خاص الموقع

بايدن يخاطب الملك .. من هو بديل ابن سلمان؟

في 2021/02/23

(مبارك الفقيه / راصد الخليج)                                                                          
انتظر ولي العهد محمد بن سلمان هاتفه كثيراً ليحمل له صوتاً قادماً من واشنطن بحديث بروتوكولي يدشّن مرحلة جديدة من العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادة الرئيس الجديد جو بايدن، ولكنّ المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي قطعت حبل الانتظار بتصريح صادم أوضحت فيه أنّ "بايدن سيتحدّث مع نظيره الملك سلمان وليس مع ولي العهد"، مع أنّ العالم كلّه يعلم أنّ الحاكم الفعلي للمملكة هو ولي العهد وليس الملك!

شكّل هذا الموقف صدمة كبيرة وخيبة أمل، ليس لدى ابن سلمان فحسب بل لكلّ البلاط السعودي، لا سيّما أنّه جاء تحت عنوان اتّباع سياسة جديدة أعلن عنها البيت الأبيض في إطار "ضبط العلاقات مع المملكة"، وأعاد إلى الأذهان الوعود التي أطلقها بايدن خلال حملته الانتخابية، واستهدفت شخص ابن سلمان وليس فقط تغيير شكل العلاقة مع السعودية كنظام ونهج. واستهلّ بايدن الرئيس قراراته برفع الحوثيين عن قائمة الإرهاب، ووقف الدعم العسكري للتحالف الخليجي في حرب اليمن، وأعقبها بإعلان رفع العقوبات على إيران تمهيداً لاستئناف المفاوضات النووية معها بوساطة وشراكة أوروبية.. فهل بدأ الديمقراطي العجوز تطبيق وعوده؟! وهل تراجعت مكانة المملكة في الحسابات الاستراتيجية لدى الإدارة الأمريكية؟

لا شكّ أنّ هناك اختلافاً كبيراً في السياسة بين بايدن وسلفه دونالد ترامب، ولكن أن يصل هذا الاختلاف إلى خلق خلاف بين واشنطن والرياض فهذا يدفع إلى التأمل كثيراً بشأن السياقات المقبلة للعلاقة بين البلدين الحليفين، وكأنّ بايدن يستهدف إعادة السعودية إلى

سالف عهدها في شكل الحكم، وإحباط سعي ولي العهد للخروج من قوقعة الوهابية ووضع المملكة على سكّة الانفتاح والانضمام إلى منظومة العالم الأول، أم أنّها مناورة بقفازات مختلفة تستهدف ابتزاز السعودية من جديد بأثمان مختلفة!
الأوساط المحيطة بولي العهد لا توافق على اعتبار الموقف الأمريكي إهانة لابن سلمان، وتؤكّد أنّ هذه الخطوة لا تعدو كونها زوبعة مؤقتة، ولا بدّ أنّها ستزول بعد أن ينجح بايدن في معالجة المشاكل الداخلية في بلاده، فأمريكا الجديدة تحتاج إلى رتق التمزّقات العميقة التي تركها ترامب في جسد المجتمع الأمريكي أولاً، وهناك المارد الصيني والخصم الروسي اللذين يؤرقان أروقة البيت الأبيض، ولا يمكن لأمريكا بتحدّياتها وملفاتها الشائكة أن تستغني عن السعودية كشريك استراتيجي اقتصادي وسياسي، ولا يمكن أن تبني تحالفات مستجدّة في المنطقة على حسابها، كما أنّ الواقعية السياسية تحتّم في نهاية المطاف أن نعقد عهداً جديداً من العلاقات المستقرّة، ولن يجد بايدن حليفاً قوياً متفهماً ومتعاوناً كابن سلمان ليشبك يده بيده.

قد تكون هذه المقولة واقعية إذا ما نظرنا إلى معادلة المصالح التي تحكم العلاقات الدولية، ولكن ما يصدر عن واشنطن تصريحاً وتلميحاً لا يشي بصحّتها، وتؤكّد أنّ بايدن يتّجه إلى تهميش ابن سلمان في ضبط العلاقة المستقبلية بين البلدين، ولن يقدِم على أي خطوة تحمل تشريعاً لوجود ولي العهد في الحكم طالما لم يصدر الحكم بعد حول مسؤوليته عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وترجّح الأوساط الأمريكية أن يعمد بايدن إلى الضغط باتجاه استبدال سلسٍ وناعم لابن سلمان بشخصية مقبولة لدى الإدارة الأمريكية قابل للمصافحة، كالأمير محمد بن نايف، تلافياً لحصول أي مشاكل في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في حال إدانة ابن سلمان بالتّهم المنسوبة إليه.

ويبدو أنّ هذا الاحتمالي بدأ يدور همساً في أروقة القرار في المملكة، وردّه البعض إلى اتّخاذ بايدن موقف العداء الشخصي لولي العهد، وهذا يحتّم على الرياض – برأي هؤلاء - اتّخاذ موقف متشدّد حيال واشنطن لدفعها "صاغرة" للعودة إلى الحظيرة السعودية، فالمملكة ليست بلداً مغموراً يفتقد قراره السيادي، وإنّ استمرار بايدن في تعنّته سيدفع بالرياض إلى تسريع التّقارب مع كل من روسيا والصين، والمقوّمات التي تسهم في توسيع الطرق نحو بكين وموسكو موجودة ولكنها تنتظر ساعة الانطلاق، وعليه فإنّ الكرة الآن أصبحت في الملعب الأمريكي.

وبناءً على ما سبق، يعتقد محيط ابن سلمان أنّ الأخير يمتلك الكثير من أوراق القوّة التي يستطيع اللعب بها، وهو بدأ برمي أولاها في الاتصال الذي أجراه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين عشية الإجراءات الأمريكية، ولكن آخرين ممّن يفكّرون بعقول بادرة يحذّرون من أنّ لدى واشنطن أيضاً الكثير من الأسلحة الدبلوماسية والسياسية التي تسمح لها بجعل المملكة بلداً منبوذاً تمزّقه الخلافات وتتهدّده الانقلابات والانشقاقات الداخلية، ولذا فلا بدّ من إجراء دراسة هادئة للخيارات السعودية بالنظر إلى المعادلات الدولية المستجدّة، فإنّ لعبة المصالح بين الدول لا تقيم وزناً لشخص بحدّ ذاته إلّا في حدود حفاظه على هذه المصالح، وبقاؤه رهن ببقائها وحفاظه عليها، وعلى هذا الأساس يعتقد أصحاب العقول الباردة أنّ ابن سلمان لم يعُد مؤهلاً لتحقيق المصالح الأمريكية، حتى لو سلّم بايدن مفاتيح الكعبة.