ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

تركيا والإمارات والمصالحة الخليجية.. 4 دوافع وراء رسائل قرقاش التصالحية

في 2021/01/12

متابعات-

"لا نعتز بأي خلافات مع تركيا".. هكذا عبر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "أنور قرقاش" عن رغبة بلاده في إصلاح العلاقات مع أنقرة، ما اعتبره مراقبون مؤشرا على تطور نوعي تزامن مع أجواء المصالحة الخليجية التي أعلنها قادة دول مجلس التعاون الخليجي في القمة التي استضافتها مدينة العلا السعودية.

وبدا واضحا من تصريحات "قرقاش" وجود رغبة من جانب أبوظبي لتخفيف حدة التوتر مع أنقرة على أقل تقدير، عبر التأكيد على المصالح المشتركة بين البلدين من جانب، والتهوين من هوة الصراع بينهما من جانب آخر، عبر الادعاء بأن الخلاف ينحصر في ملف العلاقة بجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يؤثر على علاقات تركيا بالدول العربية، وفقا لما أوردته وكالة الأناضول.

وفي هذا الإطار، سلط "قرقاش" الضوء على حقيقة أن أبوظبي هي "الشريك التجاري الأول لأنقرة في الشرق الأوسط"، حسبما نقلت وكالة "بلومبرج" الأمريكية، وحديثه صراحة عن سعي بلاده لـ "تطبيع" العلاقات مع تركيا، في تصريحات أدلى بها لقناة "سكاي نيوز عربية"، الممولة إماراتيا.

فهل ثمة نوايا حقيقية لدى أبوظبي وأنقرة للمصالحة تزامنا مع حلحلة الأزمة الخليجية؟ وما هي الأسباب التي تقف وراء ليونة التصريحات الإماراتية تجاه تركيا مؤخرا؟ وإلى أي مدى يمكن استشراف مستقبل إيجابي للعلاقات بين البلدين؟

تعد الأسئلة السابقة محور اهتمام مراقبي الشأن الخليجي والتركي هذه الأيام، في ظل توالي تصريحات "قرقاش" الناعمة من جانب، ومؤشرات وجود تقارب بين الرياض وأنقرة من جانب آخر.

غير أن الموقف الرسمي لأنقرة لا يقدم إجابة حاسمة على موقف تركيا إزاء محاولة "التليين" الإماراتية، إذ لم تصدر أي تصريحات تركية رسمية تتعلق بالإمارات بشكل مباشر، باستثناء تصريحات الرئيس "رجب طيب أردوغان"، الجمعة، التي عبر فيها عن رغبة بلاده في العمل مع "مجلس التعاون الخليجي" بوجه عام.

كما أن أي تقارب حقيقي بين أنقرة وأبوظبي من شأنه أن ينعكس في شكل تراجع الهجمات الإعلامية المتبادلة بين البلدين، وهو ما لم يلمسه المراقبون حتى اليوم.

لكن ثمة أسباب تدفع تركيا والإمارات لتخفيف حدة التوتر على الأقل، وجميعها يرتبط بالترتيبات الإقليمية الأخيرة تزامنا مع اقتراب استلام الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة "جو بايدن"، للسلطة، ونتائج المصالحة الخليجية، وعلى رأسها التقارب المتوقع بين الرياض وأنقرة.

تهديد بايدن

باديء ذي بدء، يبدو كلا الطرفين بحاجة إلى كسب ود إدارة "بايدن" وهو ما لا يبدو مضمونا في ظل "تعهدات" الرئيس الديمقراطي بعدم تكرار سياسات سلفه "دونالد ترامب"، الذي ارتبط بعلاقات قوية مع أبوظبي وأنقرة، ولطالما غض الطرف عن ملفات حقوق الإنسان والحريات.

بشكل أساسي، استندت سياسات "ترامب" إلى إعطاء الأولوية للمصالح المادية المباشرة مع كلا من تركيا وأبوظبي وترك مساحة الصراع الإقليمي بينهما دون تدخل أغلب الوقت، وهو ما لن يكرره "بايدن" على الأرجح، ما يعني أن كلا البلدين - أو أحدهما على الأقل - ربما يجد نفسه في علاقات متوترة مع الولايات المتحدة.

وإزاء ذلك، تحاول أنقرة وأبوظبي تفادي سيناريو التوتر مع واشنطن، وهما تتحسبان لذلك عبر "لملمة" أكبر مساحة ممكنة من ذيول الصراعات الإقليمية المستفحلة على مدى السنوات الماضية، بهدف عدم فتح جبهات عدة في توقيت واحد.

من هذه الزاوية قرأ عديد المراقبين إعلان الرئيس التركي "أردوغان"، نهاية العام الماضي، حملة تعيينات واسعة للسفراء الأتراك حول العالم، شملت تعيين سفير تركي جديد في أبو ظبي خلفاً للسفير الذي سُحب عقب تصاعد الخلافات بين البلدين.

التأزم الاقتصادي

الملف الاقتصادي أحد الأبعاد التي قد تدفع تركيا والإمارات لخفض مستوى التوتر بينهما على الأقل، في ظل مؤشرات على استمرار تأثير تداعيات جائحة كورونا خلال النصف الأول من العام الجاري على أقل تقدير.

ويعد هذا الملف ذو أهمية أكبر لدى أنقرة، خاصة في ظل توقعات بتوقيع إدارة "بايدن" عقوبات على تركيا لمضيها قدما في صفقة أنظمة الدفاع الجوي الروسية "إس 400".

وبإلنظر إلى أن أبوظبي من أبرز الشركاء الاقتصاديين لأنقرة بالفعل، وإلى عدم تأثر التبادل التجاري والاستثمارات رغم الأزمات السياسية المتلاحقة التي عصفت بالعلاقات بين البلدين، يمكن قراءة أبعاد مصالح مادية أخرى تتحسب لها تركيا من جانب، والإمارات من جانب آخر، خاصة إمارة دبي.

وفي هذا الإطار، شهدت إمارة دبي، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، افتتاح "المركز التجاري التركي" في المنطقة الصناعية بولاية قيصري (وسط)، بالتعاون مع وزارة التجارة التركية ومجلس المصدرين الأتراك.

سيناريو العزلة

على جانب آخر، يعد التراجع في حدة الصراعات الإقليمية بين الإمارات وتركيا أحد العوامل التي تقف وراء تصريحات "قرقاش" الأخيرة، وعدم معارضتها من جانب تركيا على الأقل. بدا ذلك بصورة واضحا في تراجع الخيار العسكري في ليبيا وتصدر المسار السياسي، وسط مؤشرات تقارب بين أنقرة والقاهرة.

فالملف الليبي كان من أخطر حلقات الخلاف بين تركيا والإمارت في السنوات الأخيرة، وتعد تراجع التدخلات الإماراتية السلبية فيه، وفتور عزمها في دعم العمليات العسكرية للجنرال الليبي المتقاعد "خليفة حفتر" خطوة في طريق التقارب المنشود.

ومن شأن إصرار الإمارات على المضي قدما في الصراع الليبي بمعزل عن مصر، أن يزيد المخاوف من "سيناريو عزلة إقليمية" تخشاه أبوظبي ويمثل دافعا آخر نحو تخفيف توترها مع أنقرة على الأقل.

فهناك العديد المؤشرات على وجود تفاهمات قادمة بين مصر وتركيا، وأهمها إرسال القاهرة وفد رسمي للغرب الليبي الذي تسطير عليه حكومة الوفاق، المدعومة من تركيا.

وفي هذا الإطار، اعتبر "كوينتين دي بيمودان"، المحلل في معهد أبحاث الدراسات الأوروبية والأمريكية، أن دولة الإمارات تعد الخاسر الأكبر في المصالحة الخليجية التي تم إعلانها بقمة العلا في السعودية، وفقا لما أوردته صحيفة "لوفيغارو".

كما أشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" يقدم المصالحة الخليجية كقربان لإدارة "بايدن" قبل 15 يوما من دخوله البيت الأبيض، ونقلت عن "كريستين سميث ديوان"، الباحثة البارزة في معهد دول الخليج العربية قولها: "الشيء الوحيد الأسوأ من هذا الاتفاق (المصالحة الخليجية) بالنسبة للإمارات هو العزلة التي كانت ستفرض عليها لو أنها رفضته، ناهيك عن إمكانية حدوث شقاق مع السعودية".

ويعزز تحليل "ديوان" ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر سعودي كبير، أكد أن "القيادة السعودية باتت لا تضع اعتبارا للنظام الحاكم في دولة الإمارات بشأن مساعي حل الأزمة الخليجية".

وأضاف: "لا يمكن للسماح للغضب الإماراتي بإبقاء هذه النار مشتعلة"، في إشارة إلى عزم الرياض على تجاوز أي موقف إماراتي من شأنه إبقاء التوترات مستمرة.

جذور ممتدة

لكن كل المعطيات السابقة لا تعني حلحلة تامة للصراع الإماراتي التركي في ظل عدم معالجة جذوره، والاكتفاء بتخفيف سخونة بعض عوارضه.

وترتبط جذور الصراع بتوتر غير مسبوق وصل ذروته على الساحة الليبية، إلى الحد الذي دفع وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار" للتصريح بأن "أبوظبي أضرّت ببلاده في ليبيا وسوريا، وأن أنقرة ستحاسبها على ما فعلت في المكان والزمان المناسبين"، وفقا لما نقلته قناة الجزيرة.

ووصف الوزير التركي الإمارات بأنها "دولة وظيفية تخدم غيرها سياسياً أو عسكرياً، ويتمّ استخدامها واستغلالها عن بعد" من قبل قوى أخرى، في إشارة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وفي هذا الإطار، يشير المحلل العسكري لصحيفة هآرتس العبرية "تسفي برئيل" إلى أن اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي وضع تل أبيب على خارطة مجابهة مع تركيا.

ولفت المحلل الإسرائيلي أن "الإمارات شكَّلت محوراً خلال السنوات الأخيرة ضد تركيا وقطر، وأقامت علاقات مع نظام الأسد في سوريا وعلاقات أخرى مع إسرائيل، وعملت على دعم مصر لتسهيل نقل الغاز الإسرائيلي عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، وهو ما من شأنه أن يكون حلفاً في مواجهة المصالح التركية في البحر المتوسط".

السعودية أولا

ولذا يرى محللون، بينهم خبير الشأن التركي "طه عودة أوغلو"، أن "الخطاب التركي في الفترة الأخيرة كان وديا تجاه دول الخليج ولربما تتلقف أنقرة التقارب الذي أبداه قرقاش".

لكن الخبير التركي استبعد الحديث عن مصالحة إماراتية تركية قبل ظهور مؤشرات نهائية لمصير سفينة التقارب بين الرياض وأنقرة، وفقا لما أوردته وكالة "سبوتنيك" الروسية.

وفي السياق، يشير الخبير في العلاقات الدولية "مسعود حقي جاشين"، إلى أن العلاقات بين تركيا والسعودية تسير نحو التحسن حاليا وأن المصالحة الخليجية قد تدفع العلاقات بين البلدين للتطوير بشكل سريع، ومن ثم يمكن الحكم على مستوى العلاقة بين أنقرة وأبوظبي.

ونوه "جاشين" إلى أن قضية اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" ستكون فيصلا في مصير العلاقة بين تركيا والسعودية، موضحا:" جريمة قتل خاشقجي تعتبر قضية عالمية بموجب اتفاقية فيينا للقانون الدولي لكونها ارتكبت في بعثة دبلوماسية أجنبية هي القنصلية السعودية في اسطنبول، ورغم ذلك فالسعودية هي البلد المعني بالملاحقة القضائية ومقاضاة المسؤولين عنها وقد قامت بذلك وفق قانونها الخاص".

لكن الخبير التركي يرجح أن تستقر العلاقات بين السعودية وتركيا بمعزل عن قضية "خاشقجي" خلال الشهور المقبلة، ما يعني ترجيحا لتقارب جاد بين البلدين.

وفي المقابل، يستبعد "جاشين" تحسن العلاقات بين تركيا والإمارات على ذات النهج السعودي، منبها إلى أنه إذا كانت "قضية خاشقجي" لب الصراع بين الرياض وأنقرة ويمكن تجاوزها، فإن جذور الصراع التركي الإماراتي لاتزال قائمة، ولا يبدو في الأفق حلحلة لها، ما يعني أن ما يجري حاليا أقرب إلى "التسكين" ومعالجة "عوارض" تأزم العلاقات دون التطرق إلى الأسباب الرئيسية للشقاق.