ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

"الضرائب".. وجهة السعودية الجديدة لإنعاش الإيرادات غير النفطية

في 2022/08/12

سلمى حداد - الخليج أونلاين-

لم تعد الضرائب خياراً مستبعداً في المملكة العربية السعودية لتعزيز الإيرادات العامة للدولة في ظل مساعيها المتواصلة لتنويع اقتصادها وتقليص الاعتماد على عائدات النفط الخام لأقصى حد ممكن.

كما أن التحديات الاقتصادية العالمية والتذبذب المتواصل في أسعار النفط فرضت على المملكة إعادة النظر في النموذج الضريبي الذي تتبعه، ودفعتها لفرض ضرائب جديدة أو زيادة القائمة، ليسفر ذلك عن زيادة إيراداتها غير النفطية بنسبة تتراوح ما بين 60% و80% خاصة خلال العامين الماضيين.

وحالياً تتنوع الضرائب في السعودية بين ما هو على دخل وأرباح الشركات والمعاملات الدولية، وما هو على السلع والخدمات.

%80 من الإيرادات غير النفطية

وأظهرت الميزانية السعودية نصف السنوية ارتفاع الإيرادات غير النفطية إلى 214.26 مليار ريال (57 مليار دولار) بنهاية النصف الأول من العام 2022.

وأسهمت الضرائب بأكثر من 80% من إجمالي الإيرادات غير النفطية، وتعادل 172.5 مليار ريال (46 مليار دولار) في الميزانية نصف السنوية، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، التي بلغت حينها 162.6 مليار ريال (43.4 مليار دولار) وبزيادة 7%.

في حين بلغ إجمالي مساهمة الضرائب في الربع الثاني من هذا العام 99.7 مليار ريال (26.6 مليار دولار).

وأعلنت وزارة المالية السعودية، مطلع أغسطس الجاري، تحقيق نمو في عائدات الربع الثاني من موازنتها بنسبة 49%، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي بفائض يبلغ 77.9 مليار ريال (20.7 مليار دولار).

كما سجل الاقتصاد السعودي نمواً بمعدل 12% في الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي 2021.

وقالت وزارة المالية في بيانها "إنها سجلت إيرادات بلغت 370.3 مليار ريال (98.7 مليار دولار)، فيما بلغت المصروفات 292.4 مليار ريال (77.9 مليار دولار) بفائض قدره 77.9 مليار ريال (20.7 مليار دولار)".

وسجل الربع الأول من العام الحالي أيضاً فائضاً يبلغ 15 مليار دولار، ما يجعل إجمالي صافي النصف الأول لموازنة العام الحالي يبلغ 35.93 مليار دولار.

وكانت السعودية توقعت تحقيق فائض يبلغ 90 مليار ريال (24 مليار دولار) في موازنتها لعام 2022.

وحسب بيانات "المالية" السعودية، فقد جاء الارتفاع الكبير في عائدات الربع الثاني للعام الحالي مدفوعاً بزيادة قدرها 89% في العائدات النفطية مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي 2021، كما زادت عائدات الضرائب على الدخل والأرباح والمكاسب الرأسمالية بـ42% خلال فترة المقارنة نفسها.

البداية منذ صدمة النفط

ولم تكن السعودية يوماً من الدول المعروفة بفرضها للضرائب مثل بقية دول الخليج، وهو ما يدفع كثيراً من الشركات والأيدي العاملة إلى اللجوء إليها هرباً من الضرائب المرتفعة في معظم دول العالم.

لكن صدمة انهيار أسعار النفط في العام 2014، وما واجهته المملكة من صعوبات مالية، جعلها تعيد التفكير في سياستها الضريبية لتبدأ، منذ مطلع العام 2018، تطبيق ضريبة القيمة المضافة بواقع 5%.

ورفعت السعودية ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أمثالها العام 2020، إلى 15%، بسبب جائحة كورونا وتراجع الطلب على النفط.

وفي الأول من نوفمبر الماضي، قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان: إنَّه "لن يكون هناك خفض لضريبة القيمة المضافة في فترة قريبة".

وأوضح الجدعان، في لقاء مع قناة "الشرق" السعودية، أنه "متى تحسّنت المالية العامة بعد عدة سنوات، فسيتم النظر في الضريبة".

وحسب تقرير لوكالة "موديز" الأمريكية للتصنيفات الائتمانية، أصدرته في أبريل 2021، فإنَّ فرض ضرائب واسعة النطاق على أساس الدخل، أمر ضروري للحد من الاعتماد على النفط بشكل دائم.

وتفرض السعودية ضريبة على الدخل بنسبة 20% على غير المقيمين ممن يمارسون نشاطاً داخل المملكة.

وكانت ضريبة القيمة المضافة وحدها تسهم في تمويل 5% من العجز السنوي بميزانية السعودية قبل ارتفاع أسعار النفط والعودة إلى تحقيق فائض في الميزانية، وفق تقرير سابق لوكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية.

ارتفاع متواصل

وحسب بيان لوزارة المالية السعودية، صدر في ديسمبر 2021، فإن إيرادات الضرائب للعام 2021، بلغت حوالي 295 مليار ريال (78.5 مليار دولار) بارتفاع نسبته 30.2% مقارنة بالعام 2020.

وأرجعت الوزارة ارتفاع الضرائب حينها إلى تحسن أداء النشاط الاقتصادي بعد تراجع جائحة كورونا.

وذكرت أن الضرائب على الدخل والأرباح والمكاسب الرأسمالية بلغت، العام الماضي، نحو 17 مليار ريال (4.5 مليار دولار).

فيما سجلت الضرائب على السلع والخدمات بالسعودية، العام الماضي، نحو 232 مليار ريال (61.7 مليار دولار)، بارتفاع نسبته 41.8% مقارنة بالعام 2020، ويعود ذلك لرفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى 15%.

وبلغت قيمة الضرائب على التجارة والمعاملات الدولية (الرسوم الجمركية) نحو 17 مليار ريال (4.5 مليار دولار) بنهاية 2021، وذلك بانخفاض طفيف نسبته 3.1% مقارنة بـ2020، نتيجة إلغاء رسم الحماية على واردات القمح.

فيما وصلت قيمة إيرادات الضرائب الأخرى، ومنها الزكاة، إلى حوالي 29 مليار ريال (7.7 مليارات دولار) مسجلة ارتفاعاً بنسبة 7.7% مقارنة بالعام 2020.

لماذا ارتفعت الضرائب؟

وفي قراءته لارتفاع عائدات الضرائب في السعودية، يقول الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام: إنه "على الرغم من القفزات التي حققتها إيرادات المملكة النفطية خلال النصف الأول من العام الجاري على خلفية الطفرة النفطية وارتفاعات أسعار الخام الأسود المتواصلة، فإن الفترة نفسها شهدت قفزات من إيرادات أخرى غير نفطية، أبرزها الضرائب والسياحة والخدمات".

وأضاف عبد السلام، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أنه "وفقاً للأرقام  الرسمية فقد أسهمت الضرائب بأكثر من 80٪ من إجمالي الإيرادات غير النفطية، وبقيمة تعادل 172.5 مليار ريال، أي 46 مليار دولار، في النصف الأول من العام".

وأشار إلى أن "عدة عوامل كان لها دور في زيادة الضرائب، منها برنامج تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص في المملكة، وتحسن الأوضاع الاقتصادية نتيجة لضخ الدولة مليارات الدولارات على مشاريع البنية التحتية، وتراجع مخاطر وباء كورونا، وعودة نشاط الحج والعمرة، وهو ما أسهم في تحسن مؤشرات الاقتصاد وزيادة ربحية الشركات المسددة للضرائب".

وزاد من أجواء التفاؤل داخل قطاع الأعمال السعودي "إعلان الدولة أن مجموع الاستثمارات الجديدة التي سيتم ضخها في الاقتصاد السعودي حتى 2030 ستبلغ 12 تريليون ريال (3 تريليونات دولار)، وهذا لا يشمل الإنفاق الحكومي، الأمر الذي سيحسن إيرادات الشركات العاملة في السوق ويزيد ضرائبها"، حسب الخبير الاقتصادي.

كما أن "إجمالي ما سيتم إنفاقه في المملكة خلال السنوات العشر المقبلة سيبلغ 27 تريليون ريال (7 تريليونات دولار)، تشمل الإنفاق الحكومي والاستثمارات الجديدة، وهذا يحسن من مناخ الاستثمار وإيرادات الضرائب ويزيد من مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي".

ورأى الكاتب الاقتصادي أن "من العوامل التي حسنت حصيلة الضرائب هذا العام زيادة نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15%، بعد الضغوط الاقتصادية والمالية التي تعرضت لها المملكة، وانخفاض أسعار النفط".