مجتمع » حريات وحقوق الانسان

تجنيس الأجانب بالإمارات.. الخاسرون والرابحون

في 2021/02/08

الخليج الجديد-

يثير التزامن اللافت بين تسارع وتيرة التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، وتعديلات قانون منح الجنسية في الإمارات، مخاوف جمة، تتجاوز الحدود الإماراتية إلى كافة بلدان الخليج.

وتعد الخطوة الجديدة، نادرة في دول الخليج، حيث تبقى إمكانية منح الجنسية محدودة للغاية، وتخضع لقيود واشتراطات كثيرة.

وعلى الرغم من التبني الرسمي للخطوة، فإن الانتقادات تتوالى من داخل وخارج البلد الخليجي، وسط تحذيرات من تداعيات التجنيس الإماراتي على أمن الخليج والمنطقة العربية.

بنود التعديلات

وفق التعديلات التي أعلن عنها نائب رئيس الدولة رئيس الوزراء حاكم دبي، الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم"، سيُمنح الجواز الإماراتي، المصنف كأحد أفضل جوازات السفر في العالم، للمستثمرين والموهوبين والمتخصصين من العلماء والأطباء والمهندسين والفنانين والمثقفين وعائلاتهم.

وسيتم ترشيح الشخصيات المؤهلة للحصول على الجنسية الإماراتية عبر مجلس الوزراء والدواوين المحلية والمجالس التنفيذية، ضمن مخطط لاستبقاء واستقطاب العقول والكفاءات النادرة.

ويسمح القانون الجديد لأي ممتلك عقار في الإمارات أن يحصل على جنسيتها، أما الأطباء والعلماء، فتقضي الشروط بأن يكون مساهما بإجراء دراسات وأبحاث ذات قيمة علمية في مجال تخصصه، ولا تقل خبرته العملية عن 10 سنوات.

ويتوجب على الفرد من فئة أصحاب المواهب، الحصول على براءة اختراع معتمدة من وزارة الاقتصاد أو من أية جهة عالمية معترف بها.

ويشكل الأجانب نحو 86% من سكان الإمارات، البالغ عددهم حوالي 9.5 مليون نسمة، وينتمي الكثير من الأجانب إلى دول جنوب آسيا.

والعام الماضي، وفي خطوة استباقية لتلك التعديلات، قررت أبوظبي منح الأطباء وعلماء الفيروسات المقيمين فيها إقامة لعشر سنوات، كما أعلنت الحكومة نيتها منح "الإقامة الذهبية" للخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي وعلوم الكومبيوتر والطلاب المتفوقين في المدارس والجامعات.

أبرز الرابحين

وتحمل تعديلات القانون، فرصة ثمينة، لعشرات الآلاف من الإسرائيليين (أكثر من 130 ألف) الذين زاروا الإمارات منذ توقيع اتفاقية التطبيع في سبتمبر/أيلول 2020، بحسب القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في أبوظبي "إيتان نائيه".

ويصف الباحث في برنامج الأمن الدولي في مركز أبحاث أمريكا الجديدة (مقره دبي) "توفيق رحيم"، التعديل بأنه "كسر الحاجز بشأن قضية كانت من المحرمات في السابق".

ويملك رجال الأعمال الإسرائيليين، القدرة على تملك عقارات في الأراضي الإماراتية، وضخ استثمارات ضخمة، وتوطين صناعات الذكاء الاصطناعي، ما يعني أن الفرصة مواتية لهم للاستفادة من القانون الجديد، والذي لا يتضمن أي حظر بشأن جنسيتهم.

وتعمل العديد من شركات الأمن والتكنولوجيا في الإمارات بقيادة مديرين ومسؤولين تنفيذيين أجانب، وسيصبح من حقهم وفق التعديلات الجديدة، نيل الجنسية الإماراتية التي ستفتح لهم أبواب الامتيازات الممنوحة لمواطني مجلس التعاون الخليجي.

هذا التطور المرتقب، علق عليه الناشط الحقوقي الإماراتي "حمد الشامسي"، قائلا عبر "تويتر": "سيحصل الإسرائيلي على جنسية الإمارات وسيتملك في الإمارات ودول الخليج التي تعامل الإماراتي كمواطن في دولها".\

ويتفق معه المغرد السعودي "تركي الشلهوب"، قائلا إن "تعديل قانون التجنيس في الإمارات، مقدمة لمنح إسرائيليين الجنسية الإماراتية ليكون لهم حرية التملك والعمل والتنقل وربما الوصول إلى المناصب القيادية في الخليج".

وستفتح التعديلات المتعلقة بمنح الجنسية فرصا غير مسبوقة للعائلات التي تسعى للقيام باستثمارات أكبر في أعمالها التجارية، والعقارات، والاستثمارات طويلة الأجل، مع العلم أنها لن تضطر إلى المغادرة في النهاية.

في المقابل، تأمل الإمارات، في التحول إلى مركز لاستقطاب المواهب والعقول والكفاءات، وكذلك اجتذاب استثمارات طويلة الأمد، وتحويل وجهة رؤوس الأموال في المنطقة إليها.

ويعول الإماراتيون على تخصصات بعينها، تدفع البلاد نحو تصدر مدن العالم الذكية، والوجهات الأكثر تطورا في مجالات العلم والتكنولوجيا، إضافة إلى تشجيع المغتربين على الإقامة طويلة الأمد، واستثمار مدخراتهم الشخصية داخل البلاد، بدلا من تحويلها إلى أوطانهم الأصلية.

وتسعى أبوظبي إلى تحويل الإمارات إلى اقتصاد ما بعد النفط، الذي يركز على التقنية العالية والتصنيع والخدمات الذكية، مثل التكنولوجيا المالية، وهي مجالات يستأثر بها العمالة الوافدة، المطلوب توطين الكفاءات منها.

ويصف كبير مسؤولي الاستثمار في لونجدن كابيتال (شركة لإدارة الأصول في الأسواق الناشئة)، "كريم جثا"، تلك التحولات بأنها "العقلية الجديدة التي تحاول الحكومة إلهامها. إذا أعطيت كل ما تستطيع لهذا البلد، يمكنك اعتباره وطنك"؛ بحسب موقع "الحرة".

خاسرون بالجملة

اللافت أن التعديلات الجديدة، التي نالت استحسان الخارج، طالتها انتقادات الداخل، بالنظر إلى تجاهلها أزمة البدون، وأبناء الإماراتيات المتزوجات من أجانب، المحرومون من الجنسية، مقارنة بالمواطنين الرجال المتزوجين من أجنبيات الذين يحصل أبناءهم على الجنسية الإماراتية بمجرد الولادة.

وترى منظمة "هيومن رايتس ووتش"(حقوقية دولية)، أن الإمارات "تكيل بمكيالين في حق المواطنة"، منتقدة حرمان الأطفال المولودين لإماراتيات وآباء أجانب، من الجنسية.

وتصدرت زوجة حاكم إمارة الشارقة، الشيخة "جواهر القاسمي"، منتقدي التعديلات الجديدة، قائلة عبر "تويتر": "تجنيس أبناء المواطنات. مطلب. توظيف أبناء الإمارات. مطلب".

كذلك يواجه البدون (عديمي الجنسية) عوائق شديدة تحرمهم من الرعاية الصحية، والتوظيف، والمنح الجامعية بدون الجنسية الإماراتية، حيث لا طريق أمام أولاد الأزواج البدون لنيل الجنسية، مهما كانت المدة التي عاشها آباؤهم وأمهاتهم في الإمارات.

وتعود أصول العديد من البدون في الإمارات إلى مجتمعات البدو أو المهاجرين الذين سكنوا البلاد قبل تشكيل الدولة في 1971، ولم يجر تسجيلهم وقتها لنيل الجنسية.

ولم تعالج التعديلات الجديدة، الخلل في التركيبة السكانية الإماراتية (10 فقط من السكان إماراتيين)، بل قد تزيد الفجوة القائمة من الأساس، وقد تستقطب جنسيات بعينها دون أخرى.

تغيرات هيكلية

الجدير بالملاحظة، أن التعديلات الجديدة، لم تتضمن تفصيلا بالمعايير المطلوبة للتجنيس، ووضعت الأمر تحت سيطرة مسؤولين رفيعي المستوى، ما يعني أن قرارات سيادية وربما انتقائية ستكون هي المتحكم في سياسة التجنيس الجديدة.

ويرى مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأمريكي "ستراتفور"، أن العائلات الحاكمة في الإمارات ستكون قادرة على استخدام المجموعات الجديدة من المواطنين لتسريع التحول الاقتصادي للبلاد، وتقويض فعالية القبائل الإماراتية الأصلية في صد الإصلاحات الاقتصادية.

بمعنى آخر، سيؤدي برنامج المواطنة الجديد في الإمارات، إلى مزيد من تآكل السيطرة طويلة المدى للقبائل الأصلية، وتحرير سوق العمل من توظيف الإماراتيين، بالإضافة إلى تحفيز توطين العمالة الأجنبية، خاصة بعد فرار المغتربين من البلاد خلال عمليات الإغلاق والتسريح التي سببتها جائحة "كوفيد-19" العام الماضي.

مزايا عدة للمغتربين، والعمالة الوافدة، والإسرائيليين، خاصة من وراء التعديلات الجديدة، في بلد سارع إلى إلغاء تأشيرة دخول الإسرائيليين إلى أراضيه، وألغى قانون مقاطعة "إسرائيل"(يعود للعام 1972)، مقابل مخاطر جمة على الأمن الخليجي، وتغييرات هيكلية على التركيبة السكانية، ومساس بامتيازات الإماراتيين أنفسهم لصالح آخرين.