علاقات » صيني

العرّاب الصيني ودوافع طهران والرياض

في 2023/06/24

د. عماد آبشناس- 

ربما كانت المصالحة الإيرانية السعودية في الصين مفاجأة للعديد من المتابعين، خاصة أن الأميركيين والإسرائيليين كانوا يسيرون في مشروعهم المعروف بـ«اتفاقيات أبراهام». ولكنّ المتابعين للكواليس كانوا على علم بأن الخبراء الإيرانيين والسعوديين عملوا لفترة تصل إلى ثلاثة أعوام كي يصلوا إلى صيغة لهذه المصالحة.

وأهم ما في الأمر هو أن الجانبين اتفقا على التكتم على اللقاءات حتى الوصول إلى نتيجة، وهذا الأمر، بحد ذاته، أعطى مجالاً لكسب الثقة بين الجانبين.

في هذه اللقاءات التي جرت على مستوى الخبراء، عدا ستة أخرى، سعى الجانبان لكي يجدا حلولاً للخلافات بشكل يُرضي الطرفين، ويشكّل صيغة للتفاهم على خلافاتهما في المنطقة أيضاً. وإضافة إلى ذلك، فإن الهدف الأساسي كان في التوصّل إلى صيغة للعمل المشترك لتأمين أمن المنطقة بشكل عام.

وعملياً، بدأت هذه اللقاءات بعد أن قام الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني بإرسال رسالة عبر الكويت إلى الدول الخليجية يدعوها إلى تأمين أمن المنطقة عبر التعاون الإقليمي.

ولا يمكن إنكار أن ما سرّع التوصّل إلى التفاهم، كان ما حدث في العالم بعد العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا، وما تبعها من ظروف دولية أكدت بأن العالم سائر إلى التعدّدية القطبية، ولن تعود الولايات المتحدة هي الحاكمة في عالم أحاديّ القطب.

وكما كان عليه الأمر في الحرب الباردة، فإن غالبية الدول ستُضطر إلى الدخول في أحد التحالفات، إمّا لصالح الشرق أو لصالح الغرب، ولكن مصلحة دول المنطقة تستدعي أن تلتزم الحياد نوعاً ما ولا تدخل في صراعات الأقطاب كأطراف، ربما كما كان الحال في ظروف الحرب الباردة وتشكيل منظمة «عدم الانحياز».

وربما يمكن القول إن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وعدم إمكان التوصّل لاتفاق سياسية معها لحل الخلاف، من جهة، ومحاولة الولايات المتحدة فرض إرادتها على الدول الخليجية كي تقوم بضخ البترول الرخيص في الأسواق لمصلحة واشنطن وضد مصالح هذه الدول، من جهة أخرى، إضافة إلى ما رآه المجتمع الدولي من قيام الولايات المتحدة بالتضحية بأوكرانيا والشعب الأوكراني لأجل مصالحها، كانت أهم الأمور التي جعلت دول المنطقة تفكّر في أنه آن الأوان كي تحل خلافاتها في ما بينها وتُخرج المنطقة من الهيمنة الأميركية.

وهنا لا يمكننا إلا أن نذكّر بأن العديد من التقارير الأمنية أكدت أن الكيان الصهيوني يسعى في ضربة ما ضد إيران عابراً أجواء الدول الخليجية، وبمباركة أميركية، كي يشعل فتيل حرب بين إيران وهذه الدول وتكون هذه المرة أضحية إسرائيل والولايات المتحدة.

وفي هكذا ظروف، فإنّ المنطقة تحتاج إلى حلحلة الخلافات وبدء صفحة جديدة من التعاون الإقليمي لتشكيل نوع من التحالف يضم كل دول المنطقة وتتولى هي تأمين أمن المنطقة بالشراكة.

والمهم أن الأولوية لهذه الدول باتت اليوم تأمين التنمية الاقتصادية لدولها وشعوبها وتجنيبها حروب الغير وصراعاته. وفي هذا السياق نرى أنّ أول زيارة رسمية تحصل على مستوى عالٍ بين الجانبين هي زيارة وزير الاقتصاد الإيراني للرياض وزيارة وفد اقتصادي سعودي لطهران.

وربما يسأل البعض ما هي مصلحة الصين في تقريب وجهات النظر بين الجانبين؟بالتأكيد، إن دور العرّاب الصيني في هذا السياق كان مهماً جداً لأن الصين كان بإمكانها تقديم ضمانات للجانبين الإيراني والسعودي لم تكن ممكنة من قبل باقي الوسطاء مثل العراق أو عمان.

وهناك مصلحة كبيرة بالنسبة إلى الصين في هذه المصالحة تتلخّص في الآتي:

1. بناء وتعبيد «طريق الحرير» التاريخية التي تمرّ عبر أفغانستان وآسيا الوسطى وباكستان وصولاً إلى إيران والعراق وسوريا والبحر الأبيض المتوسط أو تمرّ عبر تركيا وتصل إلى أوروبا.

وهنا يمكن القول إن الصيني عندما يرى ما حصل من حصار تجاري على روسيا من قبل الغرب وقيام إيران بفتح طريق الشمال للجنوب الروسي للتنفس، ينظر إلى أكثر من مئتي قاعدة عسكرية أميركية تحيط بالصين ويتأكّد من أنه إذا ما دخل صراعاً مباشراً مع الأميركيين أو وقع في فخ المواجهة من تايوان، فمن الممكن أن تقوم الولايات المتحدة بحصار للتجارة البحرية والجوية الصينية مستغلة قواعدها البحرية، والطريق الوحيدة التي يمكن أن تكون آمنة بالنسبة إلى الصين يمكن أن تكون طريق الحرير القديمة. ولأجل تعبيد هذه الطريق وتأمين أمنها، فإن الصراع بين إيران والسعودية وحلفائهما في المنطقة يجب أن ينتهي.

2. تأمين أمن الطاقة: حسب معظم الدراسات، فإن الأسواق الأصلية للطاقة خلال الخمسين سنة المقبلة ستكون في شرق آسيا، والولايات المتحدة لم تعد مستورداً للطاقة من الشرق الأوسط، وأوروبا باتت حالياً رهينة للشركات الأميركية التي تفرض عليها شراء النفط والغاز الأميركيين بأكثر من ثمانية أضعاف ما كانت تشتريه من روسيا.

وتحتاج الصين إلى تأمين الطاقة من الشرق الأوسط عبر خطوط أنابيب لا عبر الشحن البحري، لأن الشحن البحري مرهون بإرادة المئتي قاعدة عسكرية أميركية التي تحيط بالصين. من جهة أخرى، فإن الدول العربية المصدّرة للنفط ترى أنها أيضاً تحتاج إلى تأمين نقل الطاقة إلى شرق آسيا عبر ممر بعيد عن القواعد الأميركية، والطريق الوحيدة التي يمكن عبورها هي الطريق الإيرانية.

وثمة أيضاً أمل بأن تستطيع الدول الخليجية مدّ خطوط إمداد لها تجاه أوروبا عبر العراق وسوريا أو الأردن وسوريا، وهذا أيضاً يحتاج إلى وقف الصراعات بين إيران والدول الخليجية وحلفائهما في المنطقة.

وهنا لا يجب أن ننسى اكتشاف حقول كبيرة من الغاز على الشواطئ السورية واللبنانية، وهذا الغاز يحتاج أيضاً إلى طرق كي يصل إلى الأسواق في أوروبا أو شرق آسيا. ولذا نرى أن للصين أيضاً مصلحة كبيرة في إيقاف الصراعات بين إيران والسعودية وحلفائهما في المنطقة.

ويمكن القول هنا إن المتضرر الأكبر من هذا الموضوع هو الكيان الصهيوني الذي يحاول جاهداً عرقلة هذه المصالحة. فحتى الدول التي دخلت في «اتفاقيات أبراهام» وصلت إلى نتيجة بأن هكذا مصالحة ليست من مصلحتها ولن تفيدها بشيء.

لا يجب أن ننسى أن شعوب دول مثل مصر والأردن اللذين طبّعا مع إسرائيل منذ أربعة عقود لا تزال تعتبر الكيان الصهيوني العدو الأول، وكل مساعي الحرب الإعلامية التي بُذلت ضد إيران وجبهة المقاومة خلال السنوات الماضية فشلت في تحويل إيران وجبهة المقاومة إلى عدو في أذهان هذه الشعوب.

إن سياسة الحكومات العربية بدأت بالتغيّر وبدأت تشعر أنه ما من سبب كي تقوم بمواجهة جبهة المقاومة المدعومة من إيران لأجل إسرائيل، في حين يمكنها أن تدخل في مصالحة مع إيران وهذه الجبهة وتتحوّل جهود جبهة المقاومة إلى مواجهة إسرائيل فقط.

من جهة أخرى، فإن هذه الدول ترى بوضوح أنها وعلى الرغم من إفراغ كل خزائنها وذخائرها المالية لمواجهة حلفاء إيران في المنطقة، فإنها لم تستطع تغيير خطوط جبهات الحرب شبراً واحداً خلال سبع سنوات مضت، وفي سوريا فإن الحكومة السورية قامت بحسم الحرب على أرض الواقع، وبدعم من إيران، وهذا يعني عملياً أن كل من تقوم إيران بدعمه في المنطقة ينتصر في النهاية في حين أن من تدعمه إسرائيل والولايات المتحدة يخسر في النهاية.

ولذا، فليس ثمة مانع من أن تجرّب هذه الدول مشروع المصالحة والتعاون الذي تعرضه إيران، وربما يكون هذا الموضوع أكثر فائدة لهذه الدول من تعاونها مع الولايات المتحدة.

في النهاية، تجب الإشارة إلى أنه آجلاً أو عاجلاً، فإن المرحلة الانتقالية السعودية ستبدأ والأمير محمد بن سلمان يريد أن تكون السعودية في ظروف ثبات أمني وعسكري، لأنه يعلم جيداً أن الولايات المتحدة يمكن أن تعرقل المرحلة الانتقالية في حال وفاة الملك سلمان بن عبد العزيز، ولذا فإن من الأفضل له أن يحمي ظهره من الصراعات مع إيران وحلفائها في المنطقة.