علاقات » اميركي

مع استمرار التوتر بين أمريكا والصين.. أي الكفتين أرجح في الميزان الخليجي؟

في 2022/09/09

كامل جميل - الخليج أونلاين-

مع استمرار التوتر في العلاقات بين واشنطن وبكين، التي بلغت حدّ التهديدات العسكرية، يسعى كل من الطرفين إلى استقطاب عواصم أكثر إلى جانبهما، ولدول الخليج أهمية بالغة بالنسبة إليهما.

الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد موثوقة بالشكل الذي كانت عليه قبل سنوات بالنسبة لدول الخليج، التي رأت في الصين شريكاً أكثر موثوقية ونفعاً من الولايات المتحدة.

المنفعة المتبادلة بين أمريكا والدول الخليج كانت منذ عقود هي أساس العلاقة بين الطرفين، حيث تضمن دول الخليج أمنها بوجود عسكري أمريكي في المنطقة، في مقابل الانتفاع الأمريكي من الوقود الخليجي.

القيادات الجديدة لدول الخليج اتخذت سياسات مختلفة عن أجيال الحكم السابق تتناسب وطبيعة التحول العالمي، حيث سعوا إلى الانتفاع من التكنولوجيا الصينية لكونها موثوقة وبلا قيود ومنخفضة التكاليف.

بالمقابل فإن الصين سوق كبيرة ومهمة للوقود الخليجي، ما يجعل المنفعة المتبادلة أكثر موثوقية.

تراكم الخلافات

حصول مواجهة عسكري بين الصين والولايات المتحدة حديث برز كثيراً خلال الأسابيع الماضية، خاصة عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان، مطلع أغسطس الماضي.

زيارة بيلوسي هذه لم تكن سوى إضافة جديدة لأسباب الصراع بين البلدين، حيث إن حجم سيطرة الصين على التجارة العالمية من خلال صناعاتها المختلفة التي غزت العالم من بين الأسباب، حيث تحاول واشنطن تحجيم نفوذ صناعاتها.

أيضاً تعد أزمة بحر الصين الجنوبي من أبرز قضايا الخلاف بين الصين وأمريكا؛ بسبب تضارب المصالح بين الطرفين، ورغبة واشنطن وحلفائها في التضييق على الصين في بحرها.

كما أن طريق الحرير هو الآخر سبب للخلاف، حيث يعد هذا المشروع تهديداً مباشراً لأمريكا. وتعتبر "شركة هواوي" الصينية أساساً مهماً للخلاف؛ إذ تعدها واشنطن خطراً حقيقياً على مكانتها وسيطرتها الرقمية والمعلوماتية في العالم.

وتتهم أمريكا الصين بسرقة الملكية الفكرية، وأنها نقلت التقنيات الأمريكية إلى الصين دون مراعاة حقوق الملكية الفكرية الأمريكية، وهو ما ترفضه الصين رفضاً قاطعاً.

قوة دول الخليج

المحلل السياسي عماد الشدياق يقول في حديث لـ"الخليج أونلاين" إنه لا يعتقد بأن أياً من الدولتين، أمريكا وروسيا، منفردة ستكسب دول الخليج.

يرى الشدياق أن الموضوع يتخلله العديد من التعقيدات، مبيناً أن "دول الخليج دون استثناء قائمة على العقيدة الأمريكية، سواء كان في بناء الجيوش أو المفهوم الاقتصادي، ما يعني أن فك الارتباط بين دول الخليج والولايات المتحدة أمر صعب جداً".

من جانب آخر يقول الشدياق إن دول الخليج مجتمعة أصبحت "قوة بحد ذاتها تملك القرار، وقادرة على أن تفرضه على جميع الفرقاء في العالم".

وأكد أن دول الخليج "لم تعد تابعة للولايات المتحدة، فلديها هامش حرية كبير جداً، خاصة حين تكون الدول الخليجية مصطفة إلى جانب الرياض. وهي بذلك قادرة على فرض كلمتها في خلافات دولية كبيرة مثل الخلاف الروسي الأوكراني، أو مع من خلفه أمريكا والغربي بشكل عام".

ووفق قوله فإن "من مصلحة الخليج في الوقت الحالي البقاء في الوسط، ليس مع الصين كلياً ولا مع الولايات المتحدة كلياً، في أقل تقدير بعهد الإدارة الديمقراطية"، لافتاً إلى أن "الوضع قد يتغير في حال تغير الرئيس بايدن وتسلم الجمهوريون الحكم، فحينها نصبح أمام خيارات مختلفة".

مواقف الخليج

تبرز وسطية دول الخليج من خلال تصريحات كبار السياسيين فيه، فوزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قال، الخميس (1 سبتمبر 2022)، إن لبلاده علاقات قوية مع الولايات المتحدة، والصين هي أكبر مورد للطاقة وحليف سياسي.

وأضاف بن عبد الرحمن، في حوار مع قناة "نيوز آسيا" التي تبث من سنغافورة، أن "الدوحة لا تريد أن تكون في موقف يتعين عليها اختيار طرف على حساب الآخر".

الإمارات التي لديها علاقات متينة بواشنطن اعتبرت أن الولايات المتحدة تستفز الصين، وأكدت دعمها لوحدة الأراضي الصينية، وذلك رداً على زيارة بيلوسي لتايوان، في بيان لوزارة خارجيتها.

وتبياناً لأهمية الإبقاء على علاقة أبوظبي قائمة مع بكين وواشنطن قال المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش، في أبريل الماضي: إن "الولايات المتحدة هي شريكنا الاستراتيجي المهيمن، ولكن الصين هي الشريك الاقتصادي الأول".

بالنسبة للسعودية قال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير: إن "المملكة ستواصل تعزيز علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين".

وأوضح الجبير، في مقابلة خاصة مع قناة "سي إن بي سي" الأمريكية: "الصين تعد أكبر شريك تجاري لنا، وتعد سوقاً ضخماً للطاقة، كما أنها مستثمر كبير في المملكة العربية السعودية"، مضيفاً: "الولايات المتحدة شريكنا الأول عندما يتعلق الأمر بالتنسيق الأمني ​​والسياسي، بالإضافة إلى الاستثمارات والتجارة بين البلدين".

موقف الحياد

يقول المحلل السياسي عماد الشدياق إن نظرة دول الخليج للتوترات القائمة بين أمريكا والصين "حيادية"، مبيناً أن دول الخليج ترى أن "لا مصلحة لها في الوقوف إلى جانب أي من الطرفين، وهي مصلحة مشتركة مع الطرفين أيضاً".

تطرق الشدياق إلى موضوع الدولار تحديداً وربطه بالنفط، حيث بات هذا الارتباط يهدد العملة الأقوى في العالم.

وقال: "الأمير محمد بن سلمان صرح مؤخراً تصريحاً مقتضباً، لكنه بالنسبة للولايات المتحدة يعد خطيراً جداً، عندما قال: لا مانع لدينا من ربط النفط باليوان الصيني".

يعتقد الشدياق أن قوة الدولار الأمريكي الذي تستخدمه اليوم الولايات المتحدة "لترهيب كل الدول والخصوم"، يعتمد بالدرجة الأولى على النفط والنفط الخليجي تحديداً، وذلك بعد فك الارتباط مع الذهب والدولار، واتفاق الولايات المتحدة مع دول الخليج على ربط الدولار بالنفط.

ويواصل: "اليوم إذا قررت دول الخليج النفطية بالاتفاق مع روسيا ودول آسيا فك الارتباط مع الدولار فإن هذا يشكل نتيجة مدمرة للولايات المتحدة".

وأضاف: "دول الخليج، وخاصة الإمارات والسعودية، غير راضية عن سلوك الديمقراطيين، وهي أكثر ارتياحاً للعمل مع الجمهوريين؛ فالديمقراطيون يلهثون لتوقيع اتفاق مع طهران بمعزل عن أي مصلحة من مصالح دول الخليج، وهذا ما يجعل الخليجيين يلجؤون إلى الوقوف في الوسط، سواء حول العداء الأمريكي الروسي أو العداء الأمريكي الصيني".

دول الخليج -وفق الشدياق- تعمل وفق مصطلح وضع البيض في أكثر من سلة، لافتاً إلى أن "العالم يأخذ في التطور شيئاً فشيئاً للتخلي عن القطب الواحد. نحن ذاهبون إلى عالم متعدد الأقطاب والاتجاهات، وأي جهة وفق ما تملكه من قدرات وإمكانيات قادرة على أن تؤثر في المجتمع العالمي".