علاقات » تركي

بعد تدهور علاقاتها مع عدة دول.. هل تنجح الإمارات في إصلاح ما مضى؟

في 2021/08/21

 الخليج أونلاين-

تعتبر التغيرات السياسية والاقتصادية التي عصفت في العالم، خلال السنوات الأخيرة، من أبرز العوامل التي دفعت الإمارات نحو عملية إعادة الحسابات وتقييم العلاقات والحديث عن خطوات تدفع نحو ذلك.

ولعل التقارب التركي- الإماراتي الذي تجسد مؤخراً في اللقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان، لم يكن مفاجئاً، وإنما سبقه الكثير من المؤشرات والسياقات وحتى التصريحات التي مهدت لإعلان لقاء كهذا يتوقع أن يكون مقدمة للقاءات سياسية على مستوى أرفع على المديين القريب والمتوسط.

وعقب هذا اللقاء برزت تصريحات رسمية إماراتية تشير إلى سياسة جديدة تنتهجها الإمارات في علاقاتها الدولية، بعدما مرت علاقة أبوظبي مع عدة دول، منها أنقرة، بحالة عداءٍ كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية.
سياسة جديدة

في أحدث تصريح رسمي إماراتي يكشف عن السياسة الجديدة للبلاد، قال المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، إن أبوظبي تعمل حالياً على تعزيز العلاقات مع الجميع، مشيراً إلى أن اختلاف المواقف لن يحول دون تعزيز العلاقات الاقتصادية.

وكتب "قرقاش" على "تويتر"، في 19 أغسطس 2021، أن بلاده تعمل حالياً على بناء الجسور وتعزيزها وترميمها مع الجميع، والمواءمة بين الاقتصاد والسياسة.

​وأضاف: "لن يقف تباين التوجهات تجاه بعض القضايا حجر عثرة أمام التواصل وتعزيز فرص الاستقرار والازدهار والتنمية.. ننطلق في هذا الاتجاه برصيد راسخ من المصداقية، وشبكة واسعة من العلاقات".

وفي 28 يوليو الماضي، قال قرقاش في تغريدة أخرى على "تويتر": "إنه لا بد من العودة إلى أساسيات العلاقات الثنائية في عالم عربي ومحيط إقليمي شهد تحديات غير مسبوقة خلال العقد الماضي".

وأضاف: "احترام السيادة وعدم التدخل في الشأن الداخلي، والتركيز على ملفات التنمية والازدهار، مبادئ رئيسية ليعود التوازن المنشود في العلاقات العربية والإقليمية".
لقاء تركي إماراتي

وجاء حديث قرقاش الأخير غداة لقاء عقده أردوغان مع المسؤول الإماراتي البارز طحنون بن زايد، الذي زار أنقرة، في 18 أغسطس 2021.

وبحث الجانبان القضايا المشتركة، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية، والفرص الاستثمارية في مجالات النقل والصحة والطاقة، بما يحقق المصالح المشتركة.

وقال أردوغان بأنه يعتقد أن "الإمارات ستقوم قريباً باستثمارات كبيرة في بلدنا، ولديهم أهداف وخطط استثمارية جادة للغاية"، في دليل واضح على أن العلاقات عائدة بقوة بين البلدين من بوابة الاقتصاد.

وأوضح أن تركيا، وفي مقدمتها جهاز استخباراتها، قامت خلال الأشهر الماضية بعقد بعض اللقاءات مع إدارة أبوظبي، وتم التوصل خلالها إلى نقطة معينة.

وذكر الرئيس التركي أنه ستعقد لقاءات مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في الفترة المقبلة، متوقعاً دخول استثمارات إماراتية كبيرة إلى بلاده قريباً.

وعلق قرقاش على هذا اللقاء قائلاً: "اجتماع تاريخي وإيجابي للشيخ طحنون بن زايد مع فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكان التعاون والشراكات الاقتصادية المحور الرئيسي للاجتماع".
ديناميكية جديدة

يتحدث المحلل السياسي اللبناني محمود علوش عن وجود "ديناميكية جديدة في المنطقة برزت بعد تولي بايدن السلطة"، مشيراً إلى أن معظم دول المنطقة، ومن بينها الإمارات، "تسعى للتكيّف مع هذه الديناميكية عبر تبني سياسات خارجية أكثر مرونة وبراغماتية في مقاربة العلاقة إزاء الخصوم الإقليميين كتركيا وإيران".

ويرى علوش" في حديثه مع "الخليج أونلاين" أن التراجع الأمريكي في المنطقة والانسحاب من أفغانستان والعراق "يدفعان الخليجيين إلى البحث عن سبل أخرى لحماية مصالحهم بمعزل عن الاعتماد المُطلق على الشراكة مع واشنطن".

ولا يبدي استغرابه من الانفتاح الإماراتي الأخير على تركيا، وكذلك الانفتاح السعودي على الحوار مع إيران، مضيفاً أن المنطقة "تتغيّر والتكيّف الخليجي السريع مع هذا التغيّر يحد من أضراره السلبية".

ويتطرق إلى أسباب ما حدث مسبقاً من خلافات، موضحاً أنه "منذ اندلاع أحداث الربيع العربي، ركّزت الإمارات في سياستها الخارجية على مواجهة صعود الإسلام السياسي والنفوذين التركي والإيراني في المنطقة، وهذا وضعها في خصومة مع إيران وتركيا والإخوان المسلمين وقطر".

ب

ويضيف: "رغم ذلك، كانت أبوظبي براغماتية مع إيران بالنظر إلى المخاطر المباشرة للخصومة عليها، فيما لم تكن كذلك مع تركيا. لا بل إن الاعتقاد السائد في بعض الدول الخليجية منذ فترة هو أن التحديات القادمة من تركيا باتت أكبر من إيران، وهذا الاعتقاد تغذّى بصورة رئيسية من الخوف من الإسلام السياسي".

ويرى أن الإمارات حالياً "تملك ورقة قوية في السياسة الخارجية وهي المال والاستثمارات، وقد استخدمتها بفعالية خلال العقد المنصرم في بناء شبكة واسعة من التحالفات لتعزيز النفوذ الخارجي ومواجهة حركات الإسلام السياسي في المنطقة"، مبيناً أن "هذه الورقة تُستخدم الآن كوسيلة لإذابة الجليد مع تركيا التي يحتاج اقتصادها الآن إلى عودة الاستثمارات الإماراتية والسعودية أكثر من أي وقت مضى".

ويتابع: "هناك مرحلة جديدة من العلاقات بين تركيا والإمارات تتبلور، لكن من السابق لأوانه الاعتقاد بأن هذه المرحلة ستزيل بالكامل رواسب المرحلة الماضية، فقد نشهد تنازلات تركية إماراتية في بعض القضايا المتداخلة بينهما لأجل إنجاح مسعى الحوار الجديد بين أنقرة وأبوظبي".

لكنه استدرك قائلاً: "لا أتوقع أن تصل هذه التنازلات إلى حد التخلي الإماراتي عن مواجهة الإسلام السياسي أو انكفاء تركيا عن المنطقة، حيث إن الطرفين الآن يبحثان عن سبل التعاون بدلاً من الاستمرار في مواجهة تستنزف إمكانيات التعاون".

وفيما يتعلق بالموقف من إيران يقول علوش: "لم تتخلَّ الإمارات أبداً عن قنوات التواصل مع الإيرانيين، وهي تدعم الآن مساعي السعودية لفتح حوار مع الإيرانيين"، مشيراً إلى أن الهجمات الأخيرة على السفن "تكشف مدى الارتباط الوثيق للأمن الخليجي بمسار الخلاف مع الإيرانيين. لذلك يسعون لتهدئة هذا المسار".
رسائل تقارب مع إيران

وبناءً على ما طرحه علوش حول إيران، فإن الخلافات القائمة بين الإمارات وإيران قد بدأت مؤخراً بالتلاشي، حيث شهدت تقارباً، خصوصاً بعد مشاركة رسمية كبيرة من أبوظبي، برئاسة وزير التسامح نهيان بن مبارك آل نهيان، في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، الذي أعرب عن رغبته في تعزيز العلاقات مع دولة الإمارات.

ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية، في 7 أغسطس 2021، أن وفداً برئاسة وزير التسامح التقى الرئيس الإيراني الجديد، وقدّم له التهنئة على توليه منصبه.

ونقل الوزير الإماراتي خلال اللقاء تحيات وتهاني رئيس البلاد، خليفة بن زايد آل نهيان، ونائبه حاكم دبي محمد بن راشد، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، إلى "رئيسي" بمناسبة تقلده منصبه رئيساً لإيران، بحسب الوكالة.

فيما أشاد الرئيس الإيراني بالإمارات خلال الاجتماع، ووصفها بأنها "صديقٌ مخلص لإيران"، معرباً كذلك عن دعمه للعمل المشترك بين البلدين، ورغبة بلاده الجادة والصادقة في تطوير العلاقات مع الإمارات.

أما في الجانب القطري فإن قمة العُلا التي عقدت في السعودية، مطلع العام الجاري، واللقاءات التي جمعت الجانبين، تمضي نحو توجه البلدين لتطبيق بنود اتفاق العلا، الموقع في القمة الخليجية، وطي صفحة الأزمة الخليجية.