اقتصاد » اسكان ومصارف

صناديق الثروة بالخليج.. قوة اقتصادية هائلة بمواجهة الأزمات

في 2021/02/24

الخليج أونلاين-

تمتلك دول الخليج العربي عدداً من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، التي ادخرت ما فيها من عوائد النفط والطاقة على مدار عقود ماضية، وهي من الدول القليلة في العالم التي لديها صناديق ثروة سيادية تعد فائضة عن موازناتها السنوية، وغير مرتبطة بالمشاريع العملاقة التي تعمل عليها الحكومة داخل البلاد.

ويمكن اعتبار صناديق الثروة بمنزلة كتل استثمارية مخصصة للبحث عن فرص محلية وعالمية بهدف تحقيق ربح أكبر لهذه البلدان، يقدر ما بين مئات الملايين والمليارات سنوياً.

وتتمثل ثروات هذه الصناديق، التي توجد في دول الخليج الست، على شكل أموال سائلة ومعادن نفيسة، وأصول (أراضٍ وأسهم)، بالإضافة إلى سندات أو حصص في شركات عالمية عابرة للقارات.

وحققت "صناديق الثروة" حضوراً واسعاً خلال العقدين الماضيين بشكل خاص، عبر شراء أسهم في شركات وبنوك لها سمعتها في الأسواق المالية العالمية، والنمو والربح فيها مضمونان إلى حدٍّ بعيد.

صناديق الثروة بالخليج

ولعل فكرة صناديق الثروة السيادية حديثة نوعاً ما، حيث إن أول صندوق سيادي عالمياً ظهر بمنطقة الخليج العربي في خمسينيات القرن الماضي.

وتمثل صناديق الثروة الخليجية ما نسبته 34% من إجمالي الصناديق السياديَّة حول العالم، التي بلغت 8.14 تريليونات دولار.

وبالعودة إلى عام 1953، أسست الكويت أول صندوق سيادي لها في العالم، حاملاً اسم "سلطة الاستثمار الكويتية"، ووصل حجم الأصول به لنحو 533.7 مليار دولار، وفق أرقام معهد الصناديق السيادية السويسري لعام 2020.

ويحتل الصندوق المركز الثاني خليجياً، وضمن أكبر عشرة صناديق سيادية حول العالم، ويتم ضخ 10% سنوياً من عوائد النفط الكويتية في ذلك الصندوق.

أما الإمارات فهي تمتلك ثلاثة صناديق ثروة سيادية، أسس أولها في إمارة أبوظبي عام 1976 تحت اسم "هيئة أبوظبي للاستثمار"، وتصل أصوله إلى نحو 579.6 مليار دولار.

ويعد الصندوق الاستثماري الأكبر في الشرق الأوسط حتى اليوم، حيث تتم تغذيته باستمرار من الفوائض المالية من صادرات النفط.

وعملت الإمارات على تأسيس "شركة مبادلة للاستثمار" في عام 2002، وهو مملوك لحكومة أبوظبي أيضاً، وتصل أصوله مجتمعة إلى 125 مليار دولار.

كما تمتلك الإمارات "صندوق مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية" الذي أعلن تأسيسه عام 2006، والذي تبلغ أصوله 301.5 مليار دولار.

وفي عام 1980 أسس الصندوق السيادي العُماني، وبلغت قيمته الإجمالية نحو 30 مليار دولار، وكان يركز على الاستثمارات الخارجية، فيما توجه نحو الداخل بشكل أكبر خلال عام 2020.

أما صندوق الاستثمار القطري فقد تأسس عام 2005، وبحسب آخر التقارير الصادرة عن معهد صناديق الثروة السيادية يبلغ حجم الأصول في الصندوق حوالي 295.2 مليار دولار.

وفي عام 2005، أنشأت البحرين "ممتلكات"، وهو صندوق الثروة السيادي الخاص بها، والذي يمتلك الآن أصولاً بأكثر من 30 مليار دولار، بحيث يركز هذا الصندوق بشكل أساسي على دعم الاقتصاد المحلي في البحرين.

وكان لدى السعودية أكثر من صندوق سيادي حتى عام 2015، حينما دُمج أغلبها تحت اسم الصندوق السيادي العام، وذلك في إطار رؤية 2030 لتنويع موارد الاقتصاد، والذي يصل إلى 400 مليار دولار، بحسب المعهد السويسري.

الصناديق بمواجهة الأزمات

يتمثل الطموح الأساسي لصناديق الثروة السيادية في جمع المدخرات الوطنية طويلة الأجل لمصلحة الأجيال المقبلة، وذلك بتنويع الاستثمارات على الصعيدين المحلي والخارجي، وبمختلف القطاعات التي تحقق مزيداً من الأرباح والقوة الاقتصادية.

هذا التفكير الاستراتيجي وجد منذ بدايته لمواجهة أزمات انخفاض عوائد النفط، خصوصاً مع الأزمات التي واجهت سوق الطاقة من جراء تقلبات أسعار الخام عالمياً، وتأثره بالحروب والأزمات ومؤخراً الأوبئة.

وعملت دول الخليج على مدار عقود على ضخ نسب معينة من فائض صادرات النفط، في هذه الصناديق، وهو ما منحها غطاءً مالياً ضخماً مكنها من توسيع استثماراتها من جهة، ومواجهة أي مخاطر قد تحيط بالاقتصاديات المحلية، وعجوزات الموازنة، وغير ذلك.

مع تفشي وباء فيروس كورونا المستجد، تأثرت دول الخليج بشكل سلبي (كحال معظم دول العالم)، وزاد من ذلك انخفاض أسعار النفط (التي تغذي صناديق الثروة السيادية) مصحوباً بقلة الطلب عليه، وهو ما تسبب بخسائر بالغة، ظهرت جلياً في عجوزات موازناتها العامة مع نهاية 2020.

وضخت الحكومات الخليجية بالأشهر الأولى من تفشي الفيروس، الذي رافقه إغلاق اقتصادي كلي وجزئي، عشرات المليارات لمواجهة الركود الناتج عن الوباء، ما أدى لانخفاض واضح في حجم صناديق الثروة وصل إلى نحو 300 مليار دولار من مجموعها الكلي، والذي كان يقدر حتى نهاية 2019 بـ 2.5 تريليون دولار تقريباً.

وفي مواجهة انخفاض أسعار الخام، والزيادة الكبيرة في متطلبات الاقتراض الإجمالية للحكومات الخليجية، اضطرت معظم دول الخليج للوفاء بها عبر السحب ولو جزئياً من صناديق الثروة.

وتتوقع وكالة "ستاندرد آند بورز" أن يصل  عجز ميزانيات دول الخليج إلى 490 مليار دولار ما بين 2020 و2023، وسط ارتفاع احتياجات التمويل مقابل انخفاض الإيرادات النفطية.

في الوقت الذي أكّدت فيه وكالة "موديز" لخدمات المستثمرين أن السعودية وعُمان ستكونان أكثر عرضة لانخفاض الأصول السيادية على المدى المتوسط، بسبب تداعيات الجائحة والسحب المتزايد لتعويض انخفاض أسعار النفط.

وأضافت الوكالة، في تقرير (17 فبراير 2021)، أن التداعيات ستؤدي إلى تآكل كبير في الهوامش الوقائية في السعودية وسلطنة عمان، ما يقلل القوة المالية لصناديقهما السيادية ويزيد المخاطر الخارجية.

وأشار التقرير أيضاً إلى أن مخزون أصول صناديق الثروة السيادية في قطر وأبوظبي ما يزال أكثر من كافٍ لتغطية عقود من العجز المالي عند المستويات الحالية.

أما الكويت فيشير التقرير إلى أن العجز المالي الضخم أدى إلى استنفاد الجزء السائل من صندوق الاحتياطي العام الأصغر.

وشددت الوكالة على زيادة مخاطر السيولة بالكويت في ظل عدم وجود قانون للديون، رغم المخزون الضخم من الأصول المحتفظ بها في صندوق الأجيال القادمة.

ويشكل السحب من صناديق السيادة تحدياً في الكويت، على سبيل المثال، خصوصاً مع ارتباطه بقرار صادر عن مجلس الأمة، الذي يرفض ذلك، داعياً لاتخاذ حلول بديلة.

ولا تعد أزمة كورونا هي الأولى التي تواجه اقتصاديات الخليج، فقد أثر انخفاض أسعار النفط عام (2014 - 2015) على معظم دول الخليج، حيث لجأ بعضها لتخفيض الأصول الخارجية عبر تحويل عشرات مليارات الدولارات لتغطية العجوزات الضخمة في موازنة الدولة.

وكان للصناديق السيادية دور مباشر وفعال في إنقاذ النظام المالي الخليجي خلال الأزمة المالية عام 2008؛ حيث ضخّت عشرات المليارات من الدولارات في رأس مال المؤسسات المالية.