علاقات » روسي

"دلالات صفقة الأسرى".. هل يستميل بوتين الرياض أم تنهي وساطتها الحرب؟

في 2022/09/24

كامل جميل - الخليج أونلاين- 

نجاح التدخل السياسي السعودي في الإفراج عن أسرى لدى كل من روسيا وأوكرانيا في الحرب التي تقلق العالم منذ أشهر، وتسببت بتوتر الاقتصاد والأمن العالميين، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن للرياض ثقلاً دولياً لا يمكن التغافل عنه؛ لا سيما وقوف ولي العهد محمد بن سلمان وراء الصفقة.

الحرب التي أخذت تنذر بأن يشهد العالم ضربة نووية مدمرة، يسعى العديد من الدول الكبرى لإنهائها ومنع وقوع المزيد من الكوارث وصولاً إلى كارثة كبرى، لوح بها مؤخراً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام القنبلة النووية، يبدو أن للسعودية نصيباً وافراً في أن تكون سبباً بوضع حدٍّ لهذه الحرب.

فالسعودية أثبتت قوة تأثير سياستها الخارجية حين أعلنت وزارة خارجيتها في بيان، الأربعاء (21 سبتمبر 2022)، أن وساطة قام بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أسفرت عن إطلاق سراح 10 أسرى من 5 دول.

وفقاً للبيان، فإن الأسرى الذين أفرج عنهم في صفقة تبادل بين موسكو وكييف هم من مواطني المغرب والولايات المتحدة وبريطانيا والسويد وكرواتيا.

وتسلّمت الجهات السعودية المعنية الأسرى المفرج عنهم ونقلتهم من روسيا إلى المملكة تمهيداً لإعادتهم إلى دولهم.

وهذه أول وساطة سعودية بين الجانبين منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، أواخر فبراير الماضي.

تواصل مبكر

وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قال، الجمعة 23 سبتمبر 2022، إن إطلاق سراح الأسرى الأجانب العشرة بصفقة التبادل بين روسيا وأوكرانيا تم بتدخل مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وفي مقابلة مع قناة "العربية" كشف "بن فرحان" أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نجح في إقناع الرئيس بوتين بإطلاق سراح الأسرى ضمن "مبادرة إنسانية".

ولفت إلى أن "ولي العهد كان دائماً نشطاً على المسرح العالمي منذ وقت طويل، وظهر كقائد يركز على تحصيل النتائج، وهذا أكسبه احتراماً كبيراً من قادة الدول".

وأضاف: "تمكنا من إخراج المساجين الـ10 عبر تدخل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان"، مبيناً أن "ولي العهد كان نشطاً في متابعة القضية، منذ أبريل الماضي، حين التقى برئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون، وفهم قضية المواطنين البريطانيين الخمسة، وحاول التوصل إلى اتفاق مع الرئيس بوتين لإخراجهم، ومنذ ذلك الوقت أصبح ولي العهد معنياً بشكل كبير بالقضية".

وقال: "الاتصالات السعودية لإتمام صفقة الأسرى لم تشمل طرفي الصراع فقط، بل تخطتها إلى اتصالات مع أطراف دولية أخرى لمناقشة حل الأزمة بأسرع وقت ممكن".

وأوضح أنه عندما بدأت الأزمة تواصل ولي العهد مع الرئيسين بوتين وزيلينسكي، وكذلك مع قادة الدول الأخرى لمناقشة سبل حل هذه الأزمة وغيرها، مؤكداً: "نحن نعمل بنشاط لإيجاد سبل لتواصل أفضل، وهذا يتسم بأهمية بالغة لأن الحوار هو الطريقة الوحيدة لحل القضايا".

قدرات السعودية

المحلل السياسي د. ناصر مأمون عيسى يقول في حديث لـ"الخليج أونلاين": إن "السعودية لم تؤكد نجاحها في إتمام عملية الإفراج عن الأسرى دورها الإنساني فقط، بل إن الأمر بات يتعدى ذلك بكثير؛ حيث أكدت ما لديها من قدرات تجعلها ذات ثقل لتحقيق الوساطة بين القوى الدولية الكبرى".

الاحتراب الدائر هو حرب بين روسيا والغرب على الأراضي الأوكرانية؛ ويظهر ذلك في "جنسيات البنادق وحتى جنسيات المفرج عنهم"، يقول د. ناصر مأمون عيسى.

ويضيف: "أهم ما جعل كافة الأطراف تميل إلى الوساطة السعودية، بالإضافة إلى دورها الإنساني، هو دورها الحيادي الأخير فيما يخص الصراع والاستقطاب الروسي الغربي".

وتابع: "فبوصفها الساعد الأكبر لمنظمة أوبك نجحت السعودية في عدم تسييس قدرات المنظمة وقواعدها التنظيمية، ونجحت في ذلك رغم الضغوط الأمريكية الشديدة التي انتهت بمجيء بايدن بنفسه للرياض؛ ولعل ذلك هو ما جعل موسكو تثق في حياد المملكة الإيجابي وتلتقي معها في قبول الوساطة".

ويعتقد عيسى أن "المملكة باتت قوة تعدى تأثيرها الحيز الإقليمي؛ وهو ما جعلها بالفعل مؤهلة لأدوار دولية هامة من ضمنها القدرة على تحقيق الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، أو بالأحرى بين روسيا والغرب، بما لها من ثقل اقتصادي وسياسي وإنساني لدي جميع الأطراف".

السعودية وروسيا

الحديث عن العلاقات بين السعودية وروسيا، ورغم ما بلغته من التطور، لا يمكن فيه إغفال أنها كانت علاقات غير صديقة، وذلك لموقف المملكة من الشيوعية وتأثيرها، ثم جاء الغزو الروسي لأفغانستان، وكان موقف السعودية فيه واضحاً بدعم "الجهاد الأفغاني" ضد القوات الروسية.

ورغم أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أُعيدت عام 1990 في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، لكنها لم تشهد تطوراً ملحوظاً خلال أكثر من ربع قرن رغم تبادل الزيارات على مستوى عالٍ بين البلدين.

نقطة التحول كانت في عام 2015 حين التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي، حيث فتح البلدان صفحة جديدة في علاقاتهما شملت العديد من الملفات، وتم توقيع عدد من الاتفاقيات شملت مجالات مختلفة؛ مثل الطاقة النووية، وتفعيل اللجنة المشتركة للتعاون العسكري والتعاون في مجال الفضاء، إضافة إلى اتفاقيات تعاون في مجال الإسكان والطاقة والفرص الاستثمارية.

وفي عام 2017، زار الملك سلمان بن عبد العزيز روسيا، وكانت الزيارة هي الأولى لملك سعودي إلى روسيا. وتمخضت عن توقيع اتفاقيات تعاون بين الطرفين، أهمها اتفاقية لتصنيع بعض الأسلحة الروسية في السعودية.

وأبرمت السعودية، العام الماضي، اتفاقاً عسكرياً مع روسيا يهدف إلى تطوير مجالات التعاون العسكري المشترك بين البلدين، بحسب ما أعلنه نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، على هامش معرض المنتدى العسكري التقني الدولي "آرمي 2021".

ذلك يأتي في مرحلة تشهد فيها العلاقات السعودية الأمريكية تراجعاً؛ على خلفية مواقف واشنطن من الاتفاق النووي ودعم إيران لمليشيات في المنطقة، أبرزها الحوثيون في اليمن، حيث شعرت السعودية أن الولايات المتحدة لا يمكن الاعتماد عليها بشكل تام لضمان أمنها، وأنها شريك لا يعتمد عليه دائماً.

كما أدى التعاون بين موسكو والرياض إلى إقامة ما يُعرف بمنظمة "أوبك بلس"؛ إذ اتفق البلدان على خفض إنتاج النفط في عام 2016، بعد انخفاض أسعاره، وهذا الملف هو أكبر مجالات التعاون المشترك بين البلدين.

وترى السعودية أن تعاون روسيا ضروري لتحقيق الاستقرار في سوق الطاقة، بحسب ما أكده ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عام 2019.

كل ذلك يدلل على أن للمملكة أهمية كبيرة لدى روسيا التي لا بد أنها لن تجازف بخسارة صداقتها التي جاءت على حساب قوة العلاقات بين الرياض وواشنطن، وهو ما يجعل موسكو تحاول الاستمرار بكسب هذه الصداقة التي كان تجليها في صفقة الأسرى.

يقول المحلل السياسي د. ناصر مأمون عيسى: إن "ماهية الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا تتعدى الرصاصة والصدر التي تصيبه؛ لأنها بالأساس أشبه بعملية جراحية يراها الغرب استئصال عضو خبيث، ويراها الشرق قيصرية لولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وأفول القطب الأوحد؛ ولذلك قد نرى أن المملكة تستطيع إسكات البنادق؛ وذلك لالتقائها في ذلك مع حاجه الشعوب هناك إلى ذلك".

وعلى الرغم من أن الذين "يملكون القرار الضاغط على الزناد هم أصحاب المآرب الحقيقية من تلك المعركة؛ لذلك قد تنجح السعودية في دفع الأطراف إلى مائدة المفاوضات، لكن الأمر يحتاج إلى التقاء دولي بغطاء أممي حتى يكتمل"، وفق عيسى.