ثقافة » مناهج

دعوات لليقظة.. "الإنجليزية" تتمدد خليجياً رغم جهود حماية "العربية"

في 2022/10/11

محمد أبو رزق - الخليج أونلاين-

بينما تواصل دول مجلس التعاون الخليجي مساعيها لحماية اللغة العربية وتوسيع رقعة الناطقين بها، تشير دراسات إلى أن شباب هذه الدول يميل لاستخدام الإنجليزية أكثر من لغته الأم.

فعلى مدار سنوات طويلة أطلقت حكومات الخليج العديد من المبادرات والمراكز والكليات من أجل ترسيخ اللغة العربية وحمايتها وتعليمها لغير الناطقين، غير أن الواقع يؤكد أنها تتهاوى نسبياً، وربما لن تصمد أمام اللغات الغربية التي صارت تجتاح العالم.

في السابع من أكتوبر 2022، نشرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية تقريراً قالت فيه إن اللغة العربية تواجه تحديات قد تمضي بها نحو الهلاك رغم أنها إحدى أنجح لغات العالم.

وقالت المجلة إن استطلاعاً جرى في 2017 عن "أولويات الشباب العربي" كشف أن شباب الخليج يستخدمون اللغة الإنجليزية أكثر من العربية، معتبرة أن "العربية تواجه اضمحلالاً بين العرب أنفسهم، رغم أنها واحدة من أعظم اللغات".

وفقاً للمجلة البريطانية فإن 400 مليون إنسان يتحدثون بالعربية التي تعتبر من بين أنجح لغات العالم، غير أن "التعليم العقيم، يمضي بها إلى الزوال، ويدمر نقاءها حيث يستخدم كثير من الشباب لغة تمزج بينها وبين الإنجليزية".

الإنجليزية.. التهديد الأكبر

في الوقت الراهن، تمثل الإنجليزية التهديد الأكبر في مواجهة العربية، خاصة أن كثيرين من طلاب الابتدائي يتحدثون خليطاً من اللغتين، تغلب عليه الإنجليزية، كما تقول "إيكونوميست".

ولفتت إلى أن كثيراً من الطلاب في المدارس الابتدائية "يتحدثون بلغة هي خليط من العربية والإنجليزية، وكثير منها إنجليزية"، مشيرة إلى أن التهديد الأكبر للغة العربية هي "الإنجليزية".

ورغم تأثيراتها على اللغات التركية والفارسية والإسبانية والأردية، وعدد من لغات القارة الأفريقية، فإن العربية تقف بين مطرقة العولمة التي سرّعت انتشار اللغات الأجنبية، وسندان تزايد الاهتمام باللهجات الدارجة (العامية) على حساب الفصحى.

ولا يقف جنوح العرب إلى الإنجليزية عند الشباب فقط، إذ إنه- بحسب تقرير المجلة البريطانية- يمتد إلى الشركات والقطاعات، خاصة التجارية والسياحية منها، في التعاملات اليومية.

ويدفع التزايد المستمر للمدارس الأجنبية في الخليج باتجاه الاعتماد على الإنجليزية بشكل أكبر على حساب العربية، بل إن الإنجليزية هي اللغة الأساسية في التعليم الخاص، فضلاً عن أن غالبية العاملين الأجانب لا يتحدثون العربية.

وأظهر استطلاع عام 2017 أن 68% من الخليجيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً قد استخدموا اللغة الإنجليزية أكثر من اللغة العربية في حياتهم اليومية.

تقدر الأمم المتحدة أن 50 مليون شخص بالمنطقة يتعلمون الإنجليزية على يد أكثر من 430 ألف معلم، مع وجود رغبة متزايدة في تعلمها، في حين تزيد أعداد السعوديين المتحدثين بالإنجليزية بنسبة 15% سنوياً، وفق ما نشرته هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية في مايو 2022.

أسباب التراجع

في تصريح سابق، قال وزير التربية والتعليم القطري الأسبق، محمد عبد الرحيم كافود، إن تراجع اللغة العربية "يعود إلى إهمالها في البيت والتعليم والشارع والتعاملات اليومية في المجتمع".

وقال كافود، وهو أيضاً أستاذ للأدب والنقد العربي، في تصريح لصحيفة "الراية" القطرية في ديسمبر 2021، إن دول الخليج هي الأكثر تأثراً بتراجع اللغة العربية، بسبب تعدد ثقافات الوافدين وتدفق المعلومات بشكل كبير وسريع عبر الإنترنت.

إلى جانب ذلك، يشير كافود إلى أن الأطفال في دول الخليج يتربون على يد مربيات أجنبيات، ويكتسبون لغتهم منهن على حساب العربية، كما أن أولياء الأمور يحرصون على تعليم أولادهم الإنجليزية لمواكبة العصر.

ويرى كافود أن "العربية" بحاجة إلى إعادة اعتبارها ومكانتها في البيوت والمدارس وفي المؤسسات وفي المجتمع ككل، وأن يدرك الأبناء أنها جزء من شخصيتهم وهويتهم.

وتعد اللغة العربية من أكثر اللغات تحدثاً ضمن مجموعة اللغات السامية، وإحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم، حيث يتحدث بها أكثر من 422 مليون نسمة، يتوزعون بشكل أساسي في الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الجغرافية المجاورة.

وتكتسب اللغة العربية أهميتها من كونها لغة القرآن الكريم، وقد أثر انتشار الإسلام وتأسيسه دولاً خارج الجزيرة العربية، في ارتفاع مكانتها، حيث أصبحت لغة السياسة والعلم والأدب قروناً طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون.

جهود خليجية لحفظ اللغة

في المملكة العربية السعودية، يعتبر مجمع الملك سلمان العالمي درة تاج الجهود التي بذلتها المملكة طوال سنوات لحفظ لغة الضاد، التي تكتسب عالميتها من كونها لغة القرآن الكريم.

كما توجد أقسام للغة العربية في الجامعات لتعزيز حضورها على حساب اللهجات المحلية وبحث القضايا التي يمكن أن تؤثر في مكانة اللغة.

وفي الإمارات، أطلقت إمارة دبي، عام 2012، "ميثاق اللغة العربية"، الذي يهدف إلى تعزيز وضع اللغة والتركيز على مكانتها في المجتمع، وليكون مرجعاً لجميع السياسات والقوانين المتعلقة بحماية اللغة العربية، وتعزيز استخدامها في الحياة العامة.

كما تم تأسيس معهد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في "جامعة زايد"، والذي يستقبل طلبة من جامعات عالمية متخصصة لتعلم اللغة العربية في الإمارات.

وأنشأت دبي أيضاً كلية للترجمة بالجامعة الأمريكية، وأطلقت "معجم محمد بن راشد للغة العربية المعاصرة"، عام 2015، والذي يصدر نسخة سنوية، إلى جانب "جائزة محمد بن راشد للغة العربية".

إلى جانب ذلك، تحاول مبادرة "بالعربي"، التي تمتد أسبوعاً من كل عام، الاحتفاء باللغة العربية في يومها العالمي، الذي يحل في 18 ديسمبر، وهو اليوم الذي اعتُمدت فيه "العربية" لغة رسمية من جانب الأمم المتحدة عام 1973.

وتشجع المبادرة على استخدام اللغة العربية فقط في جميع وسائل التواصل الاجتماعي، من تويتر وفيسبوك وإنستغرام، طيلة اليوم العالمي للغة العربية.

وفي دولة قطر، قاد وزير الثقافة السابق وزير الدولة حمد بن عبد العزيز الكواري، مبادرة "معاً لدعم اللغة العربية" أواخر العام الماضي، لدعم لغة الضاد وتمكينها في المجتمع.

وكانت المبادرة تهدف للتأكيد على مسؤولية الجميع في تعلم ونشر اللغة العربية بدءاً من الأسرة مروراً بالمدرسة ووسائل الإعلام وباقي مؤسسات الدولة، مؤكدة أن "أي أمة بلا لغة خاصة بها أمة ضعيفة بلا هوية، يسهل احتواؤها".

كما أصدر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل الثاني، مطلع 2019، قانون "حماية  اللغة"، الذي يلزم كافة الجهات الحكومية وغير الحكومية بحماية ودعم اللغة العربية في كافة الأنشطة والفعاليات والأبحاث والإعلانات بكافة أنواعها، وتغريم المخالف 50 ألف ريال (نحو 14 ألف دولار).

كما أقرت الكويت أيضاً قانوناً لحماية اللغة العام الماضي، وألزمت المؤسسات العامة والخاصة بالعمل بها في مختلف شؤونها، وهو ما حدث كذلك في سلطنة عُمان.