علاقات » اميركي

هل تريد واشنطن استعادة التحالف النفطي مع السعودية؟

في 2021/12/02

سلمى حداد - الخليج أونلاين-

مرت أشهر على توتر تصاعد بقوة بين الإدارة الأمريكية والمملكة العربية السعودية على خلفية تمسك الرياض وحليفتها النفطية موسكو بسياسات تقنين إنتاج النفط ضمن منظومة "أوبك+"، ورفضها الاستجابة لطلبات واشنطن المتكررة بزيادة الإنتاج لخفض أسعار الزيت الأسود في الأسواق العالمية.

هذا التوتر كان يسير معه في ذات الخط تقارب كبير بين مملكة النفط وبلاد القيصر، وهو ما لا ترغب الولايات المتحدة في تطوره، لتعود خطوة إلى الوراء عبر عقدها مفاوضات، مؤخراً، مع السعودية لتهدئة التوترات، ومحاولة إقناعها لإيجاد آلية للتوافق بشأن إنتاج النفط وضبط أسعاره التي باتت تؤلم الأمريكيين.

مفاوضات

وذكرت وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية، الأربعاء 1 ديسمبر 2021، أن واشنطن تحاول إعادة تركيز العلاقات في مجال الطاقة مع أعضاء "أوبك" في الشرق الأوسط، وخاصة مع الرياض، التي تعتبر أكبر منتج للنفط في العالم.

وأشارت إلى أن كبير مستشاري الولايات المتحدة لأمن الطاقة العالمي، عاموس هوشستين، عقد سلسلة من الاجتماعات، في 29 نوفمبر 2021، مع مسؤولي الطاقة في الشرق الأوسط، ومن ضمنهم وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان آل سعود.

وقال هوشستين عقب الاجتماع: "لقد ناقشنا المجالات التي يمكن للولايات المتحدة والمملكة أن تشارك فيها للاستثمار في تحول الطاقة والتعاون لبناء هندسة الطاقة النظيفة للقرن الـ21".

وفي الاجتماع بين المسؤولين الأمريكيين والسعوديين أعربت الولايات المتحدة عن دعمها لعملية صنع القرار في منظمة أوبك، واتفق الطرفان على التشاور مع بعضهما البعض بشأن ديناميكيات السوق، حسبما نقلت "بلومبيرغ" عن أشخاص مطلعين على المناقشات.

وتأتي هذه المفاوضات بعد "فترة صعبة" في العلاقات بين واشنطن والرياض شهدت إطلاق الرئيس بايدن 50 مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة، في خطوة وصفت بـ"التاريخية"؛ وذلك بهدف خفض أسعار النفط.

وكان تحالف منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفائها "أوبك+" رفض، في 4 نوفمبر 2021، زيادة إنتاج النفط لمواجهة التضخم في أسعار البترول التي يسعى بايدن لإيقافها.

ولا تستطيع مصافي النفط الأمريكية الاعتماد على النفط المحلي وحده لإنتاج الديزل ووقود الطائرات والبنزين. وتمزج المصافي النفط الأجنبي مع الأمريكي لإنتاج هذه المحروقات.

وسبق المفاوضات الأمريكية مع السعودية اجتماع جديد لمجموعة "أوبك +"، في الأسبوع الأول من ديسمبر 2021؛ لمناقشة سياسات إنتاج النفط لشهر يناير المقبل، في وقت تراجعت فيه أسعار النفط بأكثر من 15 دولاراً للبرميل؛ بسبب ظهور متحور "أوميكرون" من فيروس كورونا المستجد.

وتدرس منظمة الدول المنتجة للنفط وحلفاؤها ما إذا كانت ستمضي قدماً في زيادة الإنتاج الشهرية المخطط لها سابقاً بمقدار 400 ألف برميل يومياً، أو إيقاف تلك الخطط مؤقتاً لتقييم السوق بعد الانخفاض في الأسعار.

وفي نوفمبر الماضي، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن السعودية وروسيا تخططان لإيقاف الزيادات الشهرية المتفق عليها سابقاً بمقدار 400 ألف برميل نفط يومياً.

وقال مندوبون في أوبك إن هذه الخطوة جاءت لتعويض الإمدادات الجديدة التي أقرتها بعض الدول بقيادة الولايات المتحدة، لذلك تدرس الرياض وموسكو الآن وقف الزيادة الجماعية الشهرية للمجموعة.

أساس التوتر

ولكن ما أساس هذا التوتر؟ وما الذي أدى لتشقق التحالف التاريخي بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية؟

يجيب موقع "The Intercept" الأمريكي حول ذلك في تقرير نشره، في 11 نوفمبر 2021، قال فيه إن سلوك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يأتي رداً على الحزب الديمقراطي بشكل عام، والرئيس جو بايدن على وجه التحديد؛ "بسبب موقف الحزب المتزايد تجاه المملكة من خلال رفع أسعار الطاقة وتغذية التضخم العالمي".

وأضاف الموقع في التقرير الذي ترجمه "الخليج أونلاين": "بدا أن بايدن نفسه يلمح إلى هذا بحديثه الشهر الماضي، حيث أرجع أسعار النفط والغاز المرتفعة إلى مبادرة سياسة خارجية معينة له"، حين قال: "هناك الكثير من الناس في الشرق الأوسط الذين يرغبون في التحدث إلي. لست متأكداً من أنني سأتحدث معهم".

وكان بايدن يشير إلى رفضه لقاء ولي العهد السعودي، في خطوة تعد خروجاً صارخاً عن علاقات سلفه دونالد ترامب الدافئة مع المملكة وولي العهد، حسب الموقع الأمريكي.

وفي عام 2017، خالف ترامب التقاليد باختياره الرياض في أول زيارة خارجية له، وسرعان ما أعلن صفقة أسلحة ضخمة مع المملكة.

وذكر الموقع أنه "عندما طلب ترامب من السعودية خفض أسعار الطاقة من خلال زيادة الإنتاج امتثلت المملكة، وانخفضت الأسعار إلى أدنى مستوياتها في عام 2020، وسط جائحة فيروس كورونا، وانخفض الاستخدام إلى مستويات قياسية".

وأكمل: "هذه المرة رفض بن سلمان الطلب الأمريكي غاضباً من عدم حصوله على مقابلة مع بايدن، وبسبب تراجع الدعم الأمريكي للحرب التي تخوضها السعودية ضد جماعة الحوثي باليمن".

ونقل الموقع عن أحد كبار مساعدي مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، قوله: "لقد منحت الولايات المتحدة سلطة لمحمد بن سلمان بشكل أساسي لفرض عقوبات اقتصادية علينا".

وأشار الموقع إلى أن "إدارة بايدن حاولت التقرب إلى السعودية من خلال موافقتها على صفقة بيع أسلحة كبيرة للمملكة، مؤخراً، لكن هذه الصفقة لم تؤتِ ثمارها أيضاً لكون الأمر أكبر من سوق الأسلحة".

وذكر أن بن سلمان بتمسكه بموقفه بشأن إنتاج النفط يرفض إنقاذ بايدن من أزمة التضخم الكبيرة التي تعيشها الولايات المتحدة.

مراهقة سياسية

ولكن يبدو أن السعوديين انتصروا في هذه المعركة مع الولايات المتحدة، ودفعوها لتبدأ مفاوضات معهم ستنتهي وفقاً لرغبات المملكة.

وإضافة إلى الرغبة في السيطرة على أسعار النفط، فإن مواجهة واشنطن لبكين في المقام الأول وموسكو في المقام الثاني، وأزمة متحور "أوميكرون" الجديد التي ستقلب المعادلات الاقتصادية بالعالم، ستعيد الولايات المتحدة لتعزز تحالفاتها السابقة، وعلى رأسها العلاقات مع الرياض، كما يرى مراقبون.

وحول ذلك يرى عامر السبايلة، الباحث الأردني المختص في الدراسات الاستراتيجية، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "فكرة مواجهة الإدارة الأمريكية للصين وروسيا تفرض عليها إعادة ترتيب العلاقات مع الحلفاء".

وقال الخبير السبايلة: إن "فكرة التضحية بالحلفاء وحليف وازن ومهم جداً إقليمياً ودولياً مثل السعودية يمكن أن تصنف بالسياسة على أنها نوع من المراهقة السياسية في هذه المرحلة بالنسبة للإدارة الأمريكية".

وأضاف: "يشكل ملف النفط أهم نقطة لإعادة ترتيب العلاقة مع السعودية، وأهم نقطة لإعادة حالة من التوازن بين الحليفين".

وتابع الخبير الاستراتيجي: "السعودية تاريخياً جزء من المحور الأمريكي، وتركها بهذه المرحلة بظل مشروع إدارة بايدن لمواجهة الصين اقتصادياً والحد من النفوذ الروسي سيكون استراتيجية غير فعالة مطلقاً".

ورأى أن "السياسة الواقعية تفرض على إدارة بايدن إعادة ترتيب الأوراق مع حلفاء بلاده، وبناء كتلة وازنة تستطيع من خلالها خلق استراتيجية متناغمة لتخدم التوجهات الكبرى لهذه الإدارة لمواجهة الصين بالمقام الأول وروسيا بالمقام الثاني".

وأكد أن "السعودية البلد الأهم واللاعب الرئيس في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بصناعة النفط؛ ومن ثم بدلاً من الصدام معها ورؤيتها من زاوية "أوبك+" واعتبار أنها قريبة من روسيا، يجب النظر إليها من زاوية الحليف التاريخي لواشنطن".

وختم الخبير السبايلة قائلاً: "رؤية السعودية باعتبارها الحليف التاريخي للولايات المتحدة تتطلب من إدارة بايدن أن تتبنى منهجاً براغماتياً سياسياً قادراً على بناء منظومة تخدم التوجه الأمريكي بمواجهة الصين وروسيا".