اقتصاد » ضرائب

إصلاح النظام الضريبي السعودي: ضرورة ملحة

في 2021/11/25

صباح نعوش- البيت الخليجي-

قدرت حصيلة الضرائب السعودية في العام الجاري 2021، بمبلغ 257 مليار ريال أي بزيادة قدرها 31% مقارنة بالعام المنصرم. لكنّ هذه الزيادة الهائلة والمتحققة خلال فترة قصيرة ناجمة فقط عن تصاعد سعر الضريبة على القيمة المضافة. أما الضرائب الأخرى فلاتزال ضعيفة الحصيلة رغم ارتفاع معدل الدخل الفردي وتحسن الأداء الإداري بفعل الرقمنة. علماً بأن المشاكل الضريبية لا تقتصر على هذا الجانب الحسابي.

النظام الحالي غير مناسب

يتكون النظام الضريبي السعودي من خمس ضرائب رئيسة:

ضريبة الدخل والأرباح:

يتّسم تنظيمها بالتعقيد بسبب اختلاف فئات المكلفين الخاضعين لها. وبالتالي تتباين أحكامها حسب كل فئة، وهي في الحقيقة مكونة من أربع ضرائب:

أولاً ضريبة على الأفراد الأجانب المقيمين الذين يحققون دخلاً من أرباحهم التجارية ومرتباتهم وغيرها. وهي على خلاف التشريعات الحديثة لا تقرر أي إعفاء للأعباء الشخصية، فلا فرق بين مكلف أعزب وآخر متزوج وله أطفال. الأمر الذي يتناقض مع أبسط قواعد العدالة الضريبية التي تراعي الأعباء العائلية للمكلف. سعرها 20%.

ثانياً ضريبة تفرض على الشركات المملوكة لأجانب (لا تخضع لها الشركات السعودية) عن أرباحها المتحققة في السعودية. وسعرها 20% أيضا.

ثالثاً، ضريبة تفرض على أرباح إستثمارات الغاز الطبيعي، ولكن القانون لا يفرق هذه المرة حسب الجنسية. كان سعرها 30% ثم هبط إلى 20%.

رابعاً، ضريبة تفرض على أرباح إستثمارات الزيت والمواد الهيدروكربونية بغض النظر عن جنسية المستثمرين. في السنوات السابقة كان سعرها موحداً قدره 85%، وكانت آرامكو تخضع له. وبهدف إنجاح خصخصتها قررت الدولة في عام 2017 تعديل هذا السعر، فأصبح يختلف وفق حجم الإستثمارات في هذا القطاع: 85% إذا كانت الإستثمارات أقل من 225 مليار ريال. وينخفض السعر إلى 75% ثم إلى 65% بارتفاع الإستثمارات حتى يصل إلى 50% إذا كانت أكثر من 375 مليار ريال. وهكذا أصبح السعر المنخفض يسري على آرامكو، علماً بأن هذه الشركة تخضع تحت شروط معينة ومنذ مطلع عام 2020 لسعر ضريبي قدره 20% عن أنشطتها المتعلقة بالتكرير والتسويق.

منذ عدة سنوات والمسؤولون يكررون تصريحاتهم بعدم وجود نية أو خطة لفرض ضريبة على دخل السعوديين. إلا أنها تصريحات ذات طابع سياسي وإعلامي بالدرجة الأولى ترمي إلى طمأنة المواطنين بعدم رغبة الحكومة في زيادة العبء الضريبي المفروض عليهم والتأثير على مستوى معيشتهم. في حين زاد هذا العبء في الآونة الأخيرة دون فرض ضريبة على الدخل. حيث قاد ارتفاع سعر الضريبة على القيمة المضافة إلى تصاعد العبء بصورة كبيرة وسريعة، والسعودية هي الدولة الخليجية الوحيدة التي عرفت هذه الحالة. فضريبة القيمة المضافة لا تختلف إطلاقاً من حيث تأثيرها على القدرة الشرائية عن ضرائب الدخل.

ومن زاوية أخرى لا يقتصر انخفاض هذه القدرة على الضرائب، بل يشمل أيضا الدخول. فالرياض لم تفرض ضريبة على دخل المواطنين، لكنها قررت في يونيو/حزيران 2020 (أي قبل زيادة سعر الضريبة على القيمة المضافة بشهر واحد) إلغاء مخصصات غلاء المعيشة التي كانت ممنوحة للموظفين، مما أدى بطبيعة الحال إلى التأثير سلبياً على مستوى المعيشة.

الزكاة:

تفرض على السعوديين بسعر يتّفق مع أحكام الشريعة الإسلامية وهو 2.5% (ربع العُشر). وتطبق أيضاً على رعايا دول مجلس التعاون المقيمين في السعودية، وتبلغ حصيلتها 18 مليار ريال أي 7% من حصيلة الضرائب.

لكن الشريعة الإسلامية لا تفرض الزكاة حسب الجنسية بل حسب الدين، فالمسلم يخضع لها بغض النظر عن جنسيته. في حين يُكلف المسلمون الأجانب في السعودية بالضريبة على الدخل وليس بالزكاة.

أضف إلى ذلك أن الزكاة في الإسلام لا تقتصر على الدخول بل تشمل أيضاً رؤوس الأموال. أما القانون السعودي فيسري فقط على الدخول دون رأس المال، وهنا تجدر الإشارة إلى أن أرباح الشركات السعودية خاضعة للزكاة حالها حال دخول الأفراد.

 الرسوم الجمركية:

تسري على السلع المستوردة وفق آلية خليجية مشتركة بسعر معدله العام 5%. وبسبب هبوط العوائد النفطية نتيجة وباء كورونا إتخذت الحكومة قراراً في يونيو/حزيران 2020 برفع أسعار الرسوم على استيراد عدة سلع، تشمل المنسوجات ومواد البناء وكذلك بعض المواد الغذائية كاللحوم والألبان. ومن المعلوم أن العبء النهائي لهذه الرسوم يقع على المستهلك فيرتفع معدل التضخم. أما حصيلتها لعام 2021 فتبلغ 17 مليار ريال أي 6% من مجموع الضرائب.

 الضريبة الإنتقائية:

طُبقت في السعودية منذ نهاية عام 2019. وتسري على المشروبات الغازية والمشروبات المحلاة بسعر 50% وعلى التبغ والسجائر ومشروبات الطاقة بسعر 100%. وهي كالضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية، أُقرّت بموجب إتفاقية خليجية مشتركة.

يجدر الإشارة أن مصطلح “الانتقائية” تسمية غير معروفة في المصطلحات المالية العربية. اقتبسها الخليجيون من القانون الإنجليزي الذي يعرف هذه الضريبة (اكسايس تاكس) منذ القرن السابع عشر، وهي مطبقة في البلدان الصناعية وعدة بلدان نامية.

في السعودية كما هو الحال في بلدان مجلس التعاون الأخرى الضريبة الانتقائية تفرض على السلع الضارة بصحة الإنسان، في حين أنها ليست بالضرورة كذلك. فهي تفرض في الدول الصناعية على سلع منتقاة ليست بالضرورة مضرة كالمنتجات النفطية وبعض المجوهرات وبعض أنواع السيارات، إضافة إلى المشروبات الغازية والكحولية والسجائر، ولكل سلعة مبلغ ضريبي خاص بها.

في السعودية وبلدان مجلس التعاون الأخرى تُطبق الضريبة الإنتقائية بسعر معين (50% أو 100%) على قيمة السلعة. في حين أنّ من الخصوصيات الأساسية للضريبة الإنتقائية سريانها على كمية السلعة لا على قيمتها، كما تقوم على مبلغ معين لا على سعر نسبي. ففي البلدان الصناعية الضريبة إنتقائية لأنها تفرض بمبلغ معين على اللتر من المشروبات الغازية وبمبلغ آخر على اللتر من المشروبات الكحولية، وعلى عدد السجائر في العلبة وليس على قيمتها.

 الضريبة على القيمة المضافة:

تفرض على الثمن المضاف للسلعة أو الخدمة في كل مرحلة من مراحل بيعها. دخلت في النظام الضريبي السعودي في مطلع عام 2018 بموجب اتفاقية خليجية مشتركة بسعر 5%، ثم قررت الدولة رفعه إلى 15% إعتباراً من يوليو/تموز من عام 2020.

من المهم معرفة أنّ العدالة هي أحد أهم المبادئ التي يقوم عليها النظام الضريبي السليم، ولكل ضريبة خصوصياتها بهذا الشأن. ففي الضرائب على الاستهلاك لا سيما ضريبة القيمة المضافة ينبغي تطبيق أسعار تختلف حسب طبيعة المادة الخاضعة لها. وغالباً ما يطبق سعر منخفض على السلع والخدمات الضرورية وسعر مرتفع على السلع والخدمات الكمالية وسعر ثالث عام يسري على السلع والخدمات الأخرى. لذلك تطبق ألمانيا سعرين وفرنسا والبرتغال أربعة أسعار وايرلندا خمسة أسعار.

أما الضريبة الخليجية فتعرف سعراً وحيداً وهو 5% في الإمارات وعمان و10% في البحرين (اعتباراً من مطلع السنة القادمة) و15% في السعودية. من هن، بات من اللازم إجراء تعديل على هذه الضريبة بتطبيق أسعار تختلف حسب أهمية السلع والخدمات من الجانبين الاجتماعي والاقتصادي.

إضافة إلى ذلك، هنالك ضرائب أخرى أهمها المقابل المالي الذي يفرض على مؤسسات القطاع الخاص التي تستخدم العمال الأجانب، وهي أحد أدوات تشجيع العمالة السعودية. وهنالك ضريبة التصرفات العقارية التي تتناول المعاملات العقارية كالبيع، وكذلك ضريبة الاستقطاع التي تخضع لها أموال الشخص غير المقيم التي يحصل عليها من مصدر سعودي.

إصلاح شامل

أحرزت السعودية تقدماً مهماً وحققت نتائج إيجابية في الميدان الإداري خاصة من زاوية التحصيل الضريبي نتيجة الرقمنة، حيث قادت إلى سرعة الأداء وتقليص فرص التهرب.

لكن التحليل السابق يشير إلى أن المشكلة الأساسية لا ترتبط بالإدارة بقدر ما تتعلق بالنظام الضريبي، فهو بدائي وضعيف الحصيلة وغير عادل ولا يسهم في التنمية.

تنطلاقًا مما تقدم، فالضريبة على الدخل يجب أن تتحول إلى أربع ضرائب مستقلة تماما: ضريبة على دخل الأفراد، وضريبة على أرباح الشركات، وضريبة على استثمار الغاز الطبيعي، وضريبة على استثمار النفط، ولكل منها أحكامها الخاصة.

كما يتعين التفرقة بين المكلفين حسب مقدرتهم وليس حسب جنسيتهم. وعلى هذا الأساس وبسبب العجز المالي المزمن وتداعياته الخطيرة المتمثلة بارتفاع المديونية العامة وتناقص الاحتياطي النقدي، ينبغي إحداث ضريبة على دخل الأفراد، تسري على السعوديين والأجانب على حد سواء.

ويجب فرض الزكاة حسب الشريعة الإسلامية أي على المكلف المسلم بغض النظر عن جنسيته. وحتى لا يكون العبء مرتفعاً على السعوديين بسبب اجتماع الزكاة مع ضريبة الدخل (وفق المقترح) يتعين طرح الزكاة من مبلغ الضريبة على الدخل لكل مكلف خاضع للضريبتين.

أما الضريبة الإنتقائية فيجب ألا تنحصر بالسلع المضرة بالصحة، ولابد من حسابها وفق الكمية وليس القيمة وبمبلغ معين وليس بنسبة معينة.

أدت الزيادة الهائلة لسعر الضريبة على القيمة المضافة إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات فانخفض مستوى معيشة المواطنين خلال فترة قصيرة. لذلك تتوالى التصريحات بأن هذه الزيادة مؤقتة وستلغى في المستقبل القريب، لكنها تصريحات سوف يصعب تنفيذها.

ترى ما هي الخطوات التي أعدتها رؤية السعودية 2030 لإصلاح النظام الضريبي؟

الشغل الشاغل لهذه الرؤية في هذا الميدان زيادة الإيرادات غير النفطية لتصل إلى ترليون ريال بحلول عام 2030. أي أعلى بكثير من جميع الإيرادات العامة الحالية بما فيها العوائد النفطية. وفي هذا السياق، ذكرت وثيقة “إنجازات رؤية المملكة 2016-2020” أن الرؤية حققت نتائج إيجابية مهمة لأن الإيرادات غير النفطية انتقلت من 166 مليار ريال قبل الرؤية إلى 369 مليار ريال في عام 2020. ومن المعلوم أن حصيلة الضرائب من أهم الإيرادات غير النفطية.

لكن الرؤية لا تتطرق مباشرة إلى الضرائب وإيراداتها. بل تخلط معها إيرادات أخرى غير نفطية. كما لا تنظر إلى الضرائب إلا من الزاوية الحسابية أي الحصيلة. في حين أن الإعتبارات الأخرى لا تقل أهمية.

علينا معرفة أن الإصلاح الحقيقي يستند إلى ثلاثة اعتبارات: الحصيلة والعدالة والتنمية.

فمن حيث الحصيلة لا بد من أن تسهم الضرائب السعودية مساهمة فاعلة في المالية العامة. ولا يقتصر هذا الدور على ضريبة القيمة المضافة بل يجب أن يشمل الضرائب المباشرة أيضا. كما يتعين معالجة ظاهرة التهرب المستشري بإدخال أنظمة حديثة وتحسين الأداء الإداري.فصحيح أنّ الرقمنة مهمة لكنها غير كافية في هذا الميدان.

أما العدالة في توزيع الأعباء العامة فتستوجب ضرائب مباشرة وفق المقدرة الاقتصادية، وذلك عبر إدخال الأسعار التصاعدية غير المعروفة حاليًا في جميع الضرائب السعودية. كما يجب الأخذ بعين الإعتبار الحالة الشخصية لكل مكلف من حيث الأعباء العائلية ومصادر الدخل والعمر.

وأما الدور الاقتصادي فيتمثل في المساهمة بفاعلية في تحسين وزيادة وتنويع الإنتاج المحلي للسلع والخدمات، وكذلك في تشجيع العمالة. ولا يتوقف الأمر عند الضرائب المباشرة بل يشمل أيضاً الرسوم الجمركية مع مراعاة الإلتزامات بموجب إتفاقات منظمة التجارة العالمية.

لا شك أن تنفيذ هذه الإعتبارات ليس بالأمر الهين على الصعيد العملي. إذ قد تستوجب العدالة التنازل عن الحصيلة. وقد تفترض التنمية التنازل عن العدالة. وهكذا تحدث تناقضات لا مفر منها بين هذه الاعتبارات الثلاثة، والنظام الضريبي الملائم هو الذي يستطيع التوفيق بين هذه التناقضات.

من هنا لابد من إجراء تعديل على رؤية السعودية 2030 يتناول هذه المعطيات الإصلاحية. عندئذ يسهم النظام الضريبي بفاعلية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى دوره في تمويل الإنفاق العام.