سياسة وأمن » صفقات

"بلغت 55.6 مليار دولار".. ما وراء الميزانية السعودية الضخمة للتسليح؟

في 2022/09/22

كامل جميل - الخليج أونلاين- 

تستمر السعودية في الاهتمام بالتسليح العسكري، من خلال التوجه لتحديث قطاعاتها العسكرية المختلفة بأحدث الأسلحة، إضافة إلى اهتمامها المتواصل بتوطين الصناعة العسكرية وفيها حققت ما يمكن وصفه بالإنجاز؛ حيث ارتفع عدد منشآتها الصناعية العسكرية.

الإنفاق العسكري في السعودية بلغ 55.6 مليار دولار، بنسبة إنفاق عالمي بلغت 2.6%، ما جعل المملكة تحجز المركز الثامن بين أكثر الدول إنفاقاً على التسليح، التي تصدرتها الولايات المتحدة بمبلغ إنفاق 801 مليار دولار وبنسبة إنفاق عالمي 37.9%؛ وفق أحدث تقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري".

فضلاً عن ذلك فإن السعودية أطلقت في فبراير 2022، استراتيجية القوى البشرية في قطاع الصناعات العسكرية والدفاعية بالمملكة، ضمن "رؤية 2030".

يضاف إليه تأسيس "أكاديمية وطنية" لتدريب الكوادر الوطنية على العمل في قطاع الصناعات العسكرية.

وبحسب وكالة الأنباء السعودية "واس" (22 مايو 2022)، فإن "الأكاديمية الوطنية للصناعات العسكرية" تأتي "للإسهام في تحقيق مستهدفات توطين الصناعات العسكرية".

ونقلت عن محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية، أحمد العوهلي، قوله: إن "تأسيس أكاديمية مستقلة ومتخصصة في قطاع الصناعات العسكرية والدفاعية، امتداد لاستراتيجية قطاع الصناعات العسكرية التي أقرها مجلس الوزراء في أبريل 2021".

توطين الصناعات العسكرية

التصنيع العسكري في السعودية يُعد من أضخم القطاعات التي يتم الإنفاق عليها، حيث بلغت الحصة المخصصة له في ميزانية العام 2022 نحو 171 مليار ريال سعودي (54.4 مليار دولار) بانخفاض بـ10% عن العام 2021، وفق شبكة "سي إن بي سي".

وبشكل متسارع تعمل المملكة على توطين الصناعات العسكرية التي من شأنها أن تحافظ على جزء من الإنفاق العسكري داخل الاقتصاد المحلي بدعم الشراكات بين القطاع الخاص والشركات العالمية وخلق فرص وظيفية للسعوديين.

ويأتي تعزيز دور الصناعات العسكرية بالسعودية في عدة مجالات، منها البحرية والبرية والجوية وأمن المعلومات، إضافة إلى إقامة المعارض الدولية التي تجذب كبار الشركات في هذا القطاع.

أحمد العوهلي، محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية، قال خلال حديثه في منتدى المحتوى المحلي بالرياض في 5 سبتمبر 2022، إن التوطين في إجمالي الإنفاق العسكري للمملكة قفز بنحو 10% منذ إطلاق هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية في عام 2018.

وبلغ الإنفاق المحلي 11.7% من إجمالي الإنفاق العسكري في عام 2021، ارتفاعاً من 2% قبل أربع سنوات فقط.

وكشف أن عدد المنشآت الوطنية في القطاع العسكري ارتفع من خمسة إلى 174 منذ إطلاق الهيئة العامة للصناعات العسكرية.

وأشار العوهلي إلى أن "الهيئة العامة للصناعات العسكرية تركز على تطوير السياسات والآليات التي تشجع المستثمرين المحليين والدوليين على الاستثمار في المملكة".

الاستفادة من ارتفاع العائدات

شركة تحليل البيانات "غلوبال داتا" توقعت أن يصل الإنفاق الدفاعي السعودي إلى نحو 56.5 مليار دولار في غضون نحو خمس سنوات، بمعدل زيادة سنوية بنسبة 2.1%، ما بين العام الحالي 2022 وعام 2026.

وستستفيد ميزانية الدفاع السعودية من إطار التطوير والتحديث للقدرات العسكرية السعودية، باعتماد مدخلات التكنولوجيا والأسلحة الحديثة وفق ما نصت عليه رؤية 2030، وتضمنت تعهدات بما بين 50 و80 مليار دولار لهذا الغرض.

وحسب تقرير "غلوبال داتا"، فإن الإنفاق على بند الأبحاث والتطوير سيشهد تحسناً واضحاً من مستواه الذي قدّره التقرير عند نحو 13 مليار دولار لهذا العام.

وعلى الرغم من أن شركات دفاعية كبرى مثل "بوينغ" و"لوكهيد مارتن" الأمريكية، تظل مصدراً مهماً للتسليح، فإن تركيز السعودية الآن على مصادر السلاح من السوق المحلية من خلال شركة الصناعات العسكرية السعودية "سامي"، وهي إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة السيادي. 

ومع صدور التقرير، قال أكاش برايتم ديبارما، محلل الشؤون الدفاعية في "غلوبال داتا": "لا تعد رؤية 2030، مبادرة استراتيجية لتعزيز القوات المسلحة عبر استيراد الأسلحة فحسب، ولكن أيضاً لتطوير وتقوية الصناعة الدفاعية المحلية في السعودية بما يسمح لها بتوفير الوظائف وبناء صناعة دفاعية قوية".

وأضاف: "في حال تنفيذ تلك الاستراتجية بالشكل المناسب، فإن ذلك سيساعد السعودية على تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط وزيادة معدلات النمو الاقتصادي كما هو مأمول".

امتلاك القوة

الكاتب والباحث السياسي ياسر عبد العزيز، يقول في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إن السعودية منذ نشأتها وهي تسعى إلى امتلاك القوة وتوسيع نفوذها في المنطقة.

بعد ظهور النفط أخذت السعودية تعد نفسها كقوة اقتصادية رائدة بالمنطقة؛ بما تمتلكه من قوة مالية- يقول عبد العزيز- مشيراً إلى أن "الثورة الإسلامية في إيران منذ ظهورها وخطابها قائم على تصدير ثورتها إلى المنطقة، وهو ما كان حافزاً للسعودية لامتلاك القوة العسكرية".

وأضاف أن ما زاد من استمرار السعودية على وتيرة امتلاك قوة أكبر، "اجتياح القوات العراقية للكويت عام 1990"، مؤكداً أن المملكة بدأت "تخشى على نفسها، وكان العراق حينها من أقوى الجيوش في العالم".

كل ذلك وفق عبد العزيز، كان دافعاً للسعودية لتكون قوة ذات أهمية في الإقليم، لافتاً إلى أن "ما يساعدها على بناء جيش قوي أن عدد سكانها يتيح لها ذلك على خلاف دول خليجية أخرى ذات عدد سكاني قليل".

من اللافت سعي المملكة إلى بناء قوتها بنفسها على الرغم من وجود قاعدتين عسكريتين أمريكيتين وفق عبد العزيز، الذي يشير إلى أهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي للسعودية، إذ "حمّلها أيضاً عبئاً ثانياً هو الدفاع عن نفسها ومكانها الاستراتيجي وحفظ الممرات المائية المهمة التي يتم تداول أغلب النفط العالمي من خلالها".

ويواصل المحلل السياسي حديثه عن "أسباب سعي السعودية لامتلاك القوة، حيث من بينها التحديات التي تواجهها من قبل مليشيات موالية لإيران في العراق واليمن، لا سيما الحوثيين الذين سبق أن تسببت هجماتهم في إلحاق أضرار بالمملكة، وهم أيضاً يعرّضون باستمرارٍ المضائق المائية للخطر".

من جانب آخر يرى ياسر عبد العزيز أنّ "تراكم المبالغ العالية نتيجة صادرات النفط جعل السعوديين يفكرون في كيفية الاستفادة منها بإنشاء صناديق سيادية تستثمر في عدد من القطاعات ومنها القوة العسكرية".

يقول عبد العزيز: "كانت رؤية 2030 مبنية على ضخ استثمارات ضخمة في مجالات التصنيع العسكري، وهي فكرة رائدة يقف خلفها الأمير محمد بن سلمان، وهي قائمة على أن لا تستورد السعودية السلاح إلا أن يكون دخله مكوّن محلياً؛ معنى هذا أن صناعاته العسكرية بدأت تدخل على الخط وبقوة وبشراكة مع جميع الشركات التي كانت تصدر له".

وذكر أن السعودية ومنذ 15 سنة وهي تتصدر المشهد كقوة قائمة ومهمة في المنطقة، مضيفاً: "واضح أن السعودية تحاول قيادة العالم العربي وتتعدى قيادة الإقليم وتزاحمها في هذا الموضوع إيران وتركيا".

ويشير إلى أن "السعودية تسير بخُطا ثابتة وتقدّم نفسها على أنها قوة إقليمية عسكرية تسعى لتحالفات لوزن العالم أو المنطقة؛ وهذا يقابله قبول أمريكي منذ عهد دونالد ترامب ويسير عليه جو بايدن حتى الآن".