علاقات » عربي

تحليل: 4 محفزات تدفع إعادة بناء العلاقات القطرية المصرية

في 2022/09/21

متابعات- 

"مهمة في إطار تحسين العلاقات بين القاهرة والدوحة".. بهذه الكلمات وصف المحلل السياسي الأمريكي "جورجيو كافيرو" الزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" إلى قطر في 13 سبتمبر/أيلول الجاري، مشيرا إلى 4 محفزات تدفع لإعادة بناء العلاقات بين البلدين.

وذكر "كافيرو"، في تحليل نشره موقع "العربي الجديد" باللغة الإنجليزية، أن زيارة "السيسي" كانت الأولى منذ التوفيق بين مصر وقطر خلال قمة العلا في يناير/كانون الثاني 2021، مشيرا إلى أن عملية إعادة بناء العلاقات جرت بوتيرة ملفتة للنظر، إذ لم يمض على إعلان انتهاء أزمة مجلس التعاون الخليجي سوى 21 شهرًا فقط.

ففي أواخر عام 2020، عندما كان العديد من المحللين، الذي توقعوا حل الخلاف في العلاقات السعودية القطرية، يتوقعون أيضا استمرار مصر في مقاطعة قطر، خاصة في ظل استمرار مسؤولين في حكومة "السيسي"، وإعلاميين مقربين منها، في التعبير عن كراهيتهم للبلد الخليجي الصغير.

وهنا يشير "كافيرو" إلى المحفز الأول في تحفيز إعادة بناء العلاقات بين القاهرة والدوحة، وهو أن الحكومة المصرية أدركت، بحلول أوائل عام 2021، أن حصار قطر فشل في تحقيق أهدافه، وأن الدوحة لم تكن على وشك الخضوع للضغوط الإقليمية لإغلاق قناة الجزيرة أو إغلاق القاعدة العسكرية القطرية التركية المشتركة، أو تسليم المعارضين الإسلاميين إلى السعودية والإمارات ومصر.

بالإضافة إلى ذلك، تغيرت البيئة المحلية في مصر على مر السنين، فبعد إزاحة جماعة الإخوان المسلمين المصرية من الساحة السياسية والحياة الاجتماعية في البلاد لم يعد لدى السلطات في القاهرة سببًا للنظر إلى قطر كتهديد، لا سيما مقارنة بالفترة بين عامي 2013 و2017.

وبحلول وقت انعقاد قمة العلا، لم تعد المشكلات التي يواجهها المسؤولون المصريون مع قطر مجدية، ولذا فإن حصار قطر والأزمة الخليجية لم يعد لهما معنى من وجهة النظر المصرية، حسبما أورد "كافيرو" في تحليله نقلا عن عن الأستاذ المشارك بكلية الدراسات الأمنية في كينجز كوليدج بلندن "أندرياس كريج".

تأثير الغرب

ويرى "كافيرو" أن المحفز الثاني لإعادة بناء العلاقات المصرية القطري هو تأثير الضغوط الغربية، لاسيما تلك التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرا إلى أن استئناف القاهرة والدوحة للعلاقات الدبلوماسية كان في يوم تنصيب الرئيس "جو بايدن".

فمصر توقعت أن تكون الإدارة الأمريكية الجديدة أقل قبولًا لسياساتها الداخلية والخارجية، ما حفز القاهرة على اتخاذ إجراءات تشتري بها بعض إثباتات النوايا الحسنة أمام البيت الأبيض، وكانت المصالحة مع قطر طريقة سهلة للقيام بذلك.

ورغم أن نظام "السيسي" يبدو غير مستعد للاستجابة للضغوط الهائلة التي تمارسها واشنطن وحكومات غربية أخرى بشأن حقوق الإنسان، لكنه يحاول تقديم نفسه للغرب، في المقابل، كشريك مهم بالمنطقة يمكنه إنجاح الوساطات وعقد الصفقات.

ضغط الاقتصاد

أما ثالث محفزات بناء العلاقات المصرية القطرية فيتمثل في المشاكل الاقتصادية الخطيرة التي تواجهها مصر، خاصة بعد تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا وأزمة الطاقة العالمية، وتأثر سلاسل التوريد وقطاع السياحة بها، وبالتالي تزايد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على الحكومة المصرية.

وإزاء هذا المنعطف الحساس، يشير "كافيرو" إلى أن "السيسي" يدرك الأهمية المتزايدة لمساعدات دول مجلس التعاون الخليجي المالية، لا سيما قطر، التي تلعب دورًا في هذا الصدد.

ففي وقت سابق من هذا العام، أودعت قطر 3 مليارات دولار في البنك المركزي المصري، كما وقعت شركة قطر للطاقة اتفاقية مع شركة "إكسون موبيل" لشراء حصة 40% في مشروع غاز قبالة الساحل المصري.

وأثناء وجود "السيسي" في الدوحة، الأسبوع الماضي، وقعت مصر وقطر 3 مذكرات تفاهم، أحدها كان بين صندوقي الثروة السيادية للبلدين.

وبعد عدة أيام، ناقش رئيس الوزراء المصري ورئيس استثمارات آسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا في جهاز قطر للاستثمار (QIA) الاستثمارات القطرية المحتملة في قطاع السياحة في مصر.

ويرى "السيسي" أن الاستثمار القادم من الخليج أمر بالغ الأهمية لدعم اقتصاد بلاده الهش، وبالتالي فإن استئناف العلاقات مع قطر، مثل العديد من العلاقات الأخرى التي يتم تشكيلها وسط التحولات الجيوسياسية بالمنطقة، ضرورية للقاهرة.

وهنا يشير "كافيرو" إلى زاوية أخرى لأهمية العلاقات مع قطر اقتصاديا لمصر، إذ تسعي القاهرة لتجنب الاعتماد المفرط على السعودية والإمارات.

ويتعارض تلاقي المصالح الجديد بين القاهرة والدوحة مع الاحتكار الثنائي من جانب الإمارات والسعودية، وهو الاحتكار الذي تعاني مصر من تداعياته حسبما يرى رئيس مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز الدراسات الدولية "جوزيبي دينتيس".

وأضاف: "من هذا المنظور، تهدف القاهرة إلى تحقيق استقلال جزئي عن الرياض وأبوظبي من خلال خفض التصعيد التكتيكي مع الدوحة"، مشيرا إلى أن "المصريين يدركون أنهم بحاجة إلى التنويع (..) وأنه لا يمكنهم وضع بيضهم كله في سلة واحدة عندما يتعلق الأمر بالخليج، خاصة أن نظام السيسي يعتمد بشكل كبير على الأموال الأجنبية وعمليات الإنقاذ الخارجية".

التحدي الإقليمي

لكن المصالحة بين مصر وقطر لا تتعلق فقط باعتبارات اقتصادية، بل أيضا بقضايا إقليمية تمثل مصالح استراتيجية للقاهرة، لاسيما الأوضاع في ليبيا، والتي تمثل رابع محفزات إعادة بناء العلاقات بين القاهرة والدوحة.

فمستقبل الدولة الواقعة في شمال أفريقيا يمثل تهديداً خطيراً لأمن مصر، ويمكن للدوحة ممارسة ضغوط وجهود من شأنها دفع الجهات الفاعلة على جانبي الانقسام في ليبيا نحو إعادة الاستقرار، بما في ذلك أولئك الذين كانوا حتى وقت قريب على علاقة سلبية للغاية مع الدوحة.

فمجلس النواب الليبي، الذي يتخذ من طبرق مقراً له، أعلن تأييده لحصار قطر عام 2017 ، وكثيراً ما أعرب الجنرال "خليفة حفتر"، الذي تسيطر قواته على شرقي ليبيا عن انتقاده للدوحة طوال فترة الحصار، ومع ذلك، قامت قطر مؤخرًا بإشراك نجل "حفتر" وآخرين من شرقي ليبيا في مباحثات تهدف إلى إحداث انفراجة بأوضاع البلد الذي يتشارك حدوده الشرقية مع مصر.

 ورغم أنه من السابق لأوانه استنتاج أن مشاركة مصر وقطر في الملف الليبي يمكن أن تحدث انفراجة، لكن معالجة مصر للوضع الليبي بالاشتراك مع قطر، يمكنها من تقديم نفسها للغرب كجهة دبلوماسية فاعلة تعمل على تعزيز الاستقرار الإقليمي.

وفي الوقت نفسه، فإن مشاركة قطر مع مصر في ملف ليبيا يساعد الدوحة على أن تثبت لفريق "بايدن" أن قطر هي صانع سلام في العالم العربي.

وهنا يلفت "كافيرو" إلى ملفات إقليمية أخرى تمثل تحديا استراتيجيا للقاهرة، ويمكن للدوحة لعب دور إيجابي فيها، مثل ملف سد النهضة الإثيوبي، الذي تعتبره مصر تهديدا لأمنها المائي.

ويؤكد المحلل السياسي الأمريكي أن موقف الإمارات من هذا الملف أعطى نظام "السيسي" سببا للنظر في التعامل البناء مع قطر، إذ لم تدعم أبوظبي موقف مصر، واكتفت بتأمين مصالحها الوطنية مع إثيوبيا.

كان هذا الموقف بمثابة صدمة حقيقية للقاهرة، خاصة بعدما دعمت أبوظبي قوات الحكومة المركزية في إثيوببيا ضد فصائل المعارضة المسلحة في إقليم تيجراي، المدعومة من مصر، بحسب "كريج"، الذي نوه إلى أن ملف إثيوبيا جعل مصر والإمارات على طرفي نقيض في حرب بالوكالة للمرة الأولى.

ويضيف: "يتضح بشكل متزايد أن الإماراتيين لا يفعلون أي شيء بالمجان. وكان ذلك بمثابة جرس إنذار للمصريين".

غزة ملف آخر ذو صلة بالتحدي الإقليمي، ففي خضم صراعات مايو/أيار 2021 وأغسطس/آب 2022 بين إسرائيل و"حماس"، نسقت القاهرة والدوحة جهود وقف إطلاق النار، وكان لكل منهما مصالح راسخة في الحفاظ على الهدوء النسبي بالقطاع.

ولذا يرى "كافيرو" أنه يجب النظر إلى التطورات الأخيرة في العلاقات المصرية القطرية في سياق التقارب الإقليمي طوال الفترة بين عامي 2021/2022، فمنذ قمة العلا، وفي ضوء التواصل الدبلوماسي الإماراتي مع تركيا وإيران، وكذلك المصالحة التركية مع إسرائيل، تنخرط الجهات الفاعلة بالشرق الأوسط مع بعضها البعض بطرق أكثر دبلوماسية وأقل تصادمية.

وفي هذه المرحلة، يبدو القطريون أقل تركيزًا على الترويج للثورات العربية وإعطاء الإسلاميين منصات إعلامية في الخليج، وأكثر إصرارًا على البناء على نتائج قمة العلا وتقديم قطر كصديق للجميع، ما يعزز الاستقرار ويدعم مجموعة متنوعة من البلدان تعاني حالة يرثى لها، خاصة مصر.