ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

لماذا نقلت شركات عالمية مقراتها الإقليمية إلى الرياض؟

في 2021/10/29

سلمى حداد - الخليج أونلاين-

لم يعُد الحديث عن السعودية كوجهة مُهمة للاستثمارات الدولية، يأتي في سياق التوقعات المستقبلية بعيدة المدى، فالمملكة حققت فعلاً هذا التوقع وباتت شركات عالمية تسرّع الخُطا لضخِّ استثماراتها في أراضيها.

وفي 27 أكتوبر الجاري، أعلن وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، أن المملكة منحت 44 شركة دولية تراخيص لإنشاء مقرات إقليمية في العاصمة الرياض.

وأضاف الفالح، في بيان صحفي، أن هذا يأتي في إطار سعي السعودية إلى أن تصبح مركزاً تجارياً إقليمياً، جاذباً لرؤوس الأموال والمهارات الأجنبية.

وذكر أن هذه الشركات تشمل شركات متعددة الجنسيات في قطاعات، منها التكنولوجيا والأغذية والمشروبات والاستشارات والتشييد، ومنها "يونيليفر" و"بيكر هيوز" و"سيمنس".

ويعد المقر الإقليمي كياناً تابعاً لشركة عالمية يؤسَّس بموجب الأنظمة المطبقة في البلد المضيف، لأغراض الدعم والإدارة والتوجيه الاستراتيجي لفروعها وشركاتها التابعة العاملة في المنطقة الجغرافية التي يقع بها هذا البلد مثل "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" في حالة المملكة العربية السعودية.

فرصة حتى نهاية 2023

وفي فبراير الماضي، قالت السعودية، إنها ستمنح الشركات الأجنبية فرصة حتى نهاية 2023 لتأسيس مقرات لها أو المخاطرة بخسارة عقود حكومية؛ نظراً إلى أنها تنافس من أجل جذب رؤوس أموال ومهارات أجنبية.

تأتي هذه الخطوة في إطار جهود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط عن طريق فتح مجالات جديدة تخلق أيضاً فرص عمل للسعوديين، حسب صحيفة "فايننشيال تايمز".

وقال ولي العهد السعودي، في تصريحات له مؤخراً، إنه يعتزم تحويل الرياض من المركز الأربعين إلى واحدة من أكبر 10 اقتصادات في العالم بالمدن.

وأشار إلى أنه يخطط لزيادة عدد سكان الرياض البالغ 7.5 مليون نسمة إلى نحو 20 مليون نسمة بحلول عام 2030.

18 مليار دولار للاقتصاد السعودي

وفي تصريحات نقلتها صحيفة "مكة" السعودية في 27 أكتوبر الجاري، قال الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة الرياض فهد بن عبد المحسن الرشيد: إن "الشركات التي ستنقل مقراتها الإقليمية إلى الرياض ستجذب خبرات عالمية ستعمل وتعيش مع عائلاتها بالمملكة".

وأضاف: "تسهم هذه الخبرات في تطوير مجالات البحث والابتكار، مما يؤدي، على المديين المتوسط والبعيد، إلى توفير بيئة داعمة تنقل المعرفة والخبرة للمواهب الوطنية الشابة التي ستعمل مع هذه الخبرات وتطور من مهاراتهم".

وأضاف الرشيد: "سيسهم البرنامج في إضافة نحو 67 مليار ريال (18 مليار دولار) إلى الاقتصاد المحلي، وسيوفر نحو 30 ألف فرصة عمل جديدة بحلول 2030".

وعلى هامش مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" الذي عُقد في الرياض، مؤخراً، قال وزير الاستثمار السعودي، في تصريحات صحفية: إن "السعودية تطمح إلى أن تنتقل معظم الشركات الكبرى العالمية إلى الرياض".

وأوضح: "لدينا هدف قصير المدى وهو أن نصل إلى 400 أو 500 شركة، لكن ليس هناك سقف معين لعدد الشركات المستهدفة".

وتابع:" "كلما زاد عدد الشركات استفادت هذه الشركات واستفادت المملكة من نقل التقنيات والمعرفة والفرص الاستثمارية".

ومن الحوافز التي ستمنحها الرياض للشركات الأجنبية فرض ضريبة شركات بقيمة 0% (صفر%) لمدة 50 عاماً، وإعفاء مدَّته 10 سنوات من سياسة "سعودة العمل" القائمة على توظيف سعوديين، ومعاملة "تفضيلية" في العقود الحكومية.

وأكد الفالح أنّ "الفوائد المباشرة وغير المباشرة من وجود الشركات (في السعودية) تصل إلى 170 مليار ريال (45 مليار دولار)".

عاصمة اقتصادية دولية

المساعي السعودية لجذب الشركات الأجنبية إلى الرياض ستعمل على تحويلها خلال سنوات قليلة قادمة، إلى واحدة من عواصم الاقتصاد الدولي.

وقال المحلل الاقتصادي حسن ديماسي، في حديث لـ"الخليج أونلاين": إنَّ "نقل الشركات الأجنبية مقراتها الإقليمية إلى الرياض، ربما يكون دافعه الأول الخشية من وقف التعاملات الحكومية مع هذه الشركات بناءً على قرار المملكة الذي سيمنع التعاقد حكومياً مع أي شركة لا تملك مقراً إقليمياً لها على أراضيها".

وأضاف ديماسي مستدركاً: "لكن هذا ليس الدافع الوحيد، فهناك دوافع أهم وهي أن المملكة تمثل أرضاً خصبة للاستثمار؛ لكونها تعد الاقتصاد الأكبر في المنطقة، إضافة إلى الحوافز الاستثمارية الكبيرة التي تقدمها".

وأشار إلى أن بيانات وزارة الاستثمار السعودية أشارت في أحدث إحصائيات لها، إلى زيادة عدد تراخيص الاستثمار في النصف الأول من عام 2021، بنسبة 108%، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2020.

أسباب تدفق الاستثمارات

ويوضح أن أهم أسباب زيادة تدفق الاستثمار للسعودية وإقبال الشركات على فتح مقرات إقليمية لها بالرياض، تتلخص بنجاح المملكة في مواجهة تداعيات كورونا وتنفيذها واحدة من أكبر حملات التطعيم ضد الفيروس في العالم، إضافة إلى قراراتها الأخيرة بشأن تخفيف قيود كورونا التي تسهم بعودة الحياة لطبيعتها.

ولفت إلى أن من ضمن أسباب تدفق الاستثمارات للمملكة أيضاً، أن اقتصادها استعاد عافيته وسجَّل نمواً بنسبة 1.5% في الربع الثاني من 2021، بعد انكماش سجله في 2020 بنسبة 4.1%، بسبب تداعيات كورونا وانخفاض أسعار النفط.

وبيَّن المحلل الاقتصادي، أن مركز السعودية في مؤشر ريادة الأعمال تقدم بشكل كبير، ما يشكل عاملاً جديداً يسهم في تشجيع الاستثمار الأجنبي بالمملكة.

وفي مارس الماضي، أعلنت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت" بالسعودية، تَقَدُّم المملكة 10 مراكز في مؤشر حالة ريادة الأعمال.

اقرأ أيضاً

السعودية تستهدف رفع إنتاج القطاع الخاص من المياه 250%

وتقدَّم ترتيب السعودية إلى المركز السابع في عام 2020 بعد أن كانت بالمركز الـ17 في عام 2019، وذلك وفقاً لتقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال لعام 2020-2021، الذي تعده كلية بابسون العالمية بالتعاون مع كلية لندن للأعمال.

ويعتمد مؤشر حالة ريادة الأعمال بشكل أساسي على قياس معدل نتائج الدول في 12 عاملاً ضمن إطار منظومة ريادة الأعمال، وهي: البيئة المالية المتعلقة بريادة الأعمال، وأولويات ودعم التشريعات الحكومية، والبيروقراطية والضرائب في التشريعات الحكومية، والبرامج الريادية الحكومية، وريادة الأعمال في المراحل الدراسية.

انتعاش أسعار النفط يؤدي دوراً أساسياً أيضاً في استقرار الاقتصاد السعودي، ما يعني زيادة ثقة المستثمرين به، وهو ما حدث في الفترة الأخيرة، وفق ديماسي.

وشهد النصف الأول من العام الجاري تحسناً كبيراً في أسعار النفط بوصول سعر البرميل بنطاق سعري أعلى من 70 دولاراً.

ووفق الأرقام الرسمية السعودية، فإن الربع الأول من عام 2021 شهد زيادة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمملكة، حيث وصل المبلغ إلى 40 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة كأعلى ربع سنوي بالمملكة، وتحديداً في قطاع التعدين بلغ 4.7 مليارات دولار استثماراً أجنبياً مباشراً.

وقال نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين السعودي، خالد المديفر، خلال فعاليات مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار"، في 27 أكتوبر الجاري: إن "المملكة قامت، مؤخراً، بأكثر من 400 تغيُّر وتحديث في أطر التشريعات بالدولة، و27 تشريعاً جديداً، و60 قانوناً"، بهدف تحسين بيئة الاستثمار في البلاد.

وأكد أن المملكة العربية السعودية منفتحة على الأعمال التجارية، وتوفر فرصاً كثيراً في كل القطاعات، خاصة في قطاعات التنقيب والسياحة والطاقة المتجددة والقطاع الرقمي والقطاع الصناعي.