خاص الموقع

رونالدو في النّصر.. استثمار أم استنزاف؟!

في 2023/01/10

(فؤاد السحيباني\ راصد الخليج)

لا تفعل حوادث الصّراع الإنساني شيئًا كثيرًا لغير المنخرطين فيها مباشرةً، أو المتأثّرين بها بسبب علاقاتهم بأحد أطرافها، سوى أنّها تُعيد قرع أجراس الإنذار بالحقائق الكبرى لإستراتيجيات الدول، ودون نكهة الخطاب السياسي المعسول والمعتاد، والحرب الروسية في أوكرانيا يُمكن لها أن تترافق بعبارة واضحة، وضع فيها الشاعر الإنجليزي روديارد كبلينغ فيها خلاصة التّجربة والخبرات، وهي أنّ الشّرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا.

ورغم النّظرة العربيّة التقليديّة إلى روسيا كواحدة من القوى الأوروبية الكبرى، إلّا أنّ الحرب، وقد ترافقت مع خطاب كراهية غربي عنيف وغير مسبوق، كشفت أنّ أوروبا شعوبًا وحكومات لا ترى في روسيا قوّة غربية بالأصل، ومع ارتداد هزّات الصّدام العسكري إلى الشّارع الأوروبي اقتصاديًا واجتماعيًا، وبالتّوازي مع الخلاف المذهبي بين روسيا وأوروبا، فقد وجدت حقيقة الكراهيّة طريقها من ظلمة القلب إلى الألسنة والإذاعات والشّاشات، بشكل حول الصّراع كلّه من شبه حرب أهلية تجري في دول كانت تنضَوي تحت لواء إمبراطوريّة واحدة، إلى أحدث حلقات الصّراع الحضاري بين الشّرق والغرب.

دهست تطوّرات الموقف والحقائق الظّاهرة للعيان كل ما كان يُقال عن إمكانيّة الاستعانة بالأجنبي في التّطوير والتّحديث في أي بلد، بخلاف الغرب، وصارت القاعدة الأولى والأهم هي أنّ امتلاك القَدر اللّازم من الاعتماد على النّفس، في كلّ مجالات الحياة، هي الشّرط الضّروري للنّجاة، وللتّقليل من آثار النّزاع وانعكاسه على المجتمع، وأنّ الغرب في موقفه المأزوم الحالي لن يصدر لنا سوى الأزمات، بدلًا من أن تنفجر في وجهه.

لم تصنع الحرب الروسية في أوكرانيا أزمات جديدة من الفراغ، ولا هي خلقت أوضاعًا جديدة للحركة والتّأثير على السّاحة الدّولية، ثمّ أنّها لم تصل بنيرانها مباشرة إلينا بعد، كلّ ما فعلته أنّها سرّعت انكشافًا كان موجودًا، وكشطت قشرة الطّلاء الزائف عن الحكومات العربيّة، فإذا بها كلّها تستوي في الفشل والعجز، عجز عن إدراك أوضاعها الحقيقيّة، ثمّ عجز أمر عن التّعامل مع الحقائق أو الأزمات.

وإذا كان من النّادر أن تختصر صورة أو موقف عصرًا بكامله، أو تختزل فيها كلّ أزماته وأسلوب إدارته وحكمه، فإنّ الوسط الرياضي السّعودي كان على موعد مع هذه الصّورة الفارقة بنجاح نادي النّصر في استقطاب النّجم البُرتغالي كريستيانو رونالدو إلى صفوفه، في صفقة تعدّ الأغلى على الإطلاق بالنّسبة للاعب كرة قدم، فقط كي يلعب في الدوري السعودي.

سيحصل اللّاعب البُرتغالي، الذي فسخ نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي عقده، حين لم يجد فيه رحيق النّجم الذي كانَه يومًا، على 200 مليون يورو في كلّ موسم بقميص النّصر، ودون الانزلاق إلى تصوّر الرّقم بسيطًا أو عاديًا، فإنّ 3 من نجوم اللّعبة والأفضل في تاريخها على الإطلاق لا يحصلون معًا على هذا الرّقم الخيالي، وهم الفرنسي كيليان مبابي والأرجنتيني ليونيل ميسي والبرازيلي نيمار دا سيلفا، يحصل كلّ منهم على 1.16 و1.12 و0.702 مليون يورو أسبوعيًا مع باريس سان جيرمان الفرنسي، والمملوك أيضًا عربيًا.

والتّجربة التّعيسة للنّجم البُرتغالي في ناديين سابقين، يوفنتوس الإيطالي ثمّ مانشستر يونايتد الإنجليزي، تكشف عن ما يُمكن أن يقدّمه للنّصر، في الحقيقة سيقدّم اهتمامًا إعلاميًا بلحظاته الأولى على الملاعب، ربّما يستمر الأمر أسبوعًا أو شهرًا، ثمّ ستعود الكاميرات والفلاشات إلى ملاعب أوروبا لتنقل إلى جماهيرها بطولات أُخرى، الدّوريات الكُبرى ودوري الأبطال، ولن يُصبح الدّوري السعودي أحدها يومًا، بسبب لاعب واحد.

غاب التّخطيط عن رؤوس من يملكون التصرّف والقرار في المملكة، فخدرهم وعي زائف بأنّ صفقة مدوية قد تستطيع صناعة واقع جديد، بغير أُسس ولا سنوات طوال من العمل الجاد والعمل الشّاق، فوصلنا إلى هذه اللّحظة التي ينقل فيها الإعلام الأوروبي أخبار انتقال رونالدو بمزيج من السّخرية والاستغراب، والأغرب أنّه بدلًا من الدّعاية الرّياضية المُنتظرة، تحوّلت المملكة إلى هدف سهام الحِقد والهجوم الغربي.

في الحقيقة، يُمكننا وضع فارق أوّلي وبسيط بين الدّولة النّاجحة أو الفاشلة عبر معيار التّخطيط، فالدولة الفاشلة تتحرّك أوّلًا ثمّ تفكّر في موقعها الجديد، أمّا الدّولة النّاجحة فتقوم خطواتها أصلًا على تخطيط وإستراتيجيّة وأهداف، وبالتّالي فإنّها غالبًا تتجنّب المُفاجآت غير السّارة، وتقلّل في الوقت ذاته من التّكاليف، ومهما كانت وعورة الطّريق أو دقّة الظّرف، فإنّها ستجد غالبًا البدائل والحلول المقبولة. 

والدّوَل الكبرى، أو القوى الفاعلة في عالمنا اليوم، تقوم أوّل ما تقوم على وضع أهداف إستراتيجيّتها العُليا، وهذه الإستراتيجيّة لا يغيّرها رحيل حاكم أو مجيء آخر، فهي قد تقرّرت بحقائق الجّغرافيا وفهم دروس التّاريخ والقراءة الواعية للظّرف الموضوعي للأمّة، والتّفكير الإستراتيجي –بشكلٍ عام- يمنح الحاكم الذّكي ميزة مهمّة، وهي أنّه يرى الهدف على طول الطّريق، مهما اضطرته المواقف الطّارئة أو المفاجآت غير السّارة على سلوك طريق يدور مبتعدًا، لكنّه في كلّ حال، يمضي للأمام ونحو الهدف، ويتلافى العوائق الظّاهرة.