دول » دول مجلس التعاون

"من مباحثات مثمرة" إلى "إنجاز تاريخي".. هل تتسارع خطوات المصالحة الخليجية نحو التوقيع؟

في 2020/12/06

 الخليج أونلاين-

تطورت سريعاً التعبيرات الرسمية المستخدمة في وصف التحركات للوصول إلى مصالحة خليجية؛ فقد انتقلت من "المباحثات المثمرة" في أول إعلان جرى على لسان وزير الخارجية الكويتي، وتبعته بساعات تصريحات لأمير الكويت بوصف ما تم بأنه "إنجاز تاريخي".

وما بين التصريحات كانت مواقف قطرية وسعودية رسمية مؤيدة لهذا التحرك، وصعدت سعودياً للتحدث عن قرب التوصل إلى اتفاق مع قطر، في حين صمت حلفاء السعودية في فرض المقاطعة على قطر حتى الآن.

فهل تقدمت خطوات المصالحة الخليجية بهذه السرعة خلال الساعات الماضية، ولماذا حصل هذا التدرج في المواقف الكويتية بشأن وصف الأزمة، خصوصاً أنها بدأت ببيان كويتي مقتضب؟

جهود الكويت

بذلت الكويت جهوداً كبيرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، للسير نحو مصالحة تنهي أسوأ أزمة مرت بها دول الخليج، وها هي أخيراً على مشارف حصد تقدم حقيقي على صعيد الحل وتحقيق أكبر اختراق في جدار أزمة كادت أن تعصف بكيان "مجلس التعاون الخليجي".

ومثّل نهج الكويت تجاه الأزمة الخليجية النهوض بدور الوسيط الفعال، وحظيت بتأييد دولي كبير لدورها، خصوصاً من الولايات المتحدة، ما مكنها من السير نحو العمل على المصالحة بين الفرقاء الخليجيين.

ولأول مرة منذ أكثر من 3 سنوات، سادت أجواء إيجابية على ضوء المستجدات التي شهدها ملف المصالحة الخليجية، في أعقاب التصريحات الواردة من الكويت وبعض الدول أطراف النزاع.

خطوات نحو المصالحة

جاء إعلان الكويت عن المصالحة الخليجية نتيجة "مباحثات مثمرة خلال الفترة الماضية بشأن جهود تحقيق المصالحة الخليجية".

وأشار البيان إلى أن "كل الأطراف التي شاركت في مباحثات المصالحة أعربت عن حرصها على الاستقرار الخليجي"، معرباً عن تقديره لجاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وبعد ساعات قليلة من البيان نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله، قوله: إن "الأزمة الخليجية طُويت وتم التوصل إلى اتفاق نهائي"، وهو الأمر الذي لم يعلن صراحة في بيان الكويت الأول.

ونقل التلفزيون العربي عن مسؤول في الإدارة الأمريكية قوله: إن "قطر والسعودية ستوقعان اتفاقاً مكتوباً خلال الأيام المقبلة لإنهاء الأزمة بينهما".

وكان لافتاً ترحيب قطر والسعودية بالمصالحة، وتجاهل الإمارات والبحرين؛ إذ رحبت الدوحة بالبيان الكويتي واعتبرته "خطوة مهمة على طريق حل النزاع"، وأعربت عن شكرها للجهود التي تبذلها الكويت منذ بداية الأزمة.

في حين أعرب وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، عن تقدير المملكة لجهود الكويت لتقريب وجهات النظر حيال الأزمة، مبدياً تطلع بلاده إلى "أن تتكلل هذه الجهود بالنجاح لما فيه مصلحة وخير المنطقة".

وفي كلمة له خلال مشاركته في منتدى "حوار المنامة" قال أيضاً: "عازمون على تعزيز مجلس التعاون الخليجي، ونسعى لحل الأزمة الحالية، وقد يحدث ذلك قريباً".

مصادر خليجية عبرت عن تقديرها لـ"الخليج أونلاين" بأن السعودية سعت لفرض واقع بالمصالحة الخليجية من خلال إعطاء الموافقة لدولة الكويت بإصدار البيان؛ "في مسعى لإنجاز المصالحة في أسرع وقت بغض النظر عن مواقف الدول الأخرى المشاركة في المقاطعة"، وهنا يبرز عدم إعلان شركاء الرياض في حصار قطر (الإمارات والبحرين ومصر) أي موقف من بيان الكويت.

تهنئة أمير الكويت

وكان لقيادة الكويت الدور الأبرز في هذه المصالحة؛ بداية بالراحل الشيخ صباح الأحمد، وصولاً إلى أميرها الحالي الشيخ نواف الأحمد، الذي أعرب، في 4 سبتمبر 2020، عن سعادته بالاتفاق حول حل الخلاف الخليجي.

واعتبر أن الاتفاق يعكس تطلع الأطراف إلى تحقيق المصالح العليا لشعوبها، وذلك عقب إعلان بلاده عن مباحثات مثمرة لحلّ الأزمة الخليجية.

وبعدها بساعات توجه أمير الكويت بالتهنئة والتقدير لقادة الخليج لحرصهم على تحقيق تلك الخطوة التاريخية، وإلى كل الأصدقاء في العالم على دعمهم لجهود الوساطة التي قامت بها الكويت.

وأوضح أن "تمثيل السعودية للأشقاء في دولة الإمارات والبحرين ومصر إنما يعكس المكانة المرموقة لها، ودورها الرائد في سبيل السعي لدعم أمن واستقرار المنطقة، وحرصها على التكاتف ووحدة الصف، في ظل الظروف الدقيقة التي يعيشها العالم والمنطقة".

وشكر أمير الكويت "الرئيس الأمريكي ترامب على جهوده الداعمة، والتي تعكس التزام الولايات المتحدة في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة".

وأرسل الشيخ نواف رسائل شكر أيضاً لأمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وللعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.

صمت مستغرب

وما زاد من التحليلات بشأن المواقف حول حلحلة الأزمة ما أعلنه أمير دولة الكويت، الشيخ نواف الأحمد الصباح، في ساعة متأخرة من ليل 4 سبتمبر 2020، عن "تمثيل السعودية للأشقاء في دولة الإمارات والبحرين ومصر في سبيل تحقيق الإنجاز التاريخي بالوصول إلى الاتفاق النهائي لحل الخلاف الخليجي، معتبراً أن ذلك "يعكس المكانة المرموقة لها، ودورها الرائد في سبيل السعي لدعم أمن واستقرار المنطقة، وحرصها على التكاتف ووحدة الصف، في ظل الظروف الدقيقة التي يعيشها العالم والمنطقة، في حين صمتت الدول الثلاث، وهو ما اعتبره البعض مستغرباً".

يعتقد المحلل السياسي جاسم الشمري أن السعودية وقطر اتفقتا على طي هذه المرحلة، موضحاً بقوله: "لاحظنا ذلك في الخطابات الناعمة المتبادلة، والكلمات الدقيقة في بيانات كافة الأطراف المعنية بالأزمة".

ويرى في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن قضية الحل التصاعدي "طبيعية جداً؛ كوننا أمام مشكلة وأزمة، ومن ثم فالحلول تكون تدريجية ولا يمكن في فن المفاوضات أن تكون الحلول آنية".

وأضاف: "طالما هنالك رغبة جادة في إنهاء الخلافات فأتصور أن ساعات قليلة تفصلنا عن اللقاء التاريخي المرتقب بين البلدين".

وحول ما إن كانت التصريحات الكويتية غامضة في بداية الأمر قبل الكشف عن المصالحة، يقول الشمري: إن "الكويت لم تصدر بيانات غامضة، لكن مهدت للموضوع، ولا شك أنها أجرت اتصالاتها الرسمية لحلحلة الموضوع".

وتابع: "لا يمكن لدولة مثل الكويت أن تصدر بياناً كهذا دون الحصول على مؤشرات إيجابية من طرفي الأزمة، ولهذا أتصور أن الحل بحاجة لمراحل، لكننا الآن في المرحلة الأخيرة التي ستحسم هذا الخلاف".

وتوقع أن الخلاف سيحسم كحزمة واحدة بين كل دول المنطقة، مضيفاً: "هذا الذي نترقبه، وربما هذا سبب تأخر الإعلان النهائي"، معرباً عن أمله في أن تكون المنطقة أمام "فجر جديد خالٍ من التوترات والتأزمات، والتي لا تخدم إلا أعداء المنطقة".

هل تغير شيء؟

لم تكن هذه المرة الأولى التي تصدر فيها تصريحات إيجابية بخصوص الأزمة، لكن التصريحات الحالية تشير إلى أن الوضع هذه المرة يختلف عما سبقه من جهود ومحاولات، فقد أبدى أطراف الصراع مرونة سياسية، مع ذلك يدعو البعض إلى عدم الإفراط في التفاؤل حتى الخروج بشيء رسمي وواضح يضح حداً عملياً للأزمة.

كما يبدو أن ما رافقها من مؤشرات تقدمية وتكثيف للجهود الدبلوماسية الأمريكية كلها أمور تذهب في اتجاه آخر، خصوصاً بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، وجاريد كوشنر، إلى السعودية وقطر قبل أيام من الإعلان.

إضافة إلى ذلك فقد بدا أن الوصول إلى هذه المرحلة قد جاء ربما بعدما ألغيت الشروط المسبقة التي كانت موضوعة للحوار، والتي كانت نقطة الخلاف في جولات سابقة من الحوار.

ويتوقع الكثير وجود معضلة أخرى ربما تعرقل مساعي الحلحلة؛ والمتعلقة بموقف أبوظبي التي لم ترحب بالإضافة إلى المنامة حتى اللحظة بهذه الخطوة، فيما يعتقد البعض أن المصالحة ربما تحدث بين قطر والسعودية فقط كخطوة أولى نحو المصالحة الشاملة لاحقاً.

دور الكويت منذ البداية

اختارت دولة الكويت أن تؤدي دور "حمامة السلام"، متبعة دبلوماسية الوساطة كإحدى أدوات القوة الناعمة في سياستها الخارجية لحلحلة الأزمات، وتمسكت بدور الوساطة في محاولة لرأب الصدع ووأد الفتنة، وحظيت بدعم أمريكي وأوروبي وعربي.

مرت الوساطة الكويتية بمراحل مهادنة بسبب تمسك جميع الأطراف بمواقفها، إلا أن الكويت استمرت في سعيها لاحتواء الخلاف الخليجي وتقريب وجهات النظر، ومحاولة جمع الأطراف على طاولة الحوار؛ لكونها الوسيط المقبول لدى كل أطراف الأزمة، فضلاً عن أن حيادها الإيجابى أكسبها احترام الجميع.

فالسعودية والإمارات والبحرين ومصر قطعوا علاقاتهم مع قطر، في 5 يونيو 2017، وفرضت الدول الخليجية الثلاث عليها حصاراً برياً وبحرياً وجوياً؛ بزعم دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة، وتقول إنها تواجه حملة افتراءات وأكاذيب تهدف إلى فرض الوصاية على قرارها المستقل وسيادتها الوطنية.

وطرحت الدول الأربع عبر الوسيط الكويتي قائمة من المطالب ضمت 13 بنداً، مقابل رفع الإجراءات التي وصفوها بـ"العقابية" عن قطر، غير أن الأخيرة رفضت جميع هذه المطالب، واعتبرتها تدخلاً في "سيادتها الوطنية".

وبالمقابل طلبت قطر علناً، وعبر الوسيط الكويتي ومسؤولي الدول الغربية، من الدول العربية الأربع الجلوس إلى طاولة الحوار دون شروط مسبقة؛ للتوصل إلى حل للأزمة، وهو ما يبدو في طريقه للتحقق والمضي قدماً وفق الإعلان الكويتي الأخير.