خاص الموقع

أمراء الخليج والتّنمية المُستدامة في القصور الأوروبية!

في 2021/04/14

(أحمد شوقي/ راصد الخليج)

تقرير وكالة بلومبيرغ الأمريكية مؤخراً، والذي كشف عن بيع الأمير بندر بن سلطان، أحد كبار الشخصيات الملكية السعودية، قصراً ريفيًا كبيرًا في إنجلترا لملك البحرين، لم يكن مفاجئاً أو صادماً، حيث ثروات أمراء وملوك الخليج غير خاضعة للرّصد أو المحاسبة، وإنّما يُلقي الخبر الضّوء على الظاهرة، لا سيّما مع تراجع مؤشّرات الاقتصاد ولجوء الحكومات الخليجية لإجراءات تقشّفية، بالطبع على المستويات الشعبية فقط!

يكشف تقرير الوكالة، أنّ المستندات العامة التي تمّ تقديمها لشركة Glympton Estates Ltd، التي تدير العقار، تُظهر أنّ ملاك القصر هما الآن الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ونجله ولي العهد سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، ليحلوا محل الأمير بندر، الذي كان سابقاً سفيراً للملكة لدى الولايات المتحدة، ورئيساً للاستخبارات السعودية.

وقالت مصادر لوكالة بلومبيرغ، إنّ الأمير بندر،  باع “غليمبتون بارك” في منطقة كوتسوولدز ذات المناظر الخلابة في فبراير، وقال أحد المصادر المطّلعة، إنّ سعر القصر تجاوز 120 مليون جنيه إسترليني (165 مليون دولار).

هنا يُمكن رصد بعض النّماذج التي تؤكّد أنّ قصور أوروبا تشكّل ولعاً لأمراء وملوك الخليج بما يشكّل ظاهرة، فمثلاً، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فضل الإبقاء على شرائه "قصر لويس الرابع عشر" بفرنسا بمبلغ 300 مليون دولار سراً، إلى أن كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن الأمر في 2017.
واللّافت أنّ عملية الشراء تمّت في عام 2015، وهو نفس العام الذي شنّ فيه ولي العهد السعودي حملة ضدّ الفساد في المملكة بعد شرائه للقصر بفترة وجيزة.

والأمر ليس قاصراً على العقارات والقصور الفخمة، بل يشمل النوادي الرياضية أيضاً، وتُفيد التّقارير، ومنها تقرير لتلفزيون دويتشه فيله الألماني، أنّ السعودية ليست الدولة الخليجية الوحيدة التي أظهرت اهتماماً بشراء نوادي كرة قدم أوروبية، فعائلة آل ثاني القطرية اشترت نادي باريس سان جيرمان في 2012 بعد أن حوّلت الملايين من خزائن الدولة لشراء العقارات في أوروبا، ومنها حصّة بنسبة 95 بالمائة في مبنى "The Shard" بلندن، والذي كان في ذلك الوقت أعلى مبنى في أوروبا.

وفي 2018 قام رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني بشراء ما قيل عنه إنّه أغلى منزل في لندن بمبلغ 465 مليون دولار بعد أعمال التّحديث، وهو منزل يحتوي على أكثر من 20 غرفة بالقرب من قصر بكنغهام.

وبحسب وثائق بنما، يمتلك رئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد آل نهيان عقارات في لندن تقدّر قيمتها بنحو 1.2 مليار دولار، بينما يمتلك نائب رئيس الوزراء منصور بن زايد آل نهيان نادي مانشستر سيتي الإنجليزي الذي اشتراه بمبلغ قدرته غارديان البريطانية ب150 مليون جنيه إسترليني في 2008. أمّا حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم فيمتلك ضيعة قيمتها 75 مليون جنيه إسترليني بمقاطعة "سري" في جنوب شرق إنجلترا بالإضافة إلى مزرعة للخيول بقيمة 45 مليون جنيه إسترليني.

وهنا لنا وقفة، حول انتشار ظاهرة البذخ غير الملائمة للدول الحديثة، ولا للأوضاع الاقتصادية العامّة التي تعانيها شعوب الأمّة ومنها الشعوب الخليجية ذاتها!

فوفقاً لدراسة بمركز الخليج لسياسات التنمية، فإنّ بيانات المنظّمات الدولية المعنية بالفقر تخلو من أي إحصاءات حديثة أو قريبة عن الفقر في دول الخليج الست، وذلك يعود لتكتّم الحكومات المعنية برصد ونشر هذه الإحصاءات، رغم أنّ مظاهر الفقر التي يعيشها الآلاف من سكان الخليج جلية وواضحة لكلّ شاهد،  فعلى سبيل المثال نجد أنّ الأمم المتحدة أعربت عن صدمتها من مظاهر الفقر في بعض المدن بالمملكة العربية السعودية، من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مقرّرها المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان فيليب ألستون.

كذلك البَطالة، وهي سبب رئيسي في حدوث الفقر في أي اقتصاد، فإنّ بعض الدول الخليجية تُعاني من نسب بطالة أكثر في خانة العشرات، ففي السعودية بلغت البطالة 10.5% وفي الإمارات بلغت 14% بحلول العام 2014، ولكن تنتشر البطالة أكثر في الفئة العمرية 19-25 عاماً فتبلغ في السعودية حوالي 30%، وفي البحرين تصل إلى 28%، وحوالي 23% في سلطنة عمان، كما تبلغ 24% في الإمارات.

وإن كانت بعض الدول حقّقت معدّلات أقلّ رسمياً، فهو عائد للتّمييز بين المواطنين والوافدين، من جهة، وبين فئات المواطنين الخليجيين وبعضهم على أسس طائفية ومناطقية وعشائرية مفادها التمييز والتهميش.

ولا شكّ أنّ مؤشّرات التّنمية ووصايا صندوق النّقد التي بدأت تدخل دول الخليج لتنتج سياسات تقشّفية شعبية بتقليص الدعم وغيرها، لا تتلاءم مع هذا البذخ.

كما أنّ ظاهرة التّرف وتبديد الأموال لا تتلاءم مع مفهوم الحداثة، وخاصّة في غياب المحاسبة والمساءلة والتي جعلت من دول الخليج تنتمي لعصور سابقة وسط ادّعاءات الحداثة ومزاعم التّنمية.
يبدو أنّ هناك تنمية مُستدامة خليجية فعلية، ولكن في نطاق القصور وعلى مستوى أفراد الأسَر الحاكمة!