سياسة وأمن » اتفاقيات

ما موقف السعودية بعد تحذير واشنطن من التعامل العسكري مع موسكو؟

في 2021/08/31

الخليج أونلاين-

يبدو أن تنفيذ السعودية ما خططت له بتوثيق علاقاتها مع روسيا لتشمل التعاون العسكري، أغضب واشنطن؛ حيث إن الرياض أحد أبرز شركائها بالعالم، خاصةً في المجال العسكري، وهو ما يشير إلى تحوُّل خطير في العلاقات بين البلدين.

التلويح بتوجيه بوصلة التعاون العسكري إلى موسكو أعلنته السعودية قبل شهور، خاصة من خلال الأمير السعودي البارز عبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز، حفيد الملك المؤسس للسعودية عبد العزيز آل سعود، والذي لا يتولى أي مناصب رسمية لكنه يحظى بمتابعة ملايين الأشخاص في المملكة، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.

الأمير السعودي قال في حديث لقناة "السعودية" الرسمية، في مارس 2021، إن كلاً من السعودية والولايات المتحدة تحتاج إحداهما إلى الأخرى، مضيفاً: "لا شك في أن أمريكا بلد قوي ودولة عظمى".

واستدرك قائلاً: "لكن في نهاية الأمر، أرى أن كثيراً من الأشياء التي تحتاجها السعودية من أمريكا لها بدائل في العالم، وضمن ذلك السلاح أو المسائل الاقتصادية".

واعتبر الأمير السعودي أن القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي جو بايدن، لتقييد التعاون العسكري مع المملكة، سببها وعوده الانتخابية.
اتفاق عسكري

تحوُّل مؤشر بوصلة التعاون العسكري السعودي من واشنطن إلى عواصم أخرى كان أكبر من المتوقع، حيث سبق أن عقدت السعودية اتفاقيات تعاون عسكري مع دول أخرى غير الولايات المتحدة، كفرنسا على سبيل المثال، لكن هذه المرة كان الاتفاق مع روسيا، الخصم اللدود لواسنطن.

ذلك ما جرى يوم الاثنين (23 أغسطس 2021)، حيث وقَّعت السعودية اتفاقية حول التعاون العسكري مع روسيا، خلال زيارة نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، منتدى "الجيش 2021" العسكري التقني في موسكو.

جاء توقيع الاتفاقية بحضور وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الذي أشاد بزيارة نائب وزير الدفاع السعودي منتدى "الجيش 2021"، مشيراً إلى أن "بإمكانه الاطلاع على أحدث نماذج السلاح الروسي، وضمنها تلك التي أثبتت فاعليتها في سوريا".

وبيّن الوزير الروسي عزم بلاده على "التطوير المطرد للتعاون الثنائي في المجالين العسكري والعسكري التقني في شتى المسائل ذات الاهتمام المشترك".

من جهته أكد الأمير خالد تصميم المملكة على تعزيز التعاون مع روسيا؛ لـ"تحقيق الأمن ومواجهة تحديات اليوم"، بحسب وكالة "سبوتنيك".

لكن الكاتب والباحث بالشأن السياسي ياسر عبد العزيز، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين"، يرى أن إعلان السعودية الاتفاق مع موسكو لشراء سلاح روسي "ورقة ضغط ليس إلا"؛ تستخدمها الرياض ضد واشنطن.
الرد الأمريكي

تعد السعودية أكبر مستورد للأسلحة من الولايات المتحدة، التي تعتبر بدورها أكبر مُصدر للأسلحة في العالم، حيث شكلت المبيعات للرياض ما نسبته 24% من صادرات الأسلحة الأمريكية، وفقاً لتقرير صادر عن معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

تلك النسبة الهائلة من المبيعات تدل على حجم العلاقة والتعاون بين الرياض وواشنطن، ما يجعل الأخيرة تحرص على إبقاء هذه العلاقة قائمة في مستواها الرفيع.

وعليه لم يدم صمت واشنطن كثيراً على التعاون السعودي الروسي، لتردَّ يوم الجمعة (27 أغسطس 2021)، حيث بدا التحذير الأمريكي شديداً بتوجيه عقوبات "كاتسا" لشركاء واشنطن الذين يتعاونون مع روسيا.

ونقلت قناة "الحرة" الأمريكية عن متحدث باسم الخارجية الأمريكية -لم تسمه- قوله: إنه يجدد "حث جميع شركاء وحلفاء الولايات المتحدة على تجنب المعاملات الجديدة الرئيسة مع قطاع الدفاع الروسي كما هو موضح في القسم 231 من قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA) كاتسا".

يقول الكاتب والباحث في الشأن السياسي ياسر عبد العزيز لـ"الخليج أونلاين": إن "هناك اتفاقية قديمة بين أمريكا والسعودية بالحماية مقابل النفط، والاتفاقية سارية حتى اليوم، والرؤساء الأمريكيون دائماً ما يؤكدون العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن والرياض".

تأكدت هذه العلاقة مع غزو العراق للكويت، وأصبح في الخليج وليس في السعودية فقط قوات أمريكية بأعداد كبيرة جداً، يقول عبد العزيز.

لكن ما جرى هو أن الرياض -الحديث لعبد العزيز- وجدت أن جو بايدن ضعيف ومتراجع، ويتقدم نحو إيران ويعيد سيناريو باراك أوباما الذي كان سبباً من أسباب فتور العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، وهو الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما والآن يعيد صياغته بايدن من جديد بعدما خرج منه ترامب.

وعليه يقول عبد العزيز إن السعودية لجأت إلى تغيير وجهتها بالتعاون العسكري نحو موسكو، كنوع من أنواع التحذير لحليفها القديم.
قانون كاتسا

قانون "مكافحة خصوم أمريكا عن طريق العقوبات"، أو المعروف اختصاراً بـ"كاتسا" (CAATSA)، قانون فيدرالي تفرض الولايات المتحدة بموجبه عقوبات اقتصادية وعسكرية على الدول التي تراها تتخذ خطوات ضد مصالحها، بهدف إثناء دول العالم عن التحالف مع أعدائها، وعزل خصومها عن النظام المالي والسياسي الدولي، الذي تهيمن عليه واشنطن.

عندما يُفعَّل القانون، يتطلب من الرئيس الأمريكي فرض عقوبات على الدول المستهدفة في غضون 30 يوماً، من خلال اختيار خمس عقوبات على الأقل من أصل 12 خياراً من العقوبات، المتراوحة شدتها بين المعتدلة والقاسية، تستهدف الأشخاص والكيانات.

ونُفذ فيما قبلُ قانون "كاتسا" في حق روسيا وإيران وكوريا الشمالية وتركيا.

لكن ياسر عبد العزيز يعتبر قانون كاتسا "شكلاً من أشكال الابتزاز، والسعوديون بدؤوا يفكرون في أن تكون لديهم ورقة ضغط، وشيء محمود في السياسة أن تكون لدى الدولة أوراق ضغط"، في إشارة إلى الاتفاق العسكري بين الرياض وموسكو.

واستدرك عبد العزيز: "لكن ما قوة هذه الورقة في مقابل ما تملكه واشنطن في السعودية من وجود عسكري متمثل بقاعدتين عسكريتين وجنود، إضافة إلى الحراك المخابراتي الأمريكي الذي لأمريكا باع كبير فيه".

وأضاف: "لذلك أرى أن فكرة ورقة الضغط غير ذكية وكان من الممكن أن تتحرك الأمور بشكل آخر".

ما لا يمكن أن تحمد عقباه في هذا الإطار، وفق ما يذهب إليه عبد العزيز، هو أن تفعّل واشنطن قانون كاتسا بحق السعودية، لافتاً إلى أن ما تخشاه السعودية هو انسحاب أمريكا عسكرياً من أراضيها، خاصة مع وجود تقارب نوعي بين إدارة بايدن والإيرانيين.

والأنسب فيما يجب أن تلجأ إليه الرياض، وفق عبدالعزيز، هو أن "تُوفِّق أوضاعها مرة أخرى وتعدّل تموضعها في علاقتها مع الأمريكان".