سياسة وأمن » لقاءات

"أول مسؤول خليجي".. ما دلالات زيارة وزير الخارجية السعودي إلى أوكرانيا؟

في 2023/03/02

متابعات-

تتجنب معظم الدول الحليفة لواشنطن في الشرق الأوسط، ومن ضمنها السعودية، اتخاذ مواقف قد تنعكس سلباً على اقتصاداتها، ومن ثم فقد كان من أبرز المواقف في الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ عام هو الحياد.

وعلى الرغم من الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية السعودي إلى العاصمة الأوكرانية كييف كأول مسؤول خليجي كبير يزور هذا البلد، فإن لغة الدبلوماسية والدعوة لإنهاء الحرب كانت مضمون ما جاء عن بن فرحان، الذي أكد دعم بلاده لما يصب في خفض حدة التصعيد.

وعلى غير المتوقع، فاجأ وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، الجميع، بزيارة قام بها إلى العاصمة الأوكرانية كييف (26 فبراير 2023)، ولقائه الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، ورئيس أركانه أندريه يرماك، ونظيره الأوكراني دميترو كوليبا، فضلاً عن مسؤولين آخرين.

وجرى خلال اللقاء مع كوليبا مناقشة مستجدات الأزمة في أوكرانيا، مع تأكيد دعم المملكة لكل ما يسهم في خفض حدة التصعيد، وحماية المدنيين، والسعي الجاد نحو الحلول السياسية التفاوضية، ودعم كل الجهود الدولية الرامية لحل الأزمة سياسياً.

وقال الوزير السعودي إن الزيارة ركزت على تخفيف المعاناة عن الشعب الأوكراني، معلناً تقديم بلاده حزمتي مساعدات بقيمة 410 ملايين دولار لأوكرانيا، تم التوقيع عليها خلال الزيارة.

فيما ذكر مدير مكتب الرئيس الأوكراني أن بلاده تعول على دعم السعودية لعملية السلام، وكان لها دور ووساطة في تحرير 10 أسرى حرب، مضيفاً أن المملكة "تعرضت مواقعها النفطية لاعتداء من المسيرات الإيرانية، ونحن يومياً نتعرض لها في أوكرانيا".

ولعل اللافت في الأمر أن هذه الزيارة هي الأولى لوزير خارجية سعودي إلى أوكرانيا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل 30 عاماً.

إشادة أمريكية

ويبدو أن هذه الزيارة أسعدت الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت وما تزال تبحث منذ نحو عام عن تحول في الموقف السعودي إزاء الحرب، والوقوف إلى جانبها ضد موسكو.

ورحبت واشنطن بزيارة بن فرحان إلى كييف، حيث قال متحدث مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، إن "الولايات المتحدة ترحب بإعلان السعودية تقديم 400 مليون دولار مساعدات إنسانية لأوكرانيا"، واصفاً المبادرة السعودية تجاه أوكرانيا بالإيجابية.

وأضاف، خلال مؤتمر صحفي، أن "الدعم السعودي للشعب الأوكراني خطوة مهمة"، مشيراً إلى أن المملكة "شريك استراتيجي لأمريكا منذ 8 عقود".

كما أوضح كيربي أن "الإدارة الأمريكية تركز على أن تخدم علاقاتها مع السعودية مصالح الولايات المتحدة"، معرباً عن أمله في رؤية مزيد من الشراكة بين البلدين خلال الأشهر المقبلة.

حيادية ووسيط

يرى الأكاديمي والباحث السياسي د.عايد المناع، أن زيارة وزير الخارجية السعودي هي لتأكيد المؤكد، "بحيادية مجلس التعاون الخليجي وحرصه على أن يكون وسيط خير لحل الصراع الروسي الأوكراني أو الغربي الروسي".

ويشير إلى أن السعودية ودول مجلس التعاون جميعها "أدانت الغزو الروسي، وأعربت عن أملها ألا يتم التصعيد في هذا الأمر"، ودعت إلى التوصل إلى حل سياسي ينهي الخلاف الروسي الأوكراني، ولا تزال تبذل مجهوداً في هذا الجانب، حسب حديث المناع لـ"الخليج أونلاين".

لكنه يشير في ذات الوقت إلى أن الموقف الخليجي من روسيا "موقف صديق لكونها عضواً في أوبك بلاس، وعلاقتها طيبة مع دول مجلس التعاون"، مضيفاً: "ومن ثم نتفهم هواجسها الأمنية كأمن قومي، لكن لا أحد يقر الغزو والاحتلال مهما كانت المبررات من دولة مستقلة لدولة أخرى مستقلة".

ويعتقد أن الزيارة جاءت "كتضامن سعودي خليجي مع حق الشعب الأوكراني في حريته واستقلاله ودعمه فيما هو ممكن"، وفي ذات الوقت شرح موقف الحيادية الذي اتخذته دول مجلس التعاون الخليجي،  بأنه "من أجل أن تكون وسيطاً موثوقاً به من الأطراف المتنازعة للعمل على الحل".

ويلفت إلى أن المملكة "نجحت مع دول في مجلس التعاون في إخراج سجناء لدى الروس، وإخراج مواطنين أجانب أيضاً".

ويجدد قائلاً: "لذلك فإن رسالة الوزير السعودي تقول إن حيادنا في مجلس التعاون الخليجي لا يعني قبولنا بالغزو، بل من أجل وساطة تكون مقبولة من أطراف الصراع".

أما عبد العزيز محمد العنجري، المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز ريكونسنس للبحوث والدراسات، فيؤكد أن السعودية "تؤمن بأهمية العلاقات والمصالح المشتركة مع جميع أطراف الأزمة الروسية الأوكرانية"، لافتاً إلى أن الرياض منذ بداية الأزمة "قررت عدم الانحياز لأي طرف، رغم محاولات الغرب سياسياً وإعلامياً التأثير على موقفها".

ويشير، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن تنسيق الأعضاء في "أوبك بلس" بقيادة السعودية وروسيا "أثبت نجاحه في المحافظة على الاتزان في السوق البترولية، ومنع أي هزات تؤثر على الاقتصاد العالمي".

ويضيف: "بعقلانية وهدوء توسطت السعودية في إطلاق أسرى تلك الأزمة ونجحت، كما قدمت مساعدات إنسانية حيث جاءت زيارة وزير الخارجية السعودي لكييف لتوقيع تفاهمات حول إيصال هذه المساعدات وبعض التفاهمات الإنسانية".

وتابع: "ما زالت السعودية في الوقت ذاته تفتش عن حلول سلمية لإنهاء الأزمة وتخفيف تبعاتها على العالم، ولدعم وترسيخ السلام الدولي. فالمملكة مهتمة بالتركيز على الجانب الإنساني بعيداً عن الصراعات السياسية".

ويعتقد أن الرياض في "موضع جيد جداً الآن لتكون وسيط الأزمة، في وقت فشلت فيه كثير من البلدان الغربية التي غابت عن دور التهدئة".

ويؤكد أن هذا الموقف السعودي "المتزن قد يكون مستقبلاً أساساً لربط الحوار بين أطراف الأزمة وإيجاد منطقة تفاهم وحل".

توترات بسبب الحرب

منذ اندلاع نيران الحرب الروسية الأوكرانية، في فبراير 2022، وقفت دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، على الحياد فلم تنحز إلى أي طرف، سواء إلى الولايات المتحدة وفريقها الأوروبي أو إلى روسيا وحلفائها.

ورغم التزام دول الخليج بهذه السياسة فإن واشنطن قرأت سابقاً ذلك تقارباً مع موسكو ودعماً لها، خاصة في ظل التحالف النفطي القائم بين هذه الدول العربية وموسكو تحت مظلة مجموعة "أوبك+".

وروجت أمريكا فكرة انحياز دول الخليج، خاصة السعودية، نحو روسيا بعد قرار تحالف "أوبك+" في أكتوبر الماضي، بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، وهو ما رأت فيه واشنطن دعماً لحرب موسكو ضد كييف.

ووصفت واشنطن حينها في بيان للبيت الأبيض القرار بالخاطئ، وقالت إنه قصير النظر ويعني اصطفاف السعودية إلى جانب روسيا، وتمويل حربها على أوكرانيا، وأعلنت أنها ستعيد تقييم العلاقات مع الرياض وفق مبادئها.

وعلى الرغم من إعلان الرياض وقتها تقديم 400 مليون دولار مساعدات لأوكرانيا، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، إن "المساعدات لأوكرانيا لا تلغي قرار منظمة أوبك بلس بخفض إنتاج النفط".

وردت الخارجية السعودية في بيان قائلة، إن المملكة لا تقبل إملاءات، وترفض تحوير قراراتها الاقتصادية الرامية لضبط أسواق الطاقة العالمية.