اقتصاد » ميزانيات

معالجة العجز المالي في سلطنة عمان: الثّمن باهظ

في 2022/05/31

​صباح نعوش- البيت الخليجي-

تتسم مالية عمان بالعجز المزمن. وهو ما اضطر الدولة؛ خاصة خلال وباء كورونا؛ إلى زيادة الضرائب. وبالنتيجة، تراجع مستوى المعيشة، كما ولجأت السلطنة إلى التمويل الخارجي فتفاقمت مديونيتها وأصبحت سمة أساسية من السمات الاقتصادية للبلاد. وباتت خدمة الديون والنفقات العسكرية تمثل أكثر من نصف اعتمادات الميزانية.

في عام 2020، قدرت الميزانية حجم العجز بمبلغ 2500 مليون ريال، أي نحو 10.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة حسب المقاييس الخليجية. ثم تبين في الحساب الختامي لهذه الميزانية بأن العجز الفعلي وصل إلى 4422 مليون ريال، أي 18.2% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتزداد الأمور تعقيداً إذا علمنا بأن الميزان الجاري يعاني هو الآخر من عجز مزمن. فعلى الرغم من فائض الميزان التجاري وأرباح جهاز الاستثمار العماني فإن جميع الحسابات الأخرى للميزان الجاري (الدخل والخدمات والتحويلات الجارية) في حالة عجز. ولتغطية هذا العجز، تلجأ الدولة للقروض الخارجية.

قاد هذا الوضع إلى تردي الحالة المالية الداخلية والخارجية. لذلك اتخذت السلطات العامة عدة إجراءات ضمن خطة التوازن المالي. فانخفض العجز إلى 2240 مليون ريال في 2021 وإلى 1550 مليون ريال في 2022. هنا يجب الاشارة إلى ان تحقق هذه النتائج الإيجابية جاء بثمن باهظ يتجلى بتراجع الاستثمارات الحكومية وتفاقم المديونية العامة.

تمويل العجز

جرت العادة على تمويل العجز المالي بالقروض الداخلية والخارجية والسحب من الاحتياطي النقدي. في 2015 بلغ العجز 631 مليون ريال، أي 18.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذه نسبة عالية. كان السحب من الاحتياطي يمثل المصدر الأساس للتمويل: 3976 مليون ريال، أي نحو 79% من حجم العجز. وتأتي القروض المحلية بالمرتبة الثانية، ثم القروض الخارجية بالمرتبة الثالثة. لكن تزايد العجز أدى إلى هبوط حجم الاحتياطي. يترتب على ذلك تداعيات سلبية ترتبط بتدهور ثقة المستثمرين بالسياسة النقدية وبتقهقر التصنيف الائتماني للدولة.لذلك تقرر تقليص الاعتماد على الاحتياطي فأصبح يمثل المصدر الثالث للتمويل.

باتت القروض الخارجية تحتل المرتبة الأولى تليها القروض المحلية. في عام 2015 بلغت القروض الخارجية نحو 390 مليون ريال، والديون الخارجية المسددة 85 مليون ريال. بمعنى أن صافي الاقتراض الخارجي 305 مليون ريال. في حين في عام 2022 بلغ صافي الاقتراض الخارجي 305 مليون ريال أيضًا. لكن الحصول على هذا المبلغ تطلب عقد قروض قيمتها 2723 مليون ريال وسداد 2478 مليون ريال. أي حصلت الدولة على نفس المبلغ في عام 2022 مقارنة بعام 2015 لكنها دفعت مبلغاً يعادل ثلاثين ضعفًا. وهكذا تصاعد حجم الديون.

ارتفاع الديون

تستخدم ميزانية الدولة اصطلاحات غير دقيقة فيما يخص الديون قد تفضي بالمهتمين إلى استنتاجات خاطئة. في المؤشر رقم 10 من الجدول تطرقت الميزانية إلى خدمة الدين العام وقدرها 1294 مليون ريال في 2022. ومن البديهي في العلوم المالية، ومن المتفق عليه لدى الباحثين، أن خدمة الديون تشمل فوائد وأصل الدين. في حين استخدمت الميزانية اصطلاح خدمة الدين للدلالة على الفوائد فقط، وهذا خطأ فادح. وتجدر الإشارة إلى أن الميزانية قبل عام 2018 كانت تتطرق إلى “الفوائد على القروض” وليس إلى خدمة الديون. كما أن تقارير صندوق النقد الدولي المتعلقة بهذه الفقرة تتناول الفوائد فقط.

في المؤشر رقم 15 استحدثت الدولة نفقة “مخصص سداد الديون” اعتباراً من 2021. وتعني الأموال الموجهة لسداد جزء من الديون المستقبلية، ولا حكمة من هذا التخصيص.

وفي مؤشر التمويل تذكر الميزانية حجم القروض المتوقع استلامها (رقم 20 ورقم 23) والمتوقع سدادها (رقم 21 ورقم 24). وكلمة المتوقع لا معنى لها لأن جميع الأرقام الواردة في الميزانية تقديرية، أي يُتوقع استلامها فيما يخص الإيرادات ويُتوقع سدادها فيما يخص النفقات، كما من الخطأ القول القروض المتوقع سدادها والصحيح سداد الديون.

كان من الأفضل الاقتصار في باب التمويل على القروض المستلمة الداخلية والخارجية والسحب من الاحتياطي النقدي للبنك المركزي. أما الديون المسددة الداخلية والخارجية فهي أصول الديون وبالتالي يتعين إضافتها إلى مؤشر خدمة الدين العام. وأما صافي الاقتراض فهو حساب يهم الباحثين ولا علاقة له بواضعي الميزانية.

وعلى هذا الأساس فأن خدمة الدين لعام 2022 ليست 1294 مليون ريال كما جاء في الميزانية. بل لابد من إضافة مخصص سداد الديون وكذلك سداد الديون الداخلية والخارجية. عندئذ يصبح مجموع خدمة الدين 4206 مليون ريال. وهذا يعني أن المبالغ السنوية لخدمة الديون تعادل تقريباً جميع الإيرادات النفطية.

أما بخصوص حجم الديون الحكومية فقد ارتفعت من 12.9 مليون ريال في عام 2016 إلى 24.8 مليون ريال في عام 2022. أي من 52.7% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 67.8% منه. في بداية هذه الفترة كانت الديون الخارجية تشكل 60.8% من الديون الحكومية الكلية. ثم أصبحت في نهايتها تعادل 66.6% منها. أما النسبة المتبقية فتمثل الديون الداخلية.

ولكن لا بد من الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية تتعلق بالديون الخارجية للمؤسسات التجارية التابعة للدولة. أنها ديون عامة غير حكومية شهدت ارتفاعاً هائلاً في السنوات القليلة المنصرمة. فقد انتقلت من 8.2 مليار ريال في 2016 إلى 13.5 مليار ريال في 2022 (تقارير صندوق النقد الدولي). ويتعلق الأمر بالدرجة الأولى بديون شركة النفط العمانية وشركة الطيران العماني وشركة الكهرباء القابضة.

وعلى هذا الأساس يصبح مجموع الديون العامة 38.3 مليار ريال في 2022 أي 105% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا المعدل الذي يختلف عن النسبة المذكورة في خطة التوازن المالي مفرط وفق المعايير العالمية والخليجية. وحسب توقعات الصندوق سوف لن يطرأ تغيير مهم على هذه النسبة في العام القادم.

بسبب تفاقم العجز المالي وارتفاع الديون أقرت الدولة برنامجاً لمدة خمس سنوات يهدف إلى إصلاح المالية العامة: خطة التوازن المالي 2020-2024.

خطة التوازن المالي

لتنفيذ الإصلاح المالي وضعت الخطة ثلاثة أهداف:

الهدف الأول: تقليص عجز الميزانية من 15.8% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020 إلى 8.8% في 2022 وإلى 1.7% في 2024.

الهدف الثاني: خفض الدين العام من 79% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020 إلى 86% منه في 2022 وإلى 80% منه في 2024.

الهدف الثالث: زيادة الإيرادات غير النفطية من 28% من الإيرادات الكلية لعام 2020 إلى 36% منها في 2022 ثم إلى 35% منها في 2024.

من الناحية النظرية هنالك ترابط بين هذه الأهداف: يُفترض أن يؤدي خفض الديون إلى تقليص العجز المالي، لأن هبوط خدمة الديون (الفوائد والأصل) يعني انخفاض النفقات وكلما هبطت النفقات تراجع العجز.

كما أن تقليص العجز بزيادة الإيرادات أو تخفيض النفقات أو بهما معا يقود إلى خفض الديون. لأن العجز يُمول بالدرجة الأولى من القروض التي تتحول لاحقاً إلى ديون.

وعلى هذا الأساس، تفضي زيادة الإيرادات غير النفطية إلى تراجع العجز من جهة وإلى خفض الديون من جهة أخرى.

ترى ما هي الأهداف المتحققة؟ وما ثمن ذلك؟

يبين الجدول في المؤشر 17 انخفاض العجز ليصل إلى 1550 مليون ريال في 2022 أي 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يعني أن الخطة حققت أهم أهدافها بتفوق.

لكن هذا النجاح ارتكز على تقليص النفقات الاستثمارية التي انتقلت من 2600 مليون ريال في 2020 إلى 900 مليون ريال في 2022.

بررت الخطة هذا الهبوط بعدم حاجة الدولة إلى المزيد من النفقات الاستثمارية. وهذا موقف خطير للغاية لا يتناسب مع أبسط مبادئ الإدارة الرشيدة للشأن العام. وعلى هذا الأساس فإن سلبيات هذا التقليص تفوق بكثير إيجابيات ذلك النجاح. التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تقتصر على البنية التحتية بل تشمل كذلك التصدي للمشاكل التي يعاني منها المواطنون وفي مقدمتها نقص التشغيل. عمان في مقدمة بلدان الخليج في استفحال بطالة حملة الشهادات العليا وبطالة الشباب وبطالة النساء.

كما لم يقد تخفيض العجز إلى هبوط الديون بل حدث العكس. فقد ارتفعت فوائد الديون من 800 مليون ريال في 2020 إلى 1294 مليون ريال في 2022. واستحدث باب مخصص سداد الديون. كما ارتفعت أصول القروض الداخلية والخارجية المسددة.

وقادت الخطة إلى التأثير سلبياً على مستوى معيشة المواطنين بسبب زيادة الضغط الضريبي. إذ نلاحظ تصاعد الإيرادات الجارية نتيجة فرض ضريبة القيمة المضافة التي تسهم في ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

فائض مالي فصلي

في أبريل المنصرم نشرت وزارة المالية تقريراً عن الأداء المالي للربع الأول من العام الجاري 2022 مقارنة بالأداء المالي للربع الأول من العام المنصرم. وفق هذا التقرير، ارتفعت الإيرادات العامة خلال هذه الفترة من 1819 مليون ريال إلى 3025 مليون ريال. وازدادت النفقات العامة من 2570 مليون ريال إلى 2668 مليون ريال. وبالتالي انتقلت حالة الميزانية الفصلية من عجز بمبلغ 751 مليون ريال إلى فائض بمبلغ 357 مليون ريال.

نجمت هذه الحالة عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى تصاعد أسعار النفط والغاز اعتباراً من فبراير من العام الجاري. عندئذ ارتفعت الإيرادات العامة ارتفاعاً كبيرًا. صرحت الحكومة بأن هذا الفائض سيستخدم لخفض المديونية ورفع النفقات الاستثمارية.

نلاحظ أن النتائج المالية الإيجابية التي تحققت في الربع الأول من العام الحالي، لم تكن بفعل خطة التوازن المالي بل لسبب خارجي يرتبط بتلك الحرب فقط. ولا يقتصر هذا الأمر على عمان بل يشمل كذلك جميع الدول المصدرة للنفط والغاز خاصة بلدان مجلس التعاون الخليجي.

كما نلاحظ أن مسقط لا تهتم بالإنفاق الاستثماري إلا عندما تتحسن مالية الدولة. وهذه سياسة غير قويمة، لأن الاعتناء بهذا الإنفاق يجب ألا يستند إلى الإمكانات المالية بل إلى الحاجة العامة إذ لابد من الاستثمار حتى في حالة العجز.

ستحقق الميزانية الحالية فائضاً سيسهم في إعادة الروح للمالية المختنقة منذ عدة سنوات لكن ذلك مرهون باستمرار النزاع الروسي الأوكراني الذي أدى إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز. كما يفترض ألا تزداد النفقات العامة، علماً بأن الإدارة الرشيدة للشأن المالي تتطلب الاهتمام بالتوازنات الاقتصادية التي تستوجب تقليص الإنفاق العسكري وزيادة الاعتمادات الاستثمارية.