دول » الكويت

الترويض أو الحل.. مجلس الأمة الحلقة الأضعف بأزمة الكويت السياسية

في 2021/04/01

الخليج الجديد-

إلى أين تتجه الأزمة السياسية الكويتية بعد تمرير تشكيل الحكومة بشق الأنفس في جلسة بدا فيها مجلس الأمة خاويا على عروشه؟ وهل يعني ذلك أن البلاد تتجه أخيرا نحو الاستقرار أم أن نوايا المعارضة الواضحة باتجاه التصعيد تستبعد ذلك؟ وما هو تأثير الصدامات المتتالية بين الحكومة والمجلس على مستقبل النظام السياسي في البلاد؟

تتصدر هذه الأسئلة اهتمامات مراقبي الشأن الكويتي منذ الثلاثاء الماضي، وتحديدا بعد أداء الوزراء لليمين الدستورية، بعد طول انتظار، وسط تلويح من عديد النواب المعارضين باستجواب رئيس الحكومة "صباح الخالد الحمد الصباح" وطرح الثقة عن حكومته. 

وعزز من إلحاح طرح الأسئلة طبيعة تركيبة مجلس الأمة الذي تشكل أواخر العام الماضي، حيث يغلب عليه تيار المعارضة، الذي يرفع مطالب ترفضها الحكومة، ومنها العفو عن النواب المدانين في القضية المعروفة إعلاميا بـ "اقتحام مجلس الأمة"، ويتضامن مع النائب المسقط عضويته "بدر الداهوم"، ضد حكم من المحكمة الدستورية بزوال عضويته من المجلس، على خلفية إدانته في قضية سابقة متعلقة بـ"المساس بالذات الأميرية".

وجاء أمر رئيس المجلس "مرزوق الغانم" للحرس بمنع "الداهوم" من الدخول ووضع قوة عسكرية أمام المبنى ليزيد من سخونة الأجواء المتوترة أصلا بين النواب والحكومة، إذ يرى العديد من نواب مجلس الأمة أن المحكمة الدستورية "تعدت على صلاحيات" المجلس الذي يمكنه إسقاط العضوية بالتصويت، واصفين الحكم بأنه "منعدم" و"بلا قيمة".

وبعد أيام من قرار فصل "الداهوم" من مجلس الأمة، أحالت السلطات الكويتية 38 نائبا حاليا بمجلس الأمة (البرلمان)، إلى النيابة؛ بدعوى مخالفتهم الاشتراطات الصحية لمنع تفشي فيروس "كورونا".

ووفق مصدر مطلع، فإن النيابة العامة في الكويت، استلمت رسميا ملفا من وزارة الداخلية بإحالة جميع النواب الذين احتفلوا بفوزهم بالمقاعد النيابية وطالبت بالتحقيق معهم، وفقا لما أوردته صحيفة "القبس" الكويتية.

ديمقراطية مقيدة

الأزمة السياسية الراهنة ليست سوى حلقة من مسلسل استمر عامين، أي منذ الفترة السابقة لانتخابات مجلس الأمة 2020، وازدادت سخونة بتشكيلة المجلس الحالي، الذي خيم التوتر مع الحكومة على أدائه منذ جلسته الأولى، حيث أفصح نواب معارضون عن نيتهم التصعيدية، مهددين بعدم التعاون مع الحكومة في حال عدم تجاوبها مع مطالبهم.

ومن أبرز هذه المطالب إصدار عفو شامل عن النواب المدانين في القضية المعروفة إعلاميا بـ"اقتحام مجلس الأمة"، حيث يقيم العديد منهم خارج البلاد حاليا، ويدعو أعضاء بمجلس الأمة إلى العفو عنهم، وسط مخاوف من عدم استجابة الديوان الأميري لهذه المطالب.

وتسبب هذا التوتر باستقالة الحكومة الكويتية السابقة بعد نحو شهر من تشكيلها، ليتم، في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، تكليف "صباح الخالد" مرة أخرى بتشكيل الحكومة الثالثة له، ليتبع هذا التكليف تلويح باستجواب جديد أيده 11 نائبًا، أعلنوا رفضهم التعاون مع "الخالد"؛ تحت عنوان مخالفته إرادة الشعب، وعدم تعاونه مع النواب.

ولذا تأخر "الخالد" في إعلان تشكيلته الحكومية الجديدة، وسط مسلسل من الاعتذارات عن قبول الانضمام للحكومة، والعزوف عن قبول المناصب الوزارية، حيث بات أغلب المرشحين للوزارات على يقين بقصر عمر الحكومة أيا كان تشكيلها، وفقا لما نقلته "القبس".

ولطالما لعب أمير الكويت وأحكام القضاء دور "العامل المرجح" في الأزمات السابقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، في إطار صيغة "ديمقراطية مقيدة"، بحسب مراقبين.

ففي عام 2012، استخدم أمير الكويت الراحل صلاحياته الدستورية في تعطيل جلسات مجلس الأمة لمدة شهر، وتبع ذلك أمر من المحكمة الدستورية اعتبر انتخابات فبراير/شباط 2012 باطلة، ما أدى إلى حل البرلمان.

وكانت هذه هي المرة الثامنة في تاريخ الكويت التي يتم فيها حل مجلس الأمة منذ عام 1963، وتم حل 10 من أصل 18 مجلسا في تاريخ الكويت.

ومنذ عام 2009، كانت الحكومة تستغل المواد الغامضة في الدستور، والنظام الداخلي لمجلس الأمة لعرقلة أو تأخير التشريع والرقابة بالمجلس، ما تسبب في معارك حول تفسير المواد مع المعارضة، وهي المعارك التي غالبا ما تحسمها المحكمة الدستورية لصالح الحكومة.

المحكمة ذاتها هي التي قضت بزوال عضوية "الداهوم"، تزامنا مع مطالبة أمير الكويت باحترام "أحكام القضاء" في إشارة إلى دعمه للأحكام الأخيرة رغم اختلاف خبراء القانون في تكييف تنفيذها، إذ يرى عدد من الفقهاء أن تنفيذ الحكم القضائي على أحد نواب مجلس الأمة يجب أن يتم عبر المجلس نفسه تحقيقا لمبدأ فصل السلطات.

من بين هؤلاء أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بجامعة الكويت "ثقل العجمي"، الذي يرى أن "إعلان مجلس الأمة خلو مقعد (الداهوم) لا يمكن إلا من خلال قرار يتم التصويت عليه من أعضاء المجلس" ذاته.

كما نوه رئيس مجلس الأمة الأسبق، "أحمد السعدون"، عبر تويتر، إلى حكم قضائي آخر لمحكمة التمييز بإلغاء قرار وزارة الداخلية بشطب ترشيح "الداهوم" لمجلس الأمة، مشددا على أن هذا الحكم يجب احترامه أيضا، وبالتالي استمرار عضوية "الداهوم" لحين البت فيها من مجلس الأمة، وإلا فإن التعاطي مع الأحكام القضائية يكون مشوبا بالانتقائية.

فيما يتعلق بأزمة اقتحام مجلس الأمة، قام بعض المعارضين السابقين، الذين هاجروا إلى تركيا كمنفى اختياري، رجعوا إلى الكويت ونفذوا "شروطا" شملت تسليم أنفسهم للسطات وقضاء جزء من عقوبة السجن وتقديم اعتذار مكتوب لأمير البلاد الراحل الشيخ "صباح الأحمد الجابر الصباح"، الذي أصدر عفوا خاصا عمن استجاب لهذه الشروط، ومنهم: النائبان السابقان "وليد الطبطبائي" و"فهد الخنة".

وسادت حالة من التفاؤل أوساط المعارضة بعد تولي أمير الكويت الجديد الشيخ "نواف الأحمد الجابر الصباح"، بإمكانية طي الملف، لكن الوضع بقي على ما هو عليه حتى اليوم، ما اعتبره مراقبون تأكيدا على أن قرارات أمير الكويت السابق "صباح الأحمد الجابر الصباح" جاءت في إطار الدور الذي يمثله "الأمير"، أيا كان اسمه، في "موازنة" أو "تقييد" الديمقراطية الكويتية.

وفي السياق، أصدر الأمير "نواف" مرسومًا بتعليق انعقاد جلسات مجلس الأمة (البرلمان)، اعتبارًا من 18 فبراير/شباط ولمدة شهر، استنادا إلى المادة 106 من الدستور، وإزاء ذلك، استمر المعارضون الكويتيون من غير الخاضعين للشروط "الأميرية" في مناف اختيارية، آخرها إعلان النائب السابق "ناصر الدويلة" في 17 مارس/آذار الماضي، مغادرته البلاد "خشية ملاحقات ومضايقات قضائية".

وقال "الدويلة" في مقطع فيديو بثه من مطار الكويت الدولي، الأربعاء، إنه يغادر البلاد بسبب المضايقات وكثرة الملاحقات القضائية، وأشار إلى أنه مثل 15 مرة أمام القضاء في قضايا أمن دولة، مضيفا: "كلمتي الوداعية إلى الشعب الكويتي وأسأل الله أن يهدي أسرة الحكم للخير ويجنب حضرة صاحب السمو البطانة الفاسدة ويهديه للرشد والفلاح".

ورغم أن الحكومة تبدو "ظاهريا" أضعف حلقات الأزمة السياسية بالكويت في ظل التركيبة المعارضة لمجلس الأمة من جانب، والضغوط التي يلقيها تفاقم المعاناة الاقتصادية جراء تداعيات جائحة كورونا من جانب آخر، إلا أن تصريحات أمير الكويت وأحكام القضاء تصب في صالحها، الأمر الذي يخصم من الرصيد التاريخي لـ "مجلس الأمة" في معادلة النظام الكويتي بشكل عام.

من هنا يسلط مراقبون، بينهم الإعلامي والأكاديمي "علي السند" الضوء على حقيقة الديمقراطية في نظام يحافظ شكليا على دورية الانتخابات والتمثيل النياب، لكن دون ترجمة هذا التمثيل إلى تعبير فاعل عن الرأي العام.

وفي السياق، كتب "السند" عبر تويتر: " في الكويت: الحكومة "غير منتخبة"، وتتحالف مع "أقلية" سيئة لتلغي إرادة "أغلبية" منتخبة، ثم يأتي مغفل ليقول: هذه هي الديمقراطية!".

سيناريو الترويض

ورغم أن احتمال حل مجلس الأمة، كما جرى في نسخة 2016 إثر أزمة مشابهة مع الحكومة، بات مستبعدا، بعدما أصدرت المحكمة الدستورية حكما برفض بطلان انتخابات المجلس، إلا أن الأوزان النسبية لسلطات النواب والحكومة والصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها الأمير دستوريا تجعل من سيناريو ترويض "مجلس الأمة" الخيار الأقرب إلى التحقق، خاصة في ظل تمتعه بصلاحية حل مجلس الأمة بموجب المادة 107 من الدستور.

وتنص المادة على أنه "للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى ، وإذا حل المجلس وجب اجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل ، فان لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن ، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد".

وفي ظل استبعاد سيناريو "استقالة الحكومة" بعد أيام من تشكيلها، فإن حلحلة الأزمة لن يأتي سوى عبر استخدام سياسة "العصا والجزرة" مع نواب مجلس الأمة من جانب، أو تكرار اتخاذ "قرار أميري" بتعطيل جلسات المجلس، كما جرى هذا العام، بصفته حكما بين السلطات بحسب الدستور.

ويدعم هكذا ترجيح، ما نقلته صحيفة "الجريدة" الكويتية عن مصادرها بشأن توجيه رسائل مباشرة إلى عدد من النواب "بأن التصعيد النيابي المستمر منذ ما قبل دور الانعقاد الحالي، والمحاولات المستميتة لفرض العفو الشامل (عن نواب اقتحام مجلس الأمة)، سيواجهان بتصعيد مقابل".

من هنا يمكن قراءة موافقة أغلب أعضاء مجلس الأمة، الثلاثاء، على تأجيل استجوابات رئيس مجلس الوزراء الشيخ "صباح خالد الحمد الصباح"، إلى ما بعد دور الانعقاد الثاني، وذلك بأغلبية 29 صوتا من أصل 34 نائبا حضروا الجلسة العامة للبرلمان، التي شهدت أداء الحكومة الجديدة، اليمين الدستورية. فيما لم يحضر أداء الوزراء اليمين الدستورية سوى 18 نائبا فقط.

ولم يتحقق ذلك إلا بعد شق أعضاء مجلس الأمة إلى نصفين تقريبا، إذ قاطع جلسة أداء الحكومة لليمين الدستورية 30 نائبا، بات أمامهم قبول "واقع" تشكل الحكومة، أو العمل على زيادة عدد الاستجوابات لوزراء الحكومة للضغط عليها، أو الذهاب لاستقالة جماعية بهدف حل المجلس.

ويشكل نجاح الحكومة في تأدية اليمين الدستورية، "قوة مؤثرة لها داخل مجلس الأمة، حيث إن جميع الوزراء أصبحوا نواباً بعد تأدية اليمين، وفي حالة استمرت مقاطعة نواب المعارضة فسيصب ذلك في صالح الحكومة"، حسبما نقل موقع "الخليج أون لاين" عن الكاتب السياسي الكويتي "عبدالعزيز سلطان".

لكن "المطيري" يتوقع أن يقْدم بعض نواب المعارضة على تقديم استقالاتهم في حال استمرار عجزهم عن تحقيق أهدافهم التشريعية والرقابية، وتصعيد البعض الآخر للضغط على الحكومة لدفعها إلى تقديم مشاريع قوانين تحمل نفَسا إصلاحيا.

ويساهم في ترجيح استمرار سيناريو "ترويض النواب" أن المعارضة الكويتية تعاني من عجز مزمن في التنسيق بشأن التشريع والرقابة، بسبب النظام الانتخابي الكويتي، الذي يشجع المنافسة الفردية ويخلق حواجز كبيرة أمام تشكيل الائتلافات، من جانب، وحقيقة كونها "تحالف فضفاض" من المرشحين القبليين والإسلاميين والناشطين المؤيدين للديمقراطية الذين يتفقون على بعض القضايا ويختلفون على أخرى، حسب تحليل أورده معهد دول الخليج العربي في واشنطن.

كما يساهم عدم وجود أحزاب سياسية رسمية في الكويت من ضعف المعارضة على مر تاريخها، ولذا يشير المعهد الأمريكي إلى أنه من غير المرجح أن يتم حل الركود السياسي في الكويت ما لم تشرع الدولة في إصلاحات جادة، تشمل تعديل النظام الداخلي لمجلس الأمة ليكون أكثر وضوحا وتفصيلا، وإصلاح المحكمة الدستورية لتشمل أعضاء معينين بالتشاور مع مجلس الأمة أو بموافقته، وتعديل قانون الانتخابات في الكويت لتشجيع ديناميكيات الجماعات الفعالة وتثبيط النزعات الفردية بين أعضاء البرلمان.