علاقات » روسي

لماذا عرضت الإمارات التوسط لتبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا؟

في 2022/07/02

أشرف كمال - الخليج أونلاين-

في محاولة لأداء دور جديد على الساحة الدولية، عرضت الحكومة الإماراتية على نظيرتها الروسية التوسط في علمية تبادل الأسرى بين موسكو وكييف، وهي خطوة قد تمنحها بعض النفوذ لدى الجانبين.

وبحسب ما نقلته وكالة "نوفوستي" الروسية (الاثنين 27 يونيو 2022)، فإن مسؤولين إماراتيين رفيعي المستوى عرضوا على موسكو التوسط في تبادل الأسرى مع أوكرانيا.

وقالت الوكالة إن المسؤولين الروس سيأخذون في الحسبان العرض الإماراتي عند قيامهم بإعداد قوائم أسرى لتبادلها مع الأوكران.

ورغم مواقفها التي فسرتها الولايات المتحدة والحلفاء الغربيون على أنها انحياز لموسكو، في هذه الحرب إلا أن الإمارات دعت مراراً لوقف القتال والجلوس لطاولة التفاوض من أجل حل الخلاف.

ولا يعرف على وجه التحديد عدد الأسرى الأوكران لدى الجانب الروسي، ولا عدد الروس الذين أسرتهم القوات الأوكرانية، لكن كلا الجانبين يتحدث عن آلاف المقاتلين.

وتبادل الجانبان، مع مواصلة القتال الدائر منذ 24 فبراير 2022، عدداً من الأسرى، وكانت البداية عندما أطلق الروس سراح عمدة ميليتوبول إيفان فيدوروف، مقابل تسعة جنود روس، في حدث تصدر عناوين "الصحف العالمية".

وفي مطلع أبريل، حدثت أكبر عملية تبادل للأسرى بين روسيا وأوكرانيا، عندما تم تبادل 86 جندياً أوكرانياً مقابل نفس العدد من الجنود الروس.

وخلال يونيو الجاري، أفادت صحيفة "كييف إندبندنت" الأوكرانية بأن روسيا وأوكرانيا أجرتا عملية تبادل للأسرى، حيث أعادت روسيا 5 أفراد أوكرانيين أسرى إلى كييف، في 18 يونيو، مقابل 5 أفراد روس أسرى.

الموقف الإماراتي من الحرب

على الصعيد السياسي لم تدن الإمارات علناً الغزو الروسي لأوكرانيا كما كانت الولايات المتحدة تريد، وقد رفضت التصويت على قرار يدين الغزو أمام مجلس الأمن أواخر فبراير.

ورغم أنها صوتت لاحقاً لقرار مماثل أمام الأمم المتحدة أوائل مارس 2022، فإنها على الأرض رفضت تطبيق العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا، وهو ما أثار انتقادات واسعة ومطالبات بوضعها على القائمة السوداء.

واستقبلت الإمارات، وفق تقارير دولية، عدداً كبيراً من الأوليغارشيين الروس المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين والمشمولين بالعقوبات، وساعدتهم على تحصين أموالهم وممتلكاتهم من العقوبات.

وزار وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان موسكو بعيد الغزو، وأكد خلال مؤتمر مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، على قوة العلاقات بين البلدين.

كما أجرى الرئيس الروسي اتصالات مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عندما كان ولياً لعهد أبوظبي، وبحث معه خلالها الأزمة وتداعياتها، ثم أرسل له رسالة خطيّة بعد توليه الحكم رسمياً في مايو 2022، أكد خلالها رغبته في توطيد العلاقات.

موقف روسي قوي

ويأتي العرض الإماراتي للتوسط في مسألة تبادل الأسرى في وقت تبدو فيه روسيا أكثر قوة على المضي في الحرب وتجاوز أثر العقوبات غير المسبوقة التي فرضها الغرب عليها.

ورغم أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يواصلون دعم كييف بالمال والسلاح والسياسة، فإن موسكو ناجحة حتى الآن على الأقل في تجريد كييف من قوتها ومن أراضيها أيضاً، وإن بوتيرة أبطأ مما كانت عليه في بداية الحرب.

وحالياً، تكاد تكون روسيا قد عزلت أوكرانيا بشكل شبه كامل عن البحر الأسود، وحولتها إلى دولة حبيسة بعدما أحكمت سيطرتها إلى حد بعيد على دونيتسك شرقي البلاد، وعلى الخط الواصل بينها وبين شبه جزيرة القرم التي احتلتها عام 2014.

ومع استمرار الحرب وعدم وجود أي مؤشرات لتراجع طرف أمام الآخر، تبدو الإمارات وكأنها تحاول اقتناص دور دبلوماسي يخدم سمعتها على الصعيد الدولي، ويقدم خدمات للجانبين الأمريكي والروسي تحت مظلة دبلوماسية.

وكان أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، قال يوم الجمعة 24 يونيو 2022، إن مواقف بلاده من الأزمة الأوكرانية "تحكمها المبادئ والقيم ولا تنجر وراء المزايدات والانفعالات وسياسة المحاور".

وأضاف قرقاش، في حسابه على تويتر: "هذا ما ينطبق على موقفنا من الحرب في أوكرانيا، والذي يستند إلى القانون الدولي ورفض استخدام القوة واحترام سيادة الدول وحل الخلافات عبر المسار السياسي والدبلوماسي".

تخفيف الانتقادات

من الناحية العملية، لا يبدو الجانبان بحاجة إلى وسيط في مسألة تبادل الأسرى؛ لكونها تتم بشكل شبه روتيني، غير أن الحضور السياسي في الأزمة ربما يكون هو الهدف الأكبر من الفكرة الإماراتية.

في الوقت الراهن لا توجد مفاوضات مباشرة بين الروس والأوكران، بحسب ما أكده وزير الخارجية الروسي هذا الشهر، حيث اتهم الولايات المتحدة بمنع كييف من استئناف المفاوضات التي ألحّت أوروبا في طلب استئنافها، وفق لافروف.

وفي حين تواصل الولايات المتحدة التأكيد أن الحرب ستكون طويلة ولن تتوقف قريباً في محاولة منها لاستنزاف موسكو عسكرياً ومالياً ونفسياً أيضاً، فإن الأمر ربما لا يخلو من وجود وسيط غير مباشر بين الطرفين.

صحيح أن روسيا تخضع لعقوبات وضغوط غير مسبوقة، لكن خصومها أيضاً يعيشون هواجس كبيرة بشأن أزمات الطاقة والغذاء، خصوصاً مع اقتراب حلول فصل الشتاء، الذي ستكون فيه أوروبا بحاجة إلى غاز التدفئة الذي كانت تحصل على نحو نصف حاجتها منه من روسيا قبل الحرب وقرارات وقف الاستيراد الجزئي.

وقد اعتبر مقال بموقع "ناشيونال إنترست" الأمريكي (الاثنين 27 يونيو 2022)، أن الانتقادات العالمية للغزو الروسي قد خفتت، وأن هذا الأمر عزز الدبلوماسية الروسية، وسمح لبوتين بالتحرك لتعزيز تحالفه مع الصين.

ولفت المقال إلى أن الوضع الراهن في أوكرانيا يطرح تساؤلات بشأن انتصار روسيا على خصومها استراتيجياً في أوكرانيا، ويعزز فكرة محاولة تقسيم العالم، لافتاً إلى المواقف المتباينة التي اتخذتها الدول الآسيوية من الحرب.

الباحث الإماراتي حميد النعيمي قال لـ"الخليج أونلاين": إن "الإمارات تستهدف بالأساس لعب دور في قضية عالمية كبرى، لتعزيز حضورها إقليمياً ودولياً، مشيراً إلى أنها تسعى أيضاً للظهور بمظهر المحايد".

وأضاف النعيمي: "حتى لو كان الدور صغيراً أو جزئياً على سبيل تبادل الأسرى فإنه يروج للإمارات على أنها دولة كبيرة قادرة على التدخل في قضايا مهمة، بدلاً من النظر إليها على أنها دولة محدودة القدرات في النهاية".

ولفت النعيمي إلى أن "أبوظبي تحاول تخفيف الانتقادات الغربية وإظهار الحياد، خصوصاً مع الحديث عن احتضانها للعديد من الروس المشمولين بالعقوبات، ومن ثم فهي تسعى لاتخاذ موقف يرضي الغرب إلى حد ما".

وخلص إلى أن "الإمارات تحظى بعلاقات قوية مع الروس والأمريكيين"، ولا يستبعد النعيمي أيضاً أن "يكون أي من الطرفين أوعز لها بالإقدام على هذه الخطوة حتى تتمكن من الترويج لنفسها كدولة معتدلة، وربما تحصل على دور يخفف الانتقادات الغربية لموقفها المحسوب على الروس".