اقتصاد » علاقات واستثمارات

من بوابة الاقتصاد.. قطار العلاقات يعيد محطة أبوظبي - أنقرة للعمل

في 2021/08/20

كامل جميل - الخليج أونلاين- 

يشير قطار المصالحة الذي أخذ يجدّ السير على سكة منطقة الشرق الأوسط أن العمل في محطة الإمارات - تركيا عاد فعالاً من جديد، في مشهد يؤكد أن الخلاف الذي نشب بين بلدان بالمنطقة زائل، لا سيما أن المياه عادت تتدفق مرة أخرى في جداول عواصم بالمنطقة كانت تعاني جفافاً.

ما أعلنه الرئيس التركي عقب لقائه في أنقرة، الأربعاء (18 أغسطس 2021)، وفداً إماراتياً برئاسة مستشار الأمن الوطني الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، بأنه يعتقد أن "الإمارات ستقوم قريباً باستثمارات كبيرة في بلدنا، ولديهم أهداف وخطط استثمارية جادة للغاية"، دليل واضح على أن العلاقات عائدة بقوة بين البلدين من بوابة الاقتصاد.

أردوغان -بحسب وكالة الأناضول- قال إنه دعا كلاً من نائب رئيس صندوق الثروة السيادية ورئيس مكتب الاستثمار التركيين لحضور الاجتماع، موضحاً أنهم بحثوا خارطة الطريق المتعلقة بالاستثمارات.

وأوضح أن تركيا، وفي مقدمتها جهاز استخباراتها، قامت خلال الأشهر الماضية بعقد بعض اللقاءات مع إدارة أبوظبي، وتم التوصل خلالها إلى نقطة معينة.

وذكر الرئيس التركي أنه ستعقد لقاءات مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في الفترة المقبلة، متوقعاً دخول استثمارات إماراتية كبيرة إلى بلاده قريباً.

ما جاء به أردوغان أكده المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، إذ كتب على "تويتر" أن بلاده تعمل حالياً على بناء الجسور وتعزيزها وترميمها مع الجميع، والمواءمة بين الاقتصاد والسياسة.

​وأضاف: "لن يقف تباين التوجهات تجاه بعض القضايا حجر عثرة أمام التواصل وتعزيز فرص الاستقرار والازدهار والتنمية.. ننطلق في هذا الاتجاه برصيد راسخ من المصداقية، وشبكة واسعة من العلاقات".

تأتي زيارة طحنون بن زايد إلى أنقرة في سياق محاولات البلدين ترميم العلاقات التي تضررت بشدة من جراء الأزمة الخليجية.

وكان الرئيس التركي أكد مراراً ضرورة عودة العلاقات التركية الخليجية التي وصفها بـ"الاستراتيجية".

محطة الخلاف

العلاقات بين أنقرة - أبوظبي قبل أن تشهد توتراً عرفت فتوراً بدءاً من ثورات الربيع العربي عام 2011، حيث كان للطرفين وجهتا نظر مختلفتين إزاءها.

لكن الخلافات الحادة ظهرت إلى العلن في السنوات الخمس الأخيرة؛ حيث اتهم أنور قرقاش الرئيس التركي بأنه يحاول أن يحيي الإمبراطورية العثمانية، مطالباً أوروبا بالتصدي لأردوغان.

وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، أثار قضايا تاريخية حين اتهم قوات الدولة العثمانية بنهب ممتلكات مكة المكرمة، قبل أكثر من قرن.

وطالب مسؤولون إماراتيون بمقاطعة المنتجات التركية، وعدم زيارة تركيا.

وسائل إعلام إماراتية، أبرزها "سكاي نيوز"، كانت أعلنت ترحيبها بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي قامت بها وحدات من الجيش التركي في منتصف يوليو 2016.

بدوره فإن أردوغان اتهم الإمارات بأنها على علم بالانقلاب، وأنها أقامت جسوراً من التواصل مع فتح الله غولن، المتهم الرئيسي في المحاولة، عن طريق القيادي السابق في منظمة فتح محمد دحلان.

واتهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الإمارات بأنها صرفت نحو 3 مليارات دولار لتمويل حركة فتح الله غولن، من أجل التخطيط للقيام بالانقلاب الفاشل.  

أزمة شرق المتوسط كانت نقطة خلاف أخرى بين البلدين، حيث اصطفت أبوظبي إلى جانب اليونان وقبرص و"إسرائيل" في مقابل تركيا.

كسر الجليد

طه عودة أوغلو، الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، يقول في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إن مجموعة من المؤشرات تؤكد السير باتجاه كسر الجليد بين تركيا والإمارات ظهرت مؤخراً.

ويرى الباحث بالشأن التركي أن هذه المؤشرات تدل على "رسم تفاهمات جديدة في مسار العلاقات بين البلدين رغم القطيعة الدبلوماسية بينهما"، لافتاً إلى أن آخر هذه المؤشرات "الزيارة الهامة" التي أجراها مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان إلى أنقرة ولقائه بالرئيس التركي.

هذه الخطوة عدّها طه عودة أوغلو "دلالة واضحة على الرغبة التركية في تطبيع العلاقات مع الإمارات".

أيضاً فإن هذه الخطوة تعكس مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين بعد توتر شديد شهدته هذه العلاقة خلال العامين الماضيين على الصعيد السياسي والأمني، وفق عودة أوغلو.

وبحسب قوله فإن كل ذلك "يعكس أثر المصالحة الخليجية في قمة العلا (عقدت في السعودية مطلع العام الجاري) على هذه التطورات، وما سبق ذلك من ملامح تقارب سعودي- تركي، تركي - مصري".

التبادل التجاري

في السنوات الأربع الماضية، حافظت أنقرة وأبوظبي على استقرار العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما، وتوسعت لتشمل جوانب واتجاهات جديدة خلال فترة كورونا.

ذلك الأمر انعكس على حجم الصادرات التركية إلى الإمارات التي ارتفعت إلى نحو 295 مليون دولار أمريكي في شهر يونيو (2021) مقارنة بشهر مايو الذي سبقه؛ إذ بلغت قيمة صادراته نحو 243.5 مليون دولار.

وبحسب بيانات وزارة الخارجية التركية، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين قرابة 7.4 مليارات دولار أمريكي عام 2019، ونحو 7.6 مليارات دولار عام 2018، وكان سجل رقماً قياسياً عام 2017 بعد أن وصل حجم التجارة إلى قرابة 14.8 مليار دولار أمريكي.

وفق هذه الأرقام، فإن الإمارات تحل في المرتبة الـ12 كأكبر مستورد للسلع التركية على مستوى العالم والثانية عربياً بعد العراق، وفي المرتبة التاسعة كأكبر مصدّر للسوق التركية عالمياً والأولى عربياً.

وبينما بلغت قيمة الصادرات التركية إلى الإمارات 3.5 مليارات دولار في عام 2019، وصلت قيمة واردات تركيا من الإمارات في العام نفسه إلى 4.33 مليارات دولار.

وتنوعت الصادرات التركية إلى الإمارات ما بين الأحجار الكريمة والمعادن والآلات والأجهزة الكهربائية، في حين أن أهم الصادرات الإماراتية إلى تركيا هي الذهب والألمنيوم والمجوهرات والنفط والزيوت المعدنية والمواد الكيماوية والحديد.

الاستقرار السياسي

يقول طه عودة أوغلو إن التركيز  على الشق الاقتصادي في اللقاء الذي جمع الرئيس التركي بطحنون بن زايد آل نهيان، يكمن في اهتمام تركيا بمحاولة الاستفادة من تخفيف التوترات الجيوسياسية لإنقاذ وتطوير الوضع الاقتصادي داخل السوق التركية.

مخاوف أنقرة الاقتصادية -بحسب عودة أوغلو- كانت عاملاً كبيراً في ترميم علاقاتها مع كثير من الدول، حيث تقدمت على طموحاتها الإقليمية في المنطقة من خلال تفكيك الأزمات والخلافات التي تراكمت منذ ما يقارب 10 أعوام.

فضلاً عن هذا كله فإن الخارطة السياسية في المنطقة سيعاد تشكيلها، وأنقرة بدأت الاستعداد لهذه المرحلة، بحسب عودة أوغلو، الذي يرى أن تحقيق الاستقرار السياسي والعودة للدبلوماسية في المنطقة هو ما يسعى إليه الرئيس أردوغان، لافتاً إلى وجود أسباب "تدفع تركيا والإمارات لتخفيف حدة التوتر على الأقل، وجميعها يرتبط بالترتيبات الإقليمية الأخيرة في المنطقة".