سياسة وأمن » تصريحات

تصعيد برلماني واستقالة للحكومة.. لماذا يتكرر المشهد ذاته بالكويت؟

في 2023/01/25

يوسف حمود - الخليج أونلاين- 

بعد نحو ثلاثة أشهر على تشكيلها، وجدت الحكومة الكويتية نفسها مضطرة إلى تقديم استقالتها على خلفية صدام جديد مع البرلمان، في مشهد بات- على ما يبدو- اعتيادياً بالدولة الخليجية التي تعيش حراكاً سياسياً لا يتوقف.

ورغم دخول عام 2023 بحالة من الهدوء والاستقرار السياسي، جراء التوافق بين مجلس الأمة (البرلمان) والحكومة، بعد أزمات عاصفة شهدتها العلاقة بينهما طوال العامين الماضيين، فإن الأمر لم يطل كثيراً ليعود المشهد ذاته؛ ما قد يؤدي إلى الشلل التام وانسداد أفق الحلول السياسية.

ورغم تميز الكويت بهامش مرتفع نسبياً من الحريات السياسية، وتفردها عن دول الخليج بتاريخ برلماني يمتد منذ ستينيات القرن العشرين، فإن مواجهات البرلمان والحكومة تنتهي دوماً بالاستقالات والنزاعات ووصول الأمر إلى تدخل أمير البلاد للفصل فيها أحياناً عبر حل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات جديدة، فلماذا يتكرر المشهد ذاته دوماً؟

استقالة جديدة

على الرغم من أنه لم يمضِ على تأديتها اليمين الدستورية أمام ولي عهد الكويت سوى 3 أشهر و6 أيام، لجأت الحكومة الكويتية برئاسة الشيخ أحمد النواف الصباح، إلى تقديم استقالتها إلى القيادة السياسية.

وقالت وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، (23 يناير 2023): إن "رئيس مجلس الوزراء يحيط مجلس الوزراء علماً برفع كتاب استقالة الحكومة إلى سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح"، وتسلم الأخير إياها رسمياً في اليوم التالي.

ونقلت صحيفة "القبس" المحلية عن مصادر، قولها إن الحكومة قدمت استقالتها؛ بسبب تمسُّك الحكومة بموقفها من الأزمة السياسية الأخيرة، ورفضها تقديم أي تعهدات للنواب في ما يتعلق بالقوانين الشعبية.

وتأتي هذه التحركات مع قرب جلسة لمجلس الأمة، (24 يناير)، لاستجواب وزير المالية عبد الوهاب الرشيد؛ لمناقشة عدد من القضايا من ضمنها مسألة "القروض".

وتصاعد الخلاف بين السلطتين بعد مطالبة النواب بتمرير عدد من القوانين، خاصةً المالية منها، والتي يعارضها مجلس الوزراء ويريد تأجيلها.

وكانت جلسة الـ10 من يناير، شهدت مناقشة عديد من القوانين المدرجة على أعمالها؛ أبرزها سداد القروض من الاحتياطي العام للدولة، وسدادها عن طريق اقتراض الدولة بفائدةٍ قدرها 5% على إجمالي القروض، والتي تسببت في مغادرة وزراء للجلسة وتعليق جلسة البرلمان.

تكرار الاستقالات

في السنوات العشر الماضية، تكررت استقالات الحكومة بعد تعرضها لاستجواب من قبل مجلس الأمة في البلاد، بينما تم حل البرلمان مرة واحدة خلال العقد الأخير.

وتم تشكيل حكومة جديدة في ديسمبر 2021، تضمنت دخول ثلاثة نواب من كتلة الـ31 المعارضة آنذاك إلى التشكيل الحكومي، وأدت اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة في 4 يناير 2022.

لكن في أبريل من العام الماضي، أجبر رئيس الوزراء على تقديم استقالة الحكومة، قبل يوم واحد من موعد التصويت على طلب عدم التعاون مع مجلس الأمة.

وخلال شهرين دون تشكيل حكومة جديدة، اكتفى أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح، بتكليف الحكومة بتصريف الأعمال، قبل أن يعلن في يونيو إنهاء الأزمة السياسية والاستجابة للمطالب النيابية، بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات عامة.  

وفي 24 يوليو الماضي، كُلف نجل حاكم البلاد، الشيخ أحمد النواف، بتشكيل الحكومة الجديدة، ما منح أملاً بخروج البلاد من الأزمات السياسية الحادة التي مرت بها في العامين الماضيين، واستمرت حكومته إلى أكتوبر حين لاقت اعتراضات كثيرة دفعت إلى إعادة تشكيل حكومة جديدة بالرئيس نفسه وإعلانها في 17 أكتوبر من الشهر ذاته.

وقبل أزمة كورونا، كانت الحكومة قد استقالت عام 2019 مرتين؛ الأولى بسبب استجواب لوزيرة الأشغال العامة وزيرة الدولة لشؤون الإسكان جنان رمضان، والثانية على خلفية استجواب لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ خالد الجراح.

وكذلك استقالت الحكومة في عام 2017 بعد طلب استجواب وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء وزير الإعلام بالوكالة الشيخ محمد العبد الله، بينما استقالت حكومة الشيخ ناصر المحمد الصباح وحل مجلس الأمة عام 2013 في أعقاب استجواب مقدم لرئيس الوزراء.

غياب الاستقلالية

حول التساؤلات عن أسباب تكرر مشهد استقالات الحكومة الكويتية، يرد المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات عبد العزيز العنجري، بقوله: إن ما يحدث "نتيجة لأمور كثيرة، منبعها تساؤل صريح نحتاج للإجابة عنه: هل نحن بلد مؤسسات مستقلة يحكمها دستور؟ أم نحن بلد بإدارة أبوية تحنو وتلين أحياناً على الرعية، كما تقسو وتشد أحياناً عليهم؟".

ويجيب العنجري في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، بقوله: إن مشكلة الكويت "أكبر من حكومة ومجلس وشعب".

ويوضح قائلاً: "مشكلتنا غياب الاستقلالية في القرار لدى السلطات الدستورية ووجود تدخلات مستمرة في أعمالها، أضعفت كل ذي منصب تنفيذي بالدولة نزولاً من الوزراء، وبالتبعية باقي المسؤولين".

ويرى أن الجميع في الكويت "يشكو ويتذمر، ولا يمكننا إلا أن نتوقع استمرار مشاهد شبه مكررة"، مضيفاً: "العله بالنهج.. نهج الدولة".

كما يرى أن المشهد السياسي بالكويت "يكتنفه حالياً غموض شديد بسبب غياب الشفافية والوضوح، وانعدام التواصل مع الشعب حول (مشروع الرؤية)".

ويعتقد أن هذا التجاهل "أدى إلى تعامل الشعب مع البلد كبلد يفتقر إلى الرؤية"، معتبراً ذلك "شيئاً محزناً وخطيراً بالوقت نفسه".

ويضيف: "الناس لا يمكنها أن تدعم أو تؤيد السراب.. كما لا يمكننا المشي بالظلام بدون نور أو مرشد او دليل"، مضيفاً: "ما قد يكون بين الضلوع وفي أذهان أصحاب القرار من رؤى وأفكار إيجابية للكويت، خافٍ عن الشعب، وجهل الشعب بالمسار المرسوم والوجهة المحددة والنوايا المعقودة له، سيزيد المشاكل".

محاولات لتهدئة الأجواء

كان العام الماضي (2022) بدأ بهدوء نسبي فرضته أجواء جلسات ما عُرف بـ"الحوار الوطني" بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعد دعوة أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد له، في سبتمبر 2021، وتم خلاله حل مجلس الأمة في يونيو الماضي، لتهدئة الأجواء والدعوة إلى انتخابات أقيمت لاحقاً في العام ذاته.

وتلا ذلك الحوار صدورُ مرسوم أميري في نوفمبر، بالعفو عن مداني قضية دخول واقتحام مجلس الأمة، في مقدمتهم النواب السابقون مسلّم البراك وفيصل المسلم وجمعان الحربش (نوفمبر 2021).

وفي نوفمبر من العام الماضي، أصدر أمير الكويت مرسوماً بشأن عفو خاص عن بعض الجرائم التي ارتكبها مواطنون كويتيون، والتي تشمل أي "عمل عدائي ضد دولة أجنبية، وإذاعة أخبار كاذبة، والطعن بحقوق الأمير، والإساءة للقضاء، وإساءة استعمال هاتف"، حيث وصل عدد من تم العفو عنهم إلى نحو 800 شخص.

كما صدر مرسوم أميري آخر في يناير الجاري، بالعفو عن مدانين بأحكام بالسجن في "إطار مصالحة وطنية"، حيث نص على "العفو عن العقوبة المقيدة للحرية المحكوم بها على بعض الأشخاص" من المقيمين في الداخل والخارج، بينهم عدد من أعضاء الأسرة الحاكمة.