قضاء » قضايا

كيف كثفت السعودية خلال العامين الأخيرين ملاحقة قضايا الفساد؟

في 2021/09/09

الخليج أونلاين-

خلال العامين الأخيرين أطلقت المملكة العربية السعودية حملة واسعة أسمتها "تطهير المؤسسات من الفساد"، فأعلنت احتجاز العشرات من المسؤولين الحكوميين في قطاعات مدنية وعسكرية، ووجهت إليهم اتهامات في جرائم تشمل الرشوة والاختلاس وتبديد المال العام وإساءة استعمال السلطة.

وخلال الأشهر الماضية، كشفت الرياض عن تورط ضباط وقضاة ومسؤولين في قضايا فساد، وفقاً لنظام الإجراءات الجزائية، حيث وجهت للآلاف منهم الاتهام في قضايا فساد مالي وإداري تمثلت في جرائم الرشوة، والاختلاس وتبديد المال العام، واستغلال النفوذ الوظيفي، وسوء الاستعمال الإداري، فيما أحالت الكثير منهم إلى القضاء.

ولقيت حملة مكافحة الفساد الأخيرة، التي أدت إلى عشرات الاعتقالات في الأشهر الأخيرة وصادرت مبالغ مالية، الثناء من السعوديين، وخُصص رقم هاتفي مجاني من أجل الإبلاغ عن أي شبهات فساد.

حملات لا تتوقف

كان شهر سبتمبر 2021 على موعدٍ مع إعلان حملة جديدة من الكشف عن الفساد، لكن أكبرها كان بإصدار العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أمراً ملكياً بإقالة مدير الأمن العام الفريق أول ركن خالد الحربي، وإحالته للتحقيق بتهم فساد.

وجاء في قرار الملك سلمان، الصادر في الـ7 من سبتمبر 2021، بحسب ما ذكرت وكالة "واس" الرسمية: إن "الفريق الأول الحربي ارتكب تجاوزات ومخالفات عديدة بهدف الاستيلاء على المال العام والانتفاع الشخصي، وعدداً من الجرائم؛ منها التزوير والرشوة، واستغلال النفوذ بمشاركة 18 شخصاً من منسوبي القطاع العام والخاص".

وفي الـ8 من ذات الشهر، أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في السعودية (نزاهة)، قيامها بالتحقيق خلال شهري سبتمبر وأغسطس الماضي، مع المئات من المتهمين في قضايا إدارية وجنائية.

وذكرت الهيئة في بيان، أنها باشرت اختصاصاتها ومهامها من خلال التحقيق مع 748 متهماً في قضايا إدارية وجنائية خلال شهر المحرم، كما أوقفت 282 مواطناً ومقيماً، منهم موظفون من وزارات الدفاع والداخلية والصحة والعدل والشؤون البلدية والقروية والإسكان والبيئة والمياه والزراعة والتعليم والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية والحج والعمرة، ومكافحة هيئة الفساد بسبب "تورطهم بتهم الرشوة واستغلال النفوذ الوظيفي وإساءة استخدام السلطة والتزوير".

وقبلها بيوم، قالت الهيئة السعودية إنها باشرت مؤخراً 20 قضية من القضايا الجنائية المتعلقة باستغلال النفوذ، وتلقي رشا تقدر بـ340.5 مليون ريال سعودي (90.790 مليون دولار).

إحصائية 2021

ونهاية كل شهرٍ هجري تعلن هيئة مكافحة الفساد إحصائية لما قامت به خلال الشهر المنقضي، ففي شهر ذي الحجة (يوليو - أغسطس)، أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في السعودية، توقيف 207 مواطنين ومقيمين بينهم موظفون في وزارات، بتهم بينها "الرشوة واستغلال النفوذ"، بعد التحقيق مع 461 متهماً في قضايا إدارية وجنائية".

وفي ذي القعدة (يونيو - يوليو)، كشفت الهيئة عن التحقيق مع 999 متهماً في قضايا إدارية وجنائية، مشيرة إلى أنها أوقفت 298 مواطناً ومقيماً منهم موظفون من وزارات الدفاع، والداخلية، والصحة، والعدل، والشؤون البلدية والقروية والإسكان، والتعليم، والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، والطاقة، والتجارة والنيابة العامة.

أما في شهر شوال (مايو - يونيو) فقد أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد قيامها بـ914 جولة رقابية، والتحقيق مع 562 متهماً في قضايا إدارية وجنائية، وإيقاف 136 مواطناً ومقيماً.

وفي رمضان (أبريل - مايو) قالت الهيئة إنها حققت مع (588) متهماً في قضايا إدارية وجنائية، وأوقفت (138) مواطناً ومقيماً.

وفي مارس الماضي، أعلنت السلطات السعودية اعتقال عدد من الضباط والموظفين الحكوميين ورجال أعمال على خلفية تهم فساد، بعد إيقاف 241 مواطناً ومقيماً.

وما كان لافتاً في شهر مارس من العام الجاري إعلان السعودية اعتقال ثلاثة ضباط من الحرس الملكي بتهمة الفساد.

وقالت وكالة الأنباء السعودية "واس" إن الضباط الثلاثة من منسوبي الحرس الملكي (لواء متقاعد، وعقيد، ومقدم) يعملون بإدارة العقود والمشتريات، و21 رجل أعمال، ووافداً من جنسية عربية.

وفي جمادى الثانية (يناير - فبراير) أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد عن إيقاف 65 شخصاً منهم 48 يعملون بمرافق ومؤسسات حكومية بقضايا متنوعة، بعد التحقيق مع 411 شخص.

أواخر 2020

وشهد الشهران الأخيران من العام الماضي قضايا كبرى تم الإعلان عنها، ففي ديسمبر 2020 أعلنت الهيئة مباشرة التحقيق في 120 قضية جنائية خلال مدة وجيزة، وقالت إنها شملت 184 مواطناً ومقيماً.

وقالت الهيئة إن 6 ضباط من وزارة الداخلية والدفاع المدني من بين الموقوفين بتهم تلقي رشا وفساد، وتقديم تسهيلات لوافدين مخالفين.

كما شهد شهر نوفمبر 2020 الإعلان عن قضية كبيرة في وزارة الدفاع السعودية، حيث ثبت تورط عدد من الضباط والموظفين المدنيين في تعاملات مشبوهة تصل إلى 328 مليون دولار.

وآنذاك، قالت الوكالة الرسمية إن السلطات وجهت تهماً بالفساد إلى 51 شخصاً على الأقل، بينهم ضباط بوزارة الدفاع ورجال أعمال ومقيمون، ضمن 6 قضايا.

ونقلت الوكالة عن مسؤول بالهيئة أن الأخيرة حققت مع 48 طرفاً، منهم 19 من منسوبي "الدفاع"، و3 موظفين حكوميين، و18 من رجال الأعمال، و8 موظفين يعملون بشركات متعاقدة مع القوات المشتركة منهم 3 أجانب".

وفي الشهر نفسه، كشفت الهيئة عن تورط ضابط سعودي رفيع في الحصول على 400 مليون ريال (أكثر من 106 ملايين دولار) على شكل رِشا في واحدة من أكبر قضايا الفساد في البلاد.

وجاء الإعلان ضمن الكشف عن مباشرة الهيئة التحقيق في أكثر من 100 قضية فساد تم على إثرها إيقاف ضابط برتبة فريق في إحدى الوزارات، ومدير إحدى الشركات الأجنبية المتعاقدة مع الوزارة؛ لتورط الأول خلال عمله بالحصول على مبالغ مالية بلغت 400 مليون ريال (106 ملايين دولار).

كما وجهت الهيئة، في نوفمبر نفسه، تهماً بـ"الفساد" لمدير إدارة الجودة بأمانة إحدى المناطق وشقيقيه، وممثل مالي بوزارة المالية في إحدى المحافظات، ولواء متقاعد من وزارة الحرس الوطني، ومدير لإدارة العقود والمشتريات بالشؤون الصحية بإحدى المحافظات، وموظفة بإدارة التعليم في إحدى المناطق.

من أين يأتي الفساد؟

في مقالٍ له بصحيفة "عكاظ" السعودية، يتساءل الكاتب حمود أبو طالب كيف أتى الفساد؟ ومن هم الأشخاص الذين هيؤوا "أرضية خصبة لممارسة الفساد"؟ مشيراً إلى أن ذلك جاء "بتصميم أنظمة مليئة بالثغرات التي تسهّل الاعتداء على مقدرات الوطن بكل جرأة وثقة وطمأنينة".

كما واصل طرح استفساراته بالقول: "كيف تم تعطيل قوانين الرقابة والمحاسبة الهشة أصلاً، والتي كانت تمارس شجاعة في تعقب الصغار الهامشيين من الفاسدين وتغض البصر عن كبارهم، وتطارد الجرذان التي تخطف ما تيسر في جحور الفساد لكنها تترك القطط السمان تزداد سمنة؟".

ويضيف: "لقد كنا في كارثة أوشكت أن تفلس خزينة الدولة، ناهيكم عن الدمار الذي أحدثته في المشاريع".

ويرى في حديثه أن ما يحدث حالياً من حملة لمكافحة الفساد "لا يجب أن تكون حملة الدولة وحدها، بل حملة الوطن بمواطنيه دون استثناء"، مضيفاً: "الفاسدون هم خصوم المواطن قبل أن يكونوا خصوم الدولة، والمال هو مال المواطن أولاً وأخيراً".

أما الكاتب والصحفي الاقتصادي السعودي جمال بنون، وفي مقالٍ له في صحيفة "مال" السعودية، فقد رأى أن جهاز مكافحة الفساد في المملكة استطاع خلال سنوات قليلة "أن يكتسب خبرة ومهارة في طرق تتبع أنفاق وممرات ودهاليز يسلكها لصوص المال العام، وبدأت تظهر على السطح ضبطيات نوعية يصعب اكتشافها بسهولة".

ويقول إنه "لم يعد الأمر مرعباً أو مخيفاً أن يبلغ أي شخص عن فساد حتى لو كانت إدارته التي يعمل فيها؛ حيث كفل النظام حماية المبلغ وعدم إيذاءه أو فصله، ويشترط أن تكون المعلومات صحيحة"، مشيراً إلى أن ذلك ساعد بشكل كبير في توسع عملية "القبض على المتهمين وملاحقتهم".

ويرى أيضاً أن حكومة بلاده "جادة وبقوة في نزع واقتلاع أوجه الفساد مهما كلفها الأمر، ومنحت صلاحيات لجهاز مكافحة الفساد الوصول إلى أصعب الأماكن والتحقيق مع أي من الشخصيات التي تشك فيها أو يكون سبباً في الفساد"، مضيفاً: "لا يمكن أن يحمي الفاسد أي أحد إن كان بالفعل يضر ويعبث بالمال العام. دون أدنى مسؤولية، مستغلاً موقعه كمسؤول أو صاحب وجاهة، فالقانون فوق الجميع".

أحكام قضائية لشخصيات كبيرة

في أغسطس 2021، أصدرت محكمة سعودية 8 أحكام متفاوتة بالسجن والغرامة بحق مدانين بالفساد، بينهم محافظ وقاضٍ، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية (واس).

ومن أبرز الأحكام "إدانة قاضٍ كراشٍ، والحكم عليه بالسجن 10 سنوات وتغريمه 300 ألف ريال سعودي (80 ألف دولار)، وإدانة محافظ إحدى المحافظات بالرشوة والاختلاس، ومعاقبته بالسجن 3 سنوات وتغريمه 25 ألف ريال سعودي (6.6 آلاف دولار)"، وفق الوكالة من دون الكشف عن هويتهما كعادة المملكة في شأنها القضائي.

وفي مايو من العام الجاري، صدرت أحكام قضائية بإدانة (صاحب سمو ملكي موظف في وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان)، ومعاقبته بالسجن لمدة سنتين وغرامة مالية قدرها مئة ألف ريال (26.6 ألف دولار).

كما قضى حكم ثان بإدانة قائد أحد القطاعات الأمنية في وزارة الداخلية برتبة لواء بالتزوير وسوء الاستعمال الإداري واستغلال النفوذ الوظيفي لتحقيق مصلحة شخصية والاشتغال بالتجارة، ومعاقبته بالسجن ثماني سنوات وغرامة مالية قدرها 160 ألف ريال (42.600 دولار).

وقضى حكم ثالث بإدانة قائد أحد القطاعات الأمنية في وزارة الداخلية برتبة لواء بالتزوير واستغلال النفوذ الوظيفي وتبديد المال العام وسوء الاستعمال الإداري ومعاقبته بالسجن عشر سنوات وغرامة مالية قدرها 200 ألف ريال (50.300 دولار)، وإدانة أربعة ضباط يعملون بذات القطاع بالتزوير واستغلال النفوذ الوظيفي، ومعاقبتهم بالسجن لمُدد تتراوح بين ثلاث سنوات وست سنوات وغرامة مالية قدرها 50 ألف ريال (13.300 دولار).