خاص الموقع

هل يبدّل الخليج دوائر أمنه الإقليمي؟

في 2023/01/31

(أحمد شوقي\ راصد الخليج)

مع احتداد الصّراع الدولي وتحديث موازين القوى العسكرية والاستراتيجيّة، تحدث دومًا تعديلات في التّحالفات وأنماط التكتّلات، والتي تتفاوت بين التفاتات حادة أو تعديلات بسيطة، وفقًا لاسراتيجيّات الأنظمة وتوجّهاتها.

ولأنّ الأنظمة الخليجيّة ليست أنظمة ثوريّة ولم تُحدث تغيّرات حادّة أثناء توارُث الحكم، من النّوع الذي يُحدث انقلابات استراتيجيّة في التّحالفات، أو بلورة لرؤى جديدة للأمن القومي، فقد تميّزت تحالفات الخليج بالاستقرار مغاير لغيرها، واقتصرت التّغييرات على الدّوائر الإقليميّة، بينما ظلّت تحالفاتها الاستراتيجيّة الدّولية ثابتة.

فبينما خضع الخليج تقليديًا لنمط اتّفاق كوينسي بالتّحالف الاستراتيجي مع الولايات المتّحدة، تغيّرت تحالفاته الإقليميّة وفقًا للتغيّرات الثوريّة بالإقليم، مثل الطبيعة المتوتّرة في العلاقات مع مصر عبد الناصر والتّحالف مع ايران الشاه، والتي انعكست بخصومة مع ايران الثورة الاسلامية وتحالف مع مصر ما بعد عبد الناصر.

ويتردّد الآن صدى تراجع العلاقات مع مصر، حيث تنتشر التقارير التي تُفيد بعزوف الخليج وخاصّةً السعودية والكويت، عن تقديم المزيد من المساعدات للنّظام المصري، وسط أجواء من الهجوم الاعلامي المصري على المملكة، وهو مؤشّر هام بلحاظ عدم استقلالية الإعلام المصري، ناهيك عن التوتّرات والتّراشقات على مواقع التّواصل الاجتماعي.

ويرجع بعض المراقبين أسباب هذا التّراجع إلى شعورالخليج بعدم الاستفادة من مصر وخاصّة، من الجيش المصري في المنطقة، وأنّ الخليج راهن بمساعداته لمصر على الاستقواء بجيشها في نفوذه بالإقليم وحروبه في اليَمن ووضع قوّتها المسلّحة في حسابات مبارزاته الاستراتيجيّة بالإقليم مع ايران وغيرها.
وهنا نرى بعض الظّواهر المستجدّة والتي تَشي ببعض التّعديلات، حيث تمّ إحياء الصّداقة مع دولة مثل باكستان بشكلٍ لافت، وهو ما رصدَه محلّل أمريكي هام مثل سيمون هندرسون بمعهد واشنطن.

حيث علّق هندرسون على زيارة الجنرال عاصم مُنير رئيس هيئة الأركان الباكستاني الجديد للسعوديّة والامارات، تعليقًا لافتًا وخطيرًا، حيث قال أنّ التّصريحات الرّسمية بشأن "التّعاون العسكري والدّفاعي" قد تنطوي على تبادل التكنولوجيا النوويّة والصاروخيّة.

وقال هندرسون أنّه لم تمضِ ستّة أسابيع على تعيين الجنرال عاصم منير رئيساً لهيئة أركان الجيش الباكستاني، أي قائداً لجيش البلاد القوي والوصي على أسلحتها النّوويّة، حتّى سافر إلى الرياض في 5 كانون الثاني/يناير لإجراء محادثات مع وزير الدّفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان آل سعود. وفي 9 يناير/كانون الثاني، توجّه إلى الإمارات العربية المتّحدة لإجراء محادثات مع الرئيس محمد بن زايد وكبار مسؤولي الأمن الوطني في البلاد.

مُضيفًا، أنّه،غالباً ما توصف العلاقة بين السعودية وباكستان على أنّها أشبه بالرّابط بين "العم الغني وابن الأخ الفقير"، إذ يبدو أنّ إسلام أباد دائماً ما تنظر إلى الرّياض للحصول على الدّعم المالي لدعم اقتصادها المترنّح. وينطبق هذا الأمر اليوم بشكلٍ خاص مع تفاقُم أزمة ميزان المدفوعات التي تلوح في الأفق في البلاد بسبب رفض الحكومة القبول بشروط "صندوق النّقد الدولي" لخطّة الإنقاذ. أمّا ورقة المساومة الرئيسيّة لإسلام أباد مع السعوديّة فهي التّعاون العسكري، الذي تضمّن سابقاً نشر لواء من الجيش في الجزء الشّمالي الغربي من المملكة بمواجهة إسرائيل، والمساعدة في التّصنيع المحلّي للصواريخ الصينيّة المتوسطة المدى، وربّما نقل تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم. وفيما يتعلّق بالبند الأخير، كان العالم النّووي الباكستاني الرّاحل، عبد القدير خان، يزور المملكة بصورة متكرّرة.

وهناك بُعد آخر أكثر تعقيدًا لهذه المستجدّات، حيث تشكّل الروابط العسكرية الوثيقة بين باكستان والصين عاملاً آخر يجذب اهتمام الرياض، وقد تكون العلاقات مع الصين قد أثّرت أيضاً على مناقشات الجنرال منير في الإمارات العربية المتحدة، حيث ردّد المسؤولون أحياناً تشكيك السعوديين في موثوقية الدّعم الأمريكي. فقد غضبت واشنطن في عام 2021 عندما اكتشفت أنّ الصين كانت تبني سراً منشأة عسكرية في الإمارات. وأشار بيان صادر بعد الاجتماع الإماراتي الباكستاني في 9 كانون الثاني/يناير إلى أنّ الحاضرين بحثوا في العمل المشترك حول الشؤون الدّفاعية والعسكرية.

أمّا باكستان فهي تعتبر علاقاتها مع دول الخليج العربيّة مهمّة للغاية، ولكن لا تزال الهند، التي تشكّل منافساً نووياً لها، مصدر القلق الأكبر في سياستها الخارجية، لذلك فإنّ إسلام أباد تراقب حتماً عن كثب الودّ المتزايد والعلاقات المتوسّعة بين الخليج ونيودلهي.

فهل تتخلّى السعوديّة مثلًا عن علاقاتها بالهند لارضاء باكستان والصين وتستبدل رهانها على مصر بباكستان؟ وهل تتغيّر الدّوائر الأمنيّة بحيث يختفي الأمن القومي العربي من دوائر الأمن الخليجيّة؟

ربّما وجدنا بوادر لهذه التّعديلات بعد عقد ثلاث قِمم في الرّياض مع الصين، أحدهم صيني خليجي وأحدهم صيني عربي وأحدهم صيني سعودي، وهو ما يعني اختلاف المسارات وعدم وحدتها، وخاصّةً أيضًا في ظلّ غياب حضور رئيس الامارات  للقمم، وعقد لقاءات تشاوريّة في الامارات بغياب سعودي.