يُريد الصّلاة وأنّ الفلسطينيون حالوا بينَه وبَين الصّلاة في الأقصى!
كما هدّد الكثيرون بالرّد وطَرد الفلسطينيّين من الإمارات باعتبارهم ناكري جميل ويطردون إخوتَهم العرب!

بينما تدخّل بعض السّعوديين ليقولوا أنّ الحرم المكّي مفتوح للأُخوة وأنّهم لن يقوموا بعمل مُشين مِثل ما قام به الفلسطينيون من طرد المُسلمين من بيتِ الله!

هل تناسى هؤلاء أنّ الوفد الإماراتي هو وفد للتّطبيع وليس وفداً مسلماً جاء للصّلاة؟ وهل تناسوا أنّ المَسجد تحتَ سَيطرة الصّهايِنة لا الفلسطينيين، وأنّه موقِف يعبّر عن الغضب واللّوم الشّديد لخِيانَة القضيّة وطَعن الفلسطينين بالظهر؟

طالما يشتاق المسلمون بالخليج للصّلاة بالأقصى هكذا، فلماذا لا يعملون على تحريرِه حتّى نذهب جميعاً للصّلاة به؟ ولماذا كأضعفِ الإيمان، لا يُعلنون إدانتَهم للتّطبيع؟ ولماذا إذن يشوّهون المُقاومة ويُحاربون كلّ من يُعلن أنّ ثوابِته هي تحرير كامل التُّراب الفِلسطيني وينتقدونَه ويصِفونه بالإرهاب؟!

هل هي ازدواجيّة أم فُقدان للتّمييز والعقل، أم نوع من الكذِب على النّفس لتبرير الإنبطاح والعَجز عن المُعارضة، أم هل هو تحوّل نحو الخِيانة تماهياً مع الأنظِمة وتُساق المبرّرات لتَسويغه؟

نرجو أن تحتَفظ الشّعوب ببوصَلتها ولا نستطيع التّعميم؟، فالشّعوب لا تخلو من الشّرفاء، ولكن شرفاء الخليج مُطالبون كما لم يُطالبوا من قَبل بإعلان مواقفهم والتّمايُز عن مناخِ الخيانةِ المسَيطر على الخليج بشكلٍ تاريخي غير مَسبُوق.