علاقات » عربي

نشاط دبلوماسي قطري تجاه القضية السورية.. هل نشهد اختراقاً لحالة الجمود؟

في 2021/03/05

متابعات-

دعمت قطر ثورة الشعب السوري في مطالبه المشروعة بالحرية والعدالة وتحقيق الديمقراطية منذ الأشهر الأولى لاندلاعها في مارس 2011، وبذلت جهوداً مكثفة لنقل معاناة الشعب السوري إلى دول العالم.

وتقترب الثورة السورية اليوم من حلول ذكراها العاشرة، في ظل استمرار الحرب الدائرة على أراضيها منذ عقد تقريباً، بعيد تحولها من ثورة سلمية إلى مسلحة في ظل العنف الكبير الذي شنه النظام على المناهضين لحكمه داخل البلاد.

وفي ظل التقلبات السياسية والدولية، والمتغيرات التي تعصف بالمنطقة، وتقدم نظام الأسد بدعم روسي وإيراني هائل على حساب قوى المعارضة في الأرض، هل بقيت قطر على موقفها من القضية السورية؟

تراجع الملف السوري

وتبقى المواقف السياسية عرضة للتغيير والتقلب وفقاً لما يطرأ عليها من أحداث ومجريات دولية وداخلية، بالإضافة إلى نظرة المجتمع الدولي، والقوى الكبرى الفاعلة فيه، خصوصاً في ظل وجود لاعبين بارزين مثل الولايات المتحدة من جانب، وروسيا من جانب آخر، مع بعض القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران وآخرين.

وخلال السنوات الماضية بدت معظم الدول العربية بحالة انكفاء عن الملف السوري، خصوصاً في ظل تطبيع بعض الدول العربية لعلاقاتها مع النظام السوري وإنهاء حالة دعمها للمعارضة.

وفي إطار ذلك بقيت قطر محافظة على موقفها من الأزمة السورية، ولم توقف حملات دعم الشعب السوري الإنسانية والإغاثية، خصوصاً مع ازدياد حالة المعاناة وتوقف سبل الحياة في الكثير من المناطق، وسط أزمات اقتصادية ومعيشية في أساسيات الحياة.

وحافظت الدوحة على اعترافها بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة كممثل للشعب السوري، منذ تأسيسه عام 2013، مع وجود سفارة له بالدوحة، في وقت استمرار قطيعتها مع النظام السوري وعدم وجود أي ممثل للدوحة في دمشق.

وقد خلفت الأزمة السورية ملايين القتلى والجرحى، إضافة إلى أكثر من 12 مليون نازح ولاجئ داخلياً وخارجياً، وسط معاناة كبيرة لملايين القابعين في مخيمات النزوح داخل البلاد أو اللجوء في دول الجوار.

وبدا الملف السوري سياسياً بحالة جزئية من الركود، خصوصاً بعد تمكن قوات النظام السوري، والمليشيات اللبنانية والعراقية الطائفية، وقوات الحرس الثوري الإيراني، بدعم من سلاح الجو الروسي، من إعادة السيطرة على المناطق التي حررتها قوات المعارضة سابقاً، وانكفاء الأخيرة في مناطق إدلب وريفها وأجزاء من ريف حلب.

كما ساهم تفشي وباء فيروس كورونا المستجد في تعطيل سير العديد من الملفات الدولية في الشرق الأوسط، وكان الملف السوري أحدها، في ظل انشغال العالم بمواجهة الوباء وسبل الحد من تفشيه.

ورغم مواصلة الجهود الدولية لحلحلة الأوضاع في سوريا، وإنهاء الأزمة التي طالت، خصوصاً مع مرور أكثر من ست سنوات على تبني مجلس الأمن الدولي، في ديسمبر 2015، للقرار رقم 2254 القاضي بالموافقة على خطة لوقف إطلاق النار في سوريا، وإجراء محادثات بين النظام والمعارضة، وتشكيل حكومة موحدة وإجراء انتخابات ديمقراطية شاملة، مع تبني دستور جديد للبلد الذي مزقته الحرب.

وضمن مسار العملية السياسية شكلت الأمم المتحدة "اللجنة الدستورية" لصياغة دستور جديد، بعضوية مقسمة بين النظام والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني (50 عضواً لكل منها).

ولم تتمكن المحادثات بين وفود النظام والمعارضة من تحقيق أي تقدم يذكر على سير المفاوضات لتشكيل دستور جديد أو الاتفاق على مرحلة للانتقال السياسي للسلطة، حيث حمل المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون مسؤولية فشل آخر اجتماعات جنيف للنظام السوري.

نشاط قطري

ويبدو أن حدوث المصالحة الخليجية، في يناير 2021، وعودة البيت الخليجي إلى استقراره السابق، مع استلام الرئيس الأمريكي جو بايدن للسلطة في الولايات المتحدة، 20 يناير 2021، قد يحرك المياه الراكدة في الملف السوري، وسط نشاط دبلوماسي واضح لقطر.

وفي ظل هذه التغيرات الجيوسياسية إقليمياً وعالمياً عادت قطر لتجدد رؤيتها حيال إمكانية حل الأزمة السورية، وإنهاء حالة التفكك التي تواجهها، مؤكدة دعوتها للحل السياسي، وعدم نجاعة الحلول العسكرية إلا في المزيد من المعاناة وزعزعة الأمن والاستقرار.

وقالت السفيرة علياء أحمد بن سيف آل ثاني، المندوبة الدائمة لدولة قطر لدى الأمم المتحدة بنيويورك، في جلسة غير رسمية للجمعية العامة للأمم المتحدة حول سوريا، 3 مارس 2021، إن الدوحة حذرت منذ بداية الأزمة من أن العنف ضد المدنيين سيكون له أثر كارثي على سوريا والمنطقة.

وأشارت إلى أنه "بعد مرور 10 سنوات على بداية الأزمة السورية حريّ بنا أن نتذكر بدايات الأزمة، فهي قد بدأت باحتجاجات سلمية قام بها الشعب السوري على مرأى من العالم أجمع، للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، قوبلت للأسف بقمع وحشي لا نظير له".

وشددت على "تمسك قطر بموقفها المبدئي الراسخ، حيث لم تتوانَ عن التزامها الإنساني بتقديم المساعدة الإغاثية التي تشتد الحاجة إليها لدى الأشقاء السوريين من لاجئين ونازحين، والتي تجاوزت ملياري دولار".

وجددت تأكيد أن قطر لا تزال في مقدمة الداعمين للآلية الدولية المحايدة والمستقلة المعنية بسوريا، مؤكدة أن الأزمة في سوريا قد نجم عنها عواقب وخيمة ليس فقط على ذلك البلد، بل على السلم والأمن الإقليميين والدوليين. 

ونوهت آل ثاني بدعم الدوحة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام إلى سوريا بغية التوصل إلى حل؛ من خلال عملية سياسية هادفة تؤدي إلى انتقال سياسي وفقاً لإعلان "جنيف-1"، وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 بكامل عناصره، مؤكدة أنها "السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة وتحقيق الانتقال السياسي والحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها".

وسبق هذه التصريحات الدبلوماسية استقبال وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لرئيس الائتلاف السوري نصر الحريري في الدوحة، في 22 فبراير 2021، مؤكداً دعم بلاده للجهود الدولية الرامية إلى التوصل لحل سياسي للأزمة السورية.

وأعرب عن أمله في أن تلبي هذه الجهود "التطلعات المشروعة للشعب السوري إلى الأمن والاستقرار والحفاظ على وحدة أراضيه".

وتسعى قطر لاستثمار المناخ الدولي والإقليمي المتغير، وخاصة المصالحة الخليجية وقدوم بايدن، لتنشيط دبلوماسيتها وتحريك المياه الراكدة بالملف السوري، وغيره من ملفات المنطقة.

ويدعم ذلك التقاء قطر وتركيا في نظرتهما تجاه الأزمة السورية، وسبل إحداث تغيير يضمن العدالة للشعب السوري وتحقيق انتقال سلمي للسلطة مع توقف حالة الحرب التي ما زالت مستمرة وإن بوتيرة أقل.

الدوحة استمرت بدعم الثورة

وقال سليم الخطيب، عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري: "إن قطر لم تنسحب من دعم القضية السورية؛ حيث إنها لم توقف دعم أي من الملفات المهمة التي كانت تعمل عليها خلال السنوات الماضية، مثل ملفات المساءلة والمحاسبة ودعم المعارضة سياسياً".

وأضاف في حديث خاص مع موقع "الخليج أونلاين": إن "الدوحة استمرت بتقديم دعمها الإغاثي والإنساني الذي لم ينقطع حتى اللحظة"، مبيناً أن الحكومة القطرية ما زالت تدعمنا سياسياً من خلال السفارة السورية بالدوحة، بالإضافة إلى وقوفها في وجه إعادة النظام السوري إلى جامعة الدولة العربية".

وأكّد الخطيب في حديثه أن "الدعم القطري للثورة السورية استمر على حاله، ولكن بتغطية إعلامية أقل عموماً". 

وبخصوص وجود سبب مباشر لإعادة العمل على الملف السوري بالواجهة، أوضح أن ذلك يعود لنجاح قطر في صناعة السلام في أفغانستان، وما تلا ذلك من رسالة تهنئة من رئيس الائتلاف، والطلب من قطر ببذل دور أكبر لصناعة السلام في سوريا".

وأردف المسؤول عن مكتب العلاقات العربية في الائتلاف أيضاً: إن "هذا الطلب أعقبه قرار وزير الخارجية القطري بتعيين السفير علي بن فهد الهاجري مبعوثاً خاصاً لشؤون المنطقة".

وشدد على أنه "مما لا شك فيه أن المصالحة الخليجية وحدت الجهود في الاتجاه الصحيح، وعززت تماسك الخليج، مما أتاح لكل دول الخليج المجال لعمل أوسع في المنطقة".

ولفت الخطيب إلى أن "دعم قطر لقرارات مجلس الأمن وبيان جنيف لن يكون سبباً كافياً لإحداث تغيير في العملية السياسية"؛ لكن يمكن القول إن أي جهد إضافي دبلوماسي من الدوحة سيساعد في زيادة عزلة النظام والضغط عليه لأجل تفعيل العملية السياسية، خاصة أن العملية السياسية جاهزة، إلا أن النظام هو من يعطل دائماً".