دول » قطر

كيف يرى القطريون حملة مقاطعة البضائع الفرنسية؟

في 2020/11/08

متابعات-

يرى مثقفون قطريون أن حملات المقاطعة التي تبنتها الدول والمجتمعات الخليجية على خلفية إساءة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للدين الإسلامي، لها أثر بالغ على فرنسا، مشددين على أنها وسيلة مهمة لإيصال رسائل لفرنسا وغيرها من الدول لكي تضع حداً لأي تصرف تقبل عليه في هذا الخصوص مستقبلاً.

بعد أيام من المقاطعة الشعبية في دولة قطر للبضائع الفرنسية رصد "الخليج أونلاين" انطباعات مجموعة من المثقفين القطريين، تعقيباً وتقييماً لمسارات حملة المقاطعة في الدولة الخليجية التي تربطها علاقات اقتصاديات عميقة مع باريس. حيث بلغت الصادرات الفرنسية إلى قطر 3.8 مليارات يورو، كما وقعت الدولتان العديد من الاتفاقيات في المجالات التجارية والخدمية.

وتجسيداً للموقف الشعبي القطري قال رئيس مجلس الشورى في افتتاح دور الانعقاد العادي الـ49 للمجلس، 3 نوفمبر 2020: "إن حرية التعبير لا تعني بأي حال من الأحوال الإساءة للآخرين في دينهم وعقيدتهم"، مُعبراً عن رفضه وإدانته للإساءة إلى الجناب النبوي الكريم، والدين الإسلامي الحنيف.

وفي ذات السياق غرد رئيس مجلس الشورى قائلاً: "الإرهاب لا دين له، ونحن ندين أي عمل إرهابي أيّاً كان شكله ومهما كان مصدره. فالإرهاب إرهاب لا لون له ولا دين ولا عرق".

وأوضح "أن دولة قطر طلبت في وقت سابق من الأمم المتحدة، وقادة دول العالم، وضع قوانين وإجراءات وضوابط تمنع الإساءة للأديان والمقدسات والتطاول عليها بأي ذريعة من أجل عالم يسوده السلام والتفاهم والتعاون بين دوله وشعوبه".

تسجيل موقف

الرعاية الرسمية الفرنسية للإساءة إلى الجانب النبوي الشريف دفعت الشعوب العربية والإسلامية إلى اتخاذ موقف يدين هذا السلوك، ويعترض على المنحى الفرنسي الذي يجعل من الدين الإسلامي ومعتنقيه وسيلة للفرجة والتندر.  

هكذا يرى الصحفي القطري صالح غريب في حديث مع "الخليج أونلاين" حول المقاطعة الشعبية للبضائع الفرنسية في دولة قطر، باعتبارها سلوكاً حضارياً، ووسيلة احتجاج وضغط أثبتت فعاليتها، حيث تغيرت لغة الخطاب الفرنسي من المواجهة والحدة إلى البحث عن التفسيرات والقول بأن الترجمة لم تكن أمينة؛ حيث أوصلت رسالة مغلوطة إلى العالم الإسلامي والعربي.

يضيف غريب: إن "الموقف الفرنسي بدأ يستوعب خطورة تصريحاته، ولا أدل من ذلك على خطاب وزارة الخارجية الفرنسية الموجه للعالم العربي بلغة عربية فصيحة، تلته تصريحات الرئيس الفرنسي التي أكد فيها أن رسالته قد حورت، وأن فرنسا للجميع وتحترم معتقدات الأفراد وتصونها".

يتابع قائلاً: "لا أعتقد أن هذه التبريرات الرسمية من الجانب الفرنسي تعيق مواصلة حملة المقاطعة، حيث إن الشعوب العربية والإسلامية واعية بالخطاب العنصري الفرنسي، ومن ثم أرجح استمرار الحملة، حيث إن الأهداف الحقيقية للحملة تكمن في اعتذار من الجانب الرسمي الفرنسي، أو اتخاذ موقف يصون لهذه الأمة حرمة مقدساتها ويضمن للمسلم الفرنسي احترام معتقداته الدينية".

وعودة على بداية حملة المقاطعة في قطر، يشير غريب إلى أنه "منذ الأيام الأولى للتصريحات المسيئة رصدنا توجهاً حقيقياً لدى المواطن والمقيم في دولة قطر إلى مقاطعة البضائع الفرنسية؛ ويمكن ملاحظة ذلك في سحب العديد من الأسواق للمنتجات الفرنسية من رفوفها بالرغم من محاولات موردي البضائع الفرنسية اختراق الحملة عن طريق العروض وتخفيض الأسعار لصالح بضائع فرنسية، وذلك في محاولة لصد الحملة الشعبية عن تحقيق تأثير حقيقي في تلك المتاجر".

وحول حرية التعبير التي فسر بها الجانب الرسمي الفرنسي قبول الإساءة للجناب النبوي الشريف يقول غريب: "حرية التعبير مسألة نفهمها ككتّاب وإعلاميين، ولكن نعلم يقيناً أن حرية التعبير أصبحت تكتسي اللون الرمادي في العالم الغربي تحديداً".

يضيف غريب: "هناك حدود لحرية الرأي في العالم الغربي، التشكيك في الهولوكوست يعرض صاحبه للعقوبة القانونية، ومع هذا تتقلص تلك الحدود شيئاً فشيئاً إذا ما كان الموضوع حول الدين الإسلامي، أو أحد رموزه، حيث تتحول المادة إلى وسيلة للفرجة والتندر".

ويشير إلى أن "الفضاء الفرنسي العام يتسم بالحدة إزاء جميع أشكال التدين ذات الطابع الإسلامي حصراً؛ فعلى سبيل المثال يشكل منع الحجاب في الفضاءات العامة، والمؤسسات الرسمية، خرقاً لحرية الأفراد في ممارسة شعائرهم ومعتقداتهم التي يكفلها الدستور الفرنسي".

ويرى غريب أن "حملة المقاطعة لفتت أنظار الساسة الفرنسيين إلى أهمية تحديد نوع العلاقة التي يجب أن تربطهم بالإسلام، فإذا ما تم تجاهل قيم الجمهورية والمساواة والأخوة على الأقل تبقى الأبعاد المادية قائمة، وهي الرسالة التي وصلت إلى صانع القرار السياسي من خلال حملة المقاطعة".

رسائل مباشرة

في ظل مقاطعة البضائع الفرنسية في دولة قطر وعدد من الدول العربية، كان من المهم الوصول إلى هرم السلطة الفرنسية ونقل رسالة شديدة الوضوح حول الموقف الإسلامي والشعبي من الإساءة للجناب النبوي الشريف.

حيث كان الإعلامي القطري خالد الجميلي قد وجه رسالة إلى الرئيس الفرنسي ماكرون عن طريق برنامجه "Avec Khaled"، حيث عبر عن استيائه من تصاعد حدة الخطاب الفرنسي المسيء للدين الإسلامي، وهو ما يتنافى -بحسب وصف الجميلي- مع قيم الجمهورية الفرنسية؛ التي ترتكز على احترام المعتقدات، وترفع شعار الحرية، والعدالة، والأخوة بين جميع المواطنين.

وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" أكد الجميلي أن رسالته "موجهة إلى صانع القرار الرسمي والمجتمع الفرنسي معاً، وتحتوي على أمور محددة وهامة؛ من أهمها أن الإساءة أمر غير مقبول في ثقافتنا، فضلاً عن أن تكون تلك الإساءة موجهة إلى نبي الرحمة".

ويرى أنه "في حالة وصولنا إلى ردود فعل إيجابية على الحلقة فمن الممكن أن يتحول البرنامج إلى منصة تستهدف المجتمع الفرنسي بحيث تمازج بين التعريف بالثقافة الفرنسية، وأيضاً تنهل من معين الثقافة العربية وتحتفي بمآثر النبي صلى الله عليه وسلم".

ويثمن الجميلي دور اللغة الفرنسية باعتبارها وسيلة للحوار مع الناطقين بها، وسلاحاً للدفاع عن مقدساتنا الإسلامية وثقافتنا العربية من خلال القدرة على التواصل مع الآخر وشرح وجهات النظر، الأمر الذي ينعكس على خلق حالة من الوفاق بين الشعوب والأفراد تضمن تحقيق أجواء من الاحترام المتبادل.

نوع العلاقة 

من جهته قال الروائي القطري عيسى عبد الله لـ"الخليج أونلاين": إن "القضايا الكبرى ذات العلاقة بالدين والوطن يتساوى فيها الجميع، حيث يعمل كل شخص من موقعه الوظيفي على نجاحها، فالتاجر يتخلى عن عائده المادي، والمستهلك يترك المنتج المحبب إليه نصرةً للجناب النبوي، والكاتب يسيل مداده شجباً وتنديداً ودفاعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم".

يضيف عبد الله: إن "مشكلة فرنسا هي غياب البعد الديني في العلاقات ما بين الأفراد، الناتج عن حياد الدولة دينياً، لكن الواقع يؤكد أن حياد الدولة غير موجود، والإسلام يعاني في فرنسا من موجة عداء حقيقية، وخطاب متطرف موجه نحو المسلم بناء على دينه ومعتقده".

ويعتقد عبد الله أن علاج مشكلة العنصرية نحو المسلمين يمكن أن يتم من خلال توظيف البعد الثقافي في حالة موافقة الدولة الفرنسية على إتاحة مساحة تعبيرية للكتاب والروائيين المسلمين.

وتابع: "فلا شك أن الإنتاج المعرفي الذي يعكس ثقافة إسلامية تميل إلى عقد السلام مع الآخر، وتشجع على احترام المقدسات، وتدعم حرية الرأي والتعبير، سينهي عقوداً من العنصرية الموجهة ضد المسلمين".

وحول استمرار حملة المقاطعة ومصيرها يرى عبد الله أنه "بالرغم من عدم وجود موقف رسمي مؤيد لهذه المقاطعة فإن المجتمع يعمل كل من موقعه على إنجاحها؛ وذلك بهدف إيصال رسالة إلى الجانب الرسمي مفادها أن الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم محل سخط محلي".

أما بشأن مصير الحملة فيشدد عبد الله على أهمية استمرارها حتى يقدم الجانب الفرنسي اعتذاراً حقيقياً للمسلمين حول العالم إثر الإساءة إلى نبيهم ومعتقداتهم.