سياسة وأمن » صفقات

مشتريات الخليج العسكرية.. سباق تسلح أم تنافس على سبيل الفخر؟

في 2021/12/11

هلال خاشان | جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد-

هناك انطباع عام بأن سباق التسلح آخذ في الظهور في منطقة الخليج نتيجة لسياسات الشراء العسكرية من قبل السعودية والإمارات وقطر، فضلا عن برنامج الصواريخ الطموح والاستعراضات العسكرية المتكررة من قبل إيران.

وعلى سبيل المثال، وقعت الإمارات مؤخرا صفقة لشراء 80 طائرة "رافال" فرنسية بعد بضعة أشهر من تسلم قطر الدفعة الأولى من 30 طائرة مقاتلة حديثة من طراز "إف-15".

وفي الحقيقة، لا يوجد سباق تسلح في الخليج. وتعد عمليات الشراء المحمومة لأنظمة الأسلحة باهظة الثمن مدفوعة أكثر بالرغبة في الهيبة والتنوع الاقتصادي بين دول الخليج وبدرجة أقل بالحاجة إلى الدفاع ضد التهديدات الخارجية.

الدفاع المحلي

تمتلك السعودية أكبر جيش عربي في منطقة الخليج. ويضم حرسها الوطني 100 ألف فرد، بينما يضم جيشها 75 ألف متطوع. وفي عام 2015، احتلت السعودية المرتبة الثالثة عالميا من حيث الإنفاق العسكري، بعد الولايات المتحدة والصين. وفي ذلك العام، بلغت الميزانية الدفاعية للملكة 87 مليار دولار. لكن مع تراجع أسعار النفط، خفضت الحكومة السعودية الإنفاق الدفاعي إلى 78 مليار دولار في عام 2019 وإلى 57.5 مليار دولار في عام 2020.

ومع ذلك، لا تزال السعودية أكبر دولة من حيث الإنفاق العسكري على مستوى المنطقة. وتأتي الإمارات (20 مليار دولار في عام 2020) وقطر (11.6 مليار دولار في عام 2021) في المرتبة الثانية والثالثة على التوالي.

وتركز الاستراتيجية العسكرية للسعودية على الأمن الداخلي أكثر من التهديدات الخارجية التي تتركز حول إيران. وفي حين أن دول الخليج العربي الأصغر وجدت طرقا للتحايل على عداوة إيران، تعتقد السعودية أن طهران لديها القدرة على زعزعة استقرار المنطقة وتحدي الدفاعات السعودية وتقويض خطط المملكة للشرق الأوسط، وهو ما يفسر جزئيا مشتريات الرياض العسكرية والتركيز على صناعة الدفاع المحلية.

وبناء على هذا التهديد المتصور، فضلا عن الرغبة في تقليل اعتمادهم على الواردات، يعمل السعوديون على تطوير صناعة الدفاع الخاصة بهم. وفي عام 2017، أعلن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" عن إنشاء "الشركة السعودية للصناعات العسكرية" وهي مؤسسة مكلفة بتقليل اعتماد الرياض على الأسلحة الأجنبية (خاصة قطع الغيار والذخيرة) إلى النصف في موعد أقصاه عام 2030.

وفي عام 2019، ادعت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" أن السعودية تستعين بالصين لبناء برنامج صاروخي يمكن أن يكون بمثابة مقدمة لتطوير أسلحة نووية. ولم تعلق الرياض على هذا الادعاء.

وتستثمر قطر أيضا في قطاعها الدفاعي لكن أهداف الدوحة اقتصادية في الغالب حيث تركز بشكل أكبر على تصدير إنتاجها، معتقدة أن صناعة الدفاع يمكن أن تساهم في تقليل اعتمادها على الهيدروكربونات. وبعد وقت قصير من تأسيس السعوديين للشركة السعودية للصناعات العسكرية، أعلنت قطر عن خطة لتطوير صناعة الأسلحة المحلية وعقدت صفقات إنتاج مع العديد من مصنعي الأسلحة الدوليين.

وفي عام 2018، أسست قطر شركة "برزان" القابضة، بهدف أن تصبح شركة تصنيع دفاعية عالمية، وخططت لدعوة مستثمرين أجانب. وتقوم "برزان" حاليا ببناء مجمع إنتاج وتجميع عسكري واسع تبلغ مساحته 26 كيلومترا مربعا. كما وقعت قطر اتفاقية إنتاج مشترك مع شركة "أسيلسان" التركية المتخصصة في المعدات البرية والجوية والبحرية.

كما قامت "برزان" بترتيبات مماثلة مع مجموعة "نيكستر" الفرنسية ومجموعة "باتريا" الفنلندية وشركة "كونجسبيرج" للدفاع والفضاء النرويجية لتطوير حاملة أفراد مدرعة محلية. ودخلت "برزان" في شراكة مع مجموعة "رينميتال" الألمانية لتصنيع الذخيرة والمتفجرات في قطر.

كما وقعت الدوحة عقدا مع شركة "ليوناردو" الإيطالية لشراء 28 طائرة هليكوبتر ثنائية المحرك "إن إتش 90" للمهام البرية والبحرية. وقد أسست مؤخرا أكاديمية للأمن السيبراني لتوظيف وتوجيه كادر محلي من المدربين في مجال الدفاع السيبراني والقرصنة الإلكترونية. ومع ذلك، فإن الافتقار إلى العمالة الماهرة في قطر سيكون عقبة أمام تطور صناعة الدفاع فيها.

وبالمثل، زادت الإمارات من قدراتها الدفاعية المحلية. وفي عام 2019، أعلنت أبوظبي عن إنشاء مجموعة "إيدج"، وهي مجموعة تكنولوجية ودفاعية متقدمة تضم 25 شركة لإنتاج الأسلحة. وقامت شركة "هالكون" (تابعة لشركة "إيدج" وتصنع قذائف المدفعية وقذائف الهاون) بتطوير نظام محلي مضاد للصواريخ.

وتشارك "هالكون" في نظام الدفاع الجوي "سكاينيكس" التابع لشركة "رينميتال". ووقعت أبوظبي اتفاقيات مع شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية وشركة "رايثيون" وشركة "إمبراير" البرازيلية و"إيرباص". وفي الشهر الماضي، توصلت إلى اتفاق تعاون مع شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية.

وتعمل الإمارات على تطوير طائرة بدون طيار "كيو إكس-6" يمكنها الإقلاع والهبوط عموديا. وتصنع شركات "إيدج" الأخرى ناقلات جند مدرعة وطائرة مقاتلة خفيفة تحت اسم "بدر-250".

تنافس

ويأتي التركيز الأخير على القدرات الدفاعية المحلية في الخليج نتيجة المنافسة طويلة الأمد بين دول المنطقة وعدم استعدادها للاستثمار في الجهود التعاونية. وكانت العلاقة بين السعودية وقطر متوترة منذ عقود حيث انخرطا في مناوشات حدودية في عدة مناسبات، وألقت قطر باللوم على السعوديين في محاولة الانقلاب في عام 1996.

ولدى قطر جيش صغير  يتألف من 9 آلاف جندي فقط، أقل من 30% منهم من المواطنين، لذلك كان عليها الاعتماد على الدعم الخارجي لأمنها. ووقعت قطر اتفاقيات دفاعية مع فرنسا وبريطانيا. وفي عام 1996، منحت الدوحة الولايات المتحدة الحق في استخدام قاعدة "العديد" الجوية. وفي ظل عدم وجود حلفاء أقوياء في الخليج، تواصل القطريون مع تركيا التي كانت للسعوديين علاقات مثيرة للجدل معها.

ووقعت قطر اتفاقية تعاون دفاعي مع تركيا في عام 2007 وتوصل البلدان إلى اتفاقية تدريب عسكري في عام 2012. وبعد أن استدعت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها في الدوحة وفي عام 2014، وقعت قطر اتفاق تعاون عسكري مع تركيا. وردت الدوحة على الحصار الذي قادته السعودية عام 2017 بالسماح لتركيا بإنشاء قاعدة عسكرية على أراضيها.

وفي عام 1981، تم تشكيل مجلس التعاون الخليجي من 6 دول هي السعودية والإمارات وقطر والبحرين وعمان والكويت. وبعد عام، أنشأت الدول الأعضاء قوة "درع الجزيرة" التي تتكون من لواء مشاة ميكانيكي واحد فقط، والذي لم يلعب دورا نشطا في عملية عاصفة الصحراء. وفي عام 2000، وقعت دول المجلس اتفاق الدفاع المشترك، وهو تعهد أجوف بالدفاع عن بعضهم البعض في حالة وقوع هجوم.

ولم تظهر آثار اتفاقية الدفاع المشترك إلا عندما أرسل المجلس 2000 جندي غالبيتهم من السعودية لقمع انتفاضة البحرين المناهضة للحكومة عام 2011. وكانت آخر محاولاتهم للتعاون العسكري الإقليمي في عام 2013 عندما أنشأوا القيادة العسكرية الموحدة وزادوا مشترياتهم من الأسلحة ردا على الانتفاضات العربية.

وفي عام 2014، انضمت معظم دول مجلس التعاون الخليجي إلى التحالف المناهض لتنظيم "الدولة" في سوريا. لكنهم فعلوا ذلك لأن التحالف كان بقيادة الولايات المتحدة. ولو جرى تشكيل هذا التحالف من قبل دولة خليجية، فلم يكن من المرجح أن تحصل هذه الدولة على دعم جيرانها.

وعندما أطلقت السعودية عملية "عاصفة الحزم" ضد المتمردين الحوثيين في اليمن في عام 2015، رفضت الكويت وعُمان المشاركة، بينما ساهمت قطر بـ10 طائرات مقاتلة وألف جندي حتى شن السعوديون حصارا كاملا ضد قطر في عام 2017.

ويمنع تاريخ دول الخليج المثير للجدل تلك الدول من السعي لتعاون أكبر. ويبقى إرث من التنافس وانعدام الثقة بين الدول الخليجية، ما يؤدي إلى التركيز القوي على السيادة الوطنية. أما قادة الخليج فهم مدفوعون بالحاجة إلى التفوق على بعضهم البعض. وهكذا، عندما تطلق دولة ما مشروعا مهما أو تشتري معدات عسكرية متطورة، يتبنى الآخرون مشاريع مماثلة على سبيل الفخر. لكن هذا لا يوصف بأنه سباق تسلح.