خاص الموقع

بحصة وزير خارجية لبنان أصابت رؤوسا في بيروت والرياض

في 2021/05/22

(مبارك الفقيه/ راصد الخليج)

لم تكن الهفوة الدبلوماسية التي ارتكبها وزير الخارجية اللبنانية شربل وهبه إلّا واحدة من أوراق التوت التي تخفي عورات السياسة في لبنان، وسقوط ورقة الرّجل كشف عمق الإنقسام العامودي الذي يضرب بنية النظام في لبنان ومؤسساته وأطيافه السياسية.

الكلّ بات يعلم أنّ لبنان يعيش حالة شلل حكومي شبه شاملة، وسط تعقيدات داخلية وضغوطات خارجية مرتبطة بترتيب التسوية الكبرى في المنطقة، فلا حكومة تصريف الأعمال المعطّلة قسراً قادرة على مواجهة الملفّات الملحّة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ولا يبدو تشكيل حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري ممكنة في العهد الحالي بسبب الفيتو السعودي على شخصه أوّلاً، وانحسار النفوذ السياسي للرياض في بيروت ثانياً، فضلاً عن عدم الإهتمام حالياً من قبل الإدارة الأمريكية بترتيب البيت اللبناني.

كلّ ما سبق أدّى إلى حالة خنق عارمة ونقمة كبيرة لإحساس اللبنانيين بأنّ أولي الأمر من العرب تخلّوا عن إنقاذ لبنان من محنته، بل ساهموا في تعميقها لحسابات إقليمية خاصّة، ويمنعون أي مسعىً للحلحلة في ظلّ مخاوف فعلية من انهيار لبنان كدولة ونظام.

والوزير وهبه المسيحي الذي يُعايش الأزمة كما معظم أقرانه من الوزراء والسياسيين، شذّ في لحظة انفعال عفوية في مواقفه تجاه المملكة ودول الخليج عن غيره من المسؤولين الصامتين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والحزبية، ليعترض على إهانة رئيس بلاده باستخدام تعبير "البدو".

المعروف أنّ البداوة هي واحدة من أشكال البنى الاجتماعية في الشّرق العربي ولا سيّما بلاد الخليج والصحراء، إلّا أنّها في العرف الغربي - والمسيحيون في لبنان تشرّبوا هذا العرف - تعبير يدلّ على التخلّف والرجعية، وعلى ثقافة الإبل والخيمة، ولئن ضجّت غرف السياسة والإعلام حول هذا الجانب من الهفوة، إلّا أنّ الأزمة الحقيقية فيها هي ما تحدّث عنه وهبه بشأن حادثة القتل الوحشي الذي تعرّض له الصحافي جمال خاشقجي في السفارة السعودية باسطنبول، وتحميل المملكة ودول الخليج المسؤولية عن "تفريخ" تنظيم داعش الذي يستقي أهدافه من مسلّمات الوهابية حول الخلافة الإسلامية وتوابعها.

هل أخطأ الرجل؟! نعم لقد أخطأ في استفراغ الإعتبار الغربي لمصطلح البدو دون احتساب العواقب، خصوصاً أمام ضيف سعودي تمّ استحضاره لهذا الهدف على محطّة "الحرة" الأمريكية"، ولكنّه لم يخطئ حين "بقّ البحصة" (وفق التعبير اللبناني) وعبّر عمّا يعتمل في نفوس غالبية المستوى السياسي والشعبي في لبنان، وهو الذي يعتبر نفسه خارج نادي المتملّقين - وما أكثرهم في لبنان - ممّن يقتاتون على موائد المملكة نفاقاً أو موالاة.

ما تحدّث عنه الوزير المنفعل سبق أن فضحه مسؤولون كبار في الإدارة الأمريكية وعرب وخليجيون، وازدحمت بها مقالات أبرز الصحف الغربية والأمريكية على وجه الخصوص، سواءً باتهام المملكة بتمويل عملية تفجير برجي التّجارة العالمي في سبتمبر ٢٠١١ ودعم حركة طالبان والحركات والشخصيات السلفية في العالم أو بالإبتزاز المكشوف والرّخيص للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لثرواتنا وإهاناته المباشرة للملك سلمان والأمير محمد جهاراً وفي الغرف المغلقة، وصولاً إلى السياسة المؤذية التي يمارسها الرئيس الحالي جو بايدن تجاه الرياض وتجاه ولي العهد شخصياً.. وكلّها لم تحرّك حفيظة الشرف العربي !!

نعم لقد أخطأ الوزير شربل وهبه لأنّه أعلن الموقف في الزمن الخطأ، والذين شجّعوا المملكة على تكبير حجم القضية هم اللبنانيون أنفسهم، ولولا ذلك فكان يمكن أن تمرّ المسألة دون ضوضاء، ولكن "كلمة الحق بتوجّع" من يخافون على جيوبهم وليس على كراماتهم، ولا شكّ في أنّ السعودية استغلّت الموقف خير استغلال لإجراء استفتاء على التّبعية ونجحت في ذلك نسبياً، ولكنّها لم تمحُ سجلاً أسود لا بدّ من معالجته، وهذا لا يكون بتعميق الفرز السياسي والطائفي في لبنان، بل بالمبادرة إلى إنقاذه وتشكيل حبل خلاص وجمع بدل فتيل تفجير وتفرقة.