من هنا وهناك » من هنا وهناك

هل تنجح قطر في استثمار المكاسب الاقتصادية والدبلوماسية لمونديال 2002؟

في 2022/09/05

جاد قباني- ويلسون سنتر - ترجمة وتحرير الخليج الجديد-

في 20 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ستدخل قطر التاريخ من خلال استضافة الحدث الرياضي الأكثر مشاهدة في العالم. وتعد قطر أول دولة في الشرق الأوسط تنال فرصة تنظيم مونديال كأس العالم لكرة القدم. واعتبرت الدوحة تنظيم هذا الحدث خطوة استراتيجية تساهم في تشجع تطوير البنية التحتية وتعزيز أهداف السياسة الخارجية.

ومع ذلك، فإن التركيز على هذين الهدفين تزامن مع مخاوف بشأن قدرة الدوحة على الاستفادة من هذه البنية التحتية الهائلة على المدى الطويل وكذلك الصورة السلبية التي نتجت عن طريقة التعامل مع العمال المهاجرين الذين ساهموا في تأسيس هذه البنية التحتية.

وتحتاج الدوحة لمعالجة هذه المخاوف في السنوات القادمة في الوقت الذي تسعى فيه جاهدة لإعادة تعريف نفسها على أنها حاضرة خليجية رئيسية.

تعد استضافة كأس العالم وسيلة لتحقيق "رؤية قطر الوطنية 2030" (QNV 2030)، وهي مبادرة حكومية لتحويل قطر إلى مجتمع عالمي وتوفير مستوى معيشي أعلى. وتتضمن خطط التنمية الوطنية المرتبطة بـ"رؤية قطر الوطنية 2030" مشاريع مرتبطة مباشرة بكأس العالم وتستهدف تعزيز استدامتها بعد البطولة.

وتعمل قطر على بناء البنية التحتية اللازمة لاستيعاب نحو 1.2 مليون زائر خلال الحدث الذي يستمر لمدة شهر، وهو رقم يمثل نحو نصف سكان البلاد الحاليين. وبالإضافة إلى بناء الملاعب على أحدث طراز، أدخلت قطر نظام مترو حديث، ووسعت مطارها، وشيدت مناطق جديدة داخل العاصمة الدوحة. وفي حين تتفاوت التقديرات، أنفقت قطر نحو 200 مليار دولار على هذه المشاريع.

آمال قطر التنموية من كأس العالم

تهيمن الصادرات الهيدروكربونية على الاقتصاد القطري، فقطر لديها ثالث أكبر احتياطيات غاز طبيعي في العالم وهي واحدة من أكبر منتجي النفط. وفي حين أن الموارد الطبيعية ساهمت بشكل كبير في ازدهار قطر، فإن هناك عدم يقين بشأن صادرات الهيدروكربونات خلال العقود القادمة. لذلك تستهدف قطر تقليل اعتماد اقتصادها على إيرادات قطاع الطاقة من خلال التحول إلى مركز إقليمي للأعمال والسياحة. ويعد استضافة كأس العالم أمرا شديد الأهمية في هذا السياق.

وبين عامي 2013 و2018، انخفضت حصة الهيدروكربونات من الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر من 55% إلى 39%، ما يعكس جزئيًا تزايد الاستثمارات المرتبطة بالتحضيرات لكأس العالم. ودعمت البطولة التطور في القطاعات الحيوية غير المتعلقة بالطاقة، وسيكون نموها المستدام أولوية بالنسبة لقطر بعد انتهاء كأس العالم.

بالإضافة إلى تنويع الاقتصاد، تهدف قطر إلى جذب الاستثمار الأجنبي المباشر. وفي يونيو/حزيران 2017، واجهت قطر حصارا اقتصاديا ودبلوماسيا مفاجئا من قبل 4 دول عربية مجاورة بقيادة السعودية، ونتيجة لذلك انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلاد من حوالي مليار دولار في عام 2017 إلى سالب 2.8 مليار دولار في عام 2019.

وقد تؤدي استضافة كأس العالم إلى انتعاش قوي في الاستثمار الأجنبي المباشر. وفي عام 2018، أرست قطر الأساس لبيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي من خلال السماح للمستثمرين الأجانب بامتلاك 100% من رأس المال وإلغاء الحد السابق البالغ 49% للملكية الأجنبية.

وفي عام 2020، أصدرت قطر قانون للشراكة بين القطاعين العام والخاص يسمح للمستثمرين بالامتلاك المشترك لأصول البنية التحتية المطورة بموجب امتيازات طويلة الأجل، على أمل جذب المستثمرون لمشاريع تطوير البنية التحتية المرتبطة بكأس العالم. ومن ضمن عوامل الجذب القطرية معدلات النمو الاقتصادي والسمعة الجيدة على الصعيد الدولي.

وفي يناير/كانون الثاني 2021، وقعت دول مجلس التعاون الخليجي على إعلان العلا لرفع الحصار. وفي حين لم تتعاف تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر حتى الآن، لا يزال من المتوقع أن تصبح قطر مركزًا مهما لتدفقات الاستثمار الأجنبي في منطقة الخليج.

وقد احتلت قطر مؤخرًا المرتبة 24 في "مؤشر ثقة كيرني للاستثمار الأجنبي المباشر" لعام 2022، وهي السنة الأولى التي تصل فيها الدولة إلى هذه المرتبة، بسبب حماس المستثمرين في ظل جهودها لتحرير السوق والنمو المدفوع بكأس العالم.

مخاطر الفعاليات الرياضية العالمية

بالرغم من الفوائد المحتملة لكأس العالم، فإن استضافة الفعاليات الرياضية الكبرى تشتهر بعائدها الضئيل على الاستثمار. وتشير التوقعات إلى أن الاقتصاد القطري سينمو بنسبة 3.4% في عامي 2022 و2023 بفضل كأس العالم، لكنه سيتباطأ بعد ذلك إلى 1.7% بحلول عام 2024.

ويكمن التحدي في الاستفادة من استثمارات البنية التحتية الكبيرة التي تم إجراؤها للحفاظ على النمو القوي للناتج المحلي الإجمالي. وخلال دورة الألعاب الأولمبية لعام 2016، استثمرت ريو دي جانيرو بكثافة في تحديث بنيتها التحتية، حيث أنفقت 2.9 مليار دولار على خطوط مترو الأنفاق وأكثر من 4 مليار دولار لتجديد المناطق التاريخية.

وخطط المنظمون في ريو دي جانيرو واللجنة الأولمبية الدولية لتنظيم فعاليات للحفاظ على الاستفادة من هذه البنية التحتية بعد انتهاء البطولة، لكن التقارير تشير إلى أن العديد من هذه الأماكن تداعت ولم تتحقق الفوائد طويلة الأجل التي كان يتم الترويج لها.

وبينما تخطط قطر للاستفادة من استثمارها بعد البطولة في ظل سعيها لتحقيق "رؤية 2030"، فإن مستويات البناء سوف تتباطأ حتماً. وبالتالي، من المتوقع أن تحدث هجرة للمغتربين، حيث إن قطاع البناء كان يوظف 44.2% من إجمالي القوى العاملة المغتربة في عام 2019، كما أن التراجع في تطوير البنية التحتية وتراجع الطلب قد يقلل من قيمة البنية التحتية التي تم بناؤها بعد كأس العالم.

وبالرغم من هذه المخاوف، فقد خططت قطر بشكل استراتيجي لتلافي هذه المشاكل، والاستفادة من البنية التحتية بشكل يتجاوز البطولة الرياضية. وعلى سبيل المثال، يقول "زيد موسوي" المستشار الاستراتيجي للجنة العليا للمشاريع والإرث: "سيكون للماعب تأثير مستدام على المجتمعات المحلية، حيث سيتم تقليص سعة الملاعب الكبيرة من 40 إلى 20 ألفًا لتكون مناسبة للبطولات المحلية أو الإقليمية، بالإضافة إلى ذلك ستحول قطر بعض الملاعب إلى مرافق تعليمية وطبية وتجارية متعددة الاستخدامات.

ولتحقيق الانتفاع طويل الأجل من البنية التحتية لكأس العالم، من المهم أيضًا دمج السياسات والمبادرات والمشاريع الوطنية تحت مظلة واحدة. ومن خلال اللجنة العليا للمشاريع والإرث، التي تشرف على تخطيط وعمليات البطولة، تجنبت قطر مشاكل التنسيق البيروقراطية التي واجهتها ريو دي جانيرو.

وعانت ريو دي جانيرو من التأخيرات وعدم الكفاءة في تلقي التمويل الفيدرالي، وكانت النتيجة تكييف المشاريع لتناسب مواعيد التسليم المطلوبة على حساب ضمان طول العمر والاستدامة، كما يتضح من خلال الأماكن المهجورة والمتدهورة إلى حد كبير.

أما حكومة قطر فقد مولت الاستعدادات لكأس العالم منذ الليلة التي فازت فيها البلاد بالاستضافة، ما منح اللجنة العليا 12 عامًا لتخطيط وتنفيذ نهج طويل الأجل ومتكامل.

التأثير على السياسة الخارجية

بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية، تميل البطولات الرياضية الرئيسية إلى وضع البلد أو المدينة المضيفة "على الخريطة"، مما يتيح لها حشد القوة الناعمة الإقليمية والدولية. وكانت البرازيل تأمل أن تؤدي استضافتها للألعاب الأولمبية عام 2016 لتحسين موقعها في النظام الدولي والمساهمة بشكل إيجابي في أهداف السياسة الخارجية.

وسيساهم كأس العالم في قطر في تحسين موقع البلاد على الخريطة السياسية في الشرق الأوسط وخارجه، وتخطط الحكومة للاستفادة من هذه القوة الناعمة المتزايدة لترسيخ الأمن القومي للبلاد. وكما قال "جيمس دورسي" الزميل في معهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة، فإن "أمن قطر مرتبط بأهميتها بالنسبة للمجتمع الدولي".

ويمكن أن تؤدي استضافة مثل هذا الحدث المهم إلى توسيع قدرة قطر على إيجاد حلول للمشاكل السياسية وإنشاء شراكات في أوقات الحاجة. ومع ذلك، جذب كأس العالم اهتمامًا أكبر لسجل حقوق الإنسان في قطر. وأبرزت العديد من التقارير إساءة معاملة العمال المهاجرين أثناء الاستعدادات لكأس العالم. 

وفي ضوء الاهتمام الدولي المتزايد وربما لحماية مكاسبها، نفذت قطر إجراءات وآليات جديدة لتعزيز حقوق العمال المهاجرين، وكانت هذه القرارات غير مسبوقة في منطقة الخليج ككل. وبالرغم من هذا التقدم، يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه التدابير يمكن أن تحمي العمال المهاجرين حقًا بعد كأس العالم

خلق إرث

يقدم كأس العالم فرصة لجني فوائد اقتصادية قصيرة وطويلة الأجل فضلا عن مكاسب القوة الناعمة. ومع ذلك، هناك شكوك حول قدرة البلاد على الاستفادة الفعالة من البنية التحتية التي بنتها بعد الحدث. كما أن طريقة معاملة العمال المهاجرين تسببت في شروخ للصورة التي تحاول قطر بناءها عن نفسها للاستفادة منها في سياستها الخارجية.

ومع ذلك، فإن قطر وضعت في اعتبارها هذه المخاوف ونفذت إجراءات لمعالجتها، لا سيما بناء البنية التحتية بقصد إعادة استخدامها لأهداف أخرى وإدخال إصلاحات رائدة في سياسات الهجرة لديها.

إن قدرة قطر على الاستفادة من كأس العالم لدعم النمو المستقر للناتج المحلي الإجمالي بالإضافة إلى درجة عالية من الأمن تتوقف الآن على متابعة الحكومة لخططها الاستراتيجية والتزاماتها.

وإذا نجحت هذه التدابير، فيمكن أن تتجنب قطر فخ المكاسب قصيرة الأجل التي وقع فيه منظمو الأحداث الرياضية الضخمة مثل ريو دي جانيرو.

ومن المحتمل أن تستمر الدولة مستقبلًا في استضافة الأحداث الرياضية وتنفيذ إصلاحات الهجرة في إطار سعيها للتحول إلى مركز رياضي واقتصادي في الشرق الأوسط.