ثقافة » مناهج

قراءة صهيونية في مناهج التعليم السعودية: أكثر انفتاحاً واعتدالاً... وأقلّ عداءً لإسرائيل

في 2023/06/24

متابعات- 

ثمانون كتاباً مدرسياً سعودياً أرهقت عقول الباحثين الإسرائيليين العاملين في معهد «مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي» في السنة الأخيرة، إضافة إلى 180 كتاباً آخر في خلال السنوات الماضية، في إطار اشتغال المعهد على مراقبة محتوى الكتب المدرسية، وفحص المناهج الدراسية في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في مناطق الشرق الأوسط، لتحديد ما إذا كانت متوافقة مع المعايير الدولية، ومتّسقةً ومبادئ «التسامح» و«السلام» و«الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي»، وغير منكرة، بالطبع، لـ«الهولوكوست»، أو مشجّعة على «التطرّف والإرهاب». المعهد الذي يعرّف عن نفسه بأنه «منظمة إسرائيلية غير ربحية» مقرّها القدس المحتلّة، يقوم بدراسات مطوّلة حول تلك العناوين، ومن ثمّ يبني عليها توصيات تُرفع إلى المنظّمات الدولية المعنيّة بالتعليم والثقافة، لتقرّر هذه الأخيرة حجب مِنح التعليم عن الدول التي تنتهك معاييرها. وهو لطالما اهتمّ بدول عربية مِن مِثل لبنان، وسوريا، والسلطة الفلسطينية، والمغرب، وإيران، ومصر... إلّا أن سعيه وراء السعودية بدأ مبكراً، وتحديداً مع بداية الألفية الثالثة؛ إذ راجع «إمباكت- أس إي» المناهج الدراسية السعودية مرّات عدّة في ظلّ تزايد الاهتمام بها عقب هجمات 11 أيلول، حيث كثرت التساؤلات حول الدور الذي لعبه النظام التعليمي السعودي في «ترسيخ التطرّف في عقول السعوديين».

أظهرت الدراسات التي أجراها المعهد، منذ ذلك الحين، أن السعودية أعادت هيكلة المنهج الدراسي «في قالبٍ يوازن بين تعميم ثقافة الانفتاح والتسامح وبين التمسّك بالقيم والعادات الدينية الوهابية المتجذّرة في المجتمع». أمّا اليوم، فإن الدراسة التي صدرت حديثاً في هذا الشأن، لاحظت أن عملية «الإصلاح» التي طاولت الكتب الدراسية هي أيضاً نتاج دوافع مختلفة أبعد من الانفتاح أو التسامح، في مقدّمتها «النهضة الوطنية» التي يقودها وليّ العهد، محمد بن سلمان، والمعروفة «برؤية 2030»، وما تقتضيه من تخفيف الاعتماد على أرباح الموارد النفطية مقابل تعزيز نموذج المواطنة القائمة على «التعليم العالي والانفتاح والإبداع وريادة الأعمال والانتماء الوطني». وفي الإطار المتقدّم، سجّل «إمباكت»، في دراسة نشرها عام 2020 بعنوان «المناهج التعليمية السعودية 2016 - 2019: الدرب المتعرّج نحو هوية جديدة»، أن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والتفسيرات قدّمت «محتوى تحريضياً ضدّ غير المسلمين (اليهود والمسيحيين)»، مثلما استمرّ أيضاً «التوجّه المحافظ بشأن المرأة والهوية الجنسية»، فضلاً عن اعتماد عدد من التعابير «المعادية للسامية». أمّا الدراسات اللاحقة (كانون الأول 2020، أيلول 2021 وصولاً إلى حزيران 2022)، فرصدت «تحسّناً ملحوظاً»، ما بين حذفٍ مباشر للمواد الإشكالية أو إعادة لتقديمها؛ إذ حُذفت النصوص والأحاديث التي تعبّر عن «حتمية الصراع الأزلي بين المسلمين واليهود»، كما بعض المواد «المعادية للسامية».

راجع «إمباكت- أس إي» المناهج الدراسية السعودية مرّات عدّة منذ هجمات 11 أيلول

وطبقاً لنتائج الدراسة الجديدة، فإن العام الدراسي 2022 - 2023 شهد تغييراً بنيوياً تَمثّل في الانتقال من نظام الفصل الواحد إلى نظام الفصول الثلاثة، كالذي يُتّبع في الإمارات. وعلى إثر ذلك، جرى تقليص كبير في المواد المطلوبة للدراسة، جعل المعهد يحتمل أن يكون حذف المواد «الإشكالية» جزءاً من عملية التقليص الجارية، وليس بالضرورة تعبيراً عن الرغبة في «الترويج للتطبيع مع إسرائيل». مع هذا، بيّنت الدراسة الجديدة أنه حُذفت معظم الأمثلة التي تحمل اتهامات ضدّ المسيحيين واليهود، واستُبدلت الإشارة المباشرة إلى هؤلاء بتعبير «الأمم السابقة». وتشكّل هذه التبدّلات، وفق «إمباكت»، استمراراً للنهج القائم منذ نتائج الدراسات السابقة في حذف «المحتوى المحرّض على الكراهية»، بما فيه المواد التي تلمّح إلى «استغلال الصهيونية للإعلام والمال والسياسة والمخدّرات والنساء في سبيل تحقيق أهدافها». كما طرأ «تحسّن نسبي» على تعريف الكتب المدرسية لما يُعرف بـ«البدع»، فيما حُذفت في عامَي 2021 و2022 وحدة دراسية كاملة حول «الجهاد بالقوة لنشر الإسلام والذود عن بلاد المسلمين». أمّا في عامَي 2022 و2023، فقد حُذف نصّ يَذكر أن «الشهادة هدية من الله وشرفٌ إلهي»، إضافة إلى كل التعبيرات المتعلّقة بمحو خطايا الشهداء ووصف الجهاد بـ«قمّة الإسلام»، بينما أبقي على اعتباره «الأقرب إلى الله».

وفي ما يبدو تغييراً في إطار الترويج للتطبيع، أشارت الدراسة إلى أن الكتب الجديدة لمادة «التفكير النقدي»، والتي بدأ اعتمادها منذ العامَين الأخيرَين، تروّج بوضوح لـ«الحوار واحترام الآخر، وتشجّع على السلام من خلال التركيز على معاهدات واتفاقيات تاريخية بين المسلمين الأوائل وغير المسلمين تحت سقف الإسلام». وفي هذا الإطار، تضمّنت المناهج الجديدة نصاً مستحدثاً يرِد فيه أن «الإسلام يحمل رسالة السلام»، مستشهداً على ذلك بثمانية أمثلة عن اتفاقيات تاريخية عقدها النبي محمد مع مجتمعات غير المسلمين (منها اتفاق المدينة مع اليهود، أو المعاهدة مع يهود خيبر، أو سلام نجران مع المسيحيين، بالإضافة إلى عقدَي مصالحة مع قبائل عربية)، ومدرجاً تلك الاتفاقيات في إطار «تعزيز الشراكة بين أتباع الديانات والثقافات في القضايا المشتركة، وترسيخ معاني التعايش الإنساني». يُضاف إلى ما تَقدّم، أنه، وعلى الرغم من أن المضامين المتّصلة بإسرائيل والصهيونية شهدت «تحسّناً ضئيلاً»، جرى حذف بعض الأمثلة «الإشكالية» من كتب الدراسات الاجتماعية، ما يؤشّر إلى «تغيّر إيجابي في المستقبل»، بحسب المعهد.

يشدّد المحتوى الجديد المعتمَد هذا العام على الطاعة الكاملة للحاكم السعودي

صحيح أن عدم الاعتراف بإسرائيل وإلغاءها من الخرائط بوصفها كياناً محتلّاً، لا يزالان قائمَين، وأن «النكسة» لا تزال معتبَرة «مرآة لأهداف الصهيونية في التوسّع والسيطرة على المقدّسات»، إلّا أن مصطلحَي «الكيان الصهيوني» و«الصهيونية» واللذَين كانا متعمدَين في الكتب المدرسية الصادرة منذ عام 2019، استُبدلا بمصطلح «الاحتلال الإسرائيلي»، ما يعبّر بحسب المعهد عن «انخفاض طفيف في لهجة العداء تجاه إسرائيل». مع ذلك، لا تزال الصهيونية، كحركة، تُعرَّف بـ«الحركة الاستعمارية العنصرية الأوروبية التي تهدف إلى طرد الفلسطينيين من بلادهم، على رغم أنه في كتاب مدرسي كان يُدرّس سابقاً عام 2017، عُرّفت بلهجة أكثر اعتدالاً بوصفها حركة تهدف إلى «توحيد اليهود في الشتات والاستقرار في فلسطين». لكن في المقابل، يكشف نظام المسارات المعتمد حديثاً بالتوازي مع نظام المقررات، عن «تحسّن طفيف» في هذه القضية من وجهة نظر «إمباكت»؛ إذ حُذفت جملة في أحد الكتب تتّهم إسرائيل «زوراً» بالتسبّب في إشعال حريق المسجد الأقصى عام 1969، كما حُذف فصل كامل عن القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من وقوعها في خانة التغييرات الثانوية، إلّا أن تلك التعديلات تُعدّ، بحسب المعهد، «مؤشّراً إيجابياً إلى التطوّر الحاصل في النظرة إلى إسرائيل والصهيونية».

من جهة أخرى، يشدّد المحتوى الجديد المعتمَد هذا العام على الطاعة الكاملة للحاكم السعودي، مركّزاً سهامه على مجموعات: «الإخوان المسلمون»، «حزب الله»، «داعش»، «القاعدة» و«الميليشيا الحوثية»، والتي تُتّهم جميعها بـ«الترويج للإرهاب والتطرف الديني»، وإن نالت «الإخوان» حصّة الأسد من النقد، بوصفها في الكتب بأنها «جماعة إرهابية تدّعي تمثيل الإسلام، لكنّها في الواقع تسيء إلى الدين وتنشر الفوضى وتستخدم أساليب غير قانونية في غسل أدمغة الشباب وتجنيدهم في صفوفها». كذلك، يوجّه المنهج السعودي النقد إلى الحركات الثورية والانفصالية والتوجّهات العلمانية التي تروّج لـ«الإلحاد والاختلاط». وفي أحد كتب الدراسات الإسلامية، يَحضر التشكيك في ثورات «الربيع العربي» بسبب «الدور الكبير الذي لعبته منظمات إرهابية في تأجيجها». وبالمقارنة مع الدراسات السابقة، «لم تتغيّر لهجة الخصومة والعداء ضد الفرس والعثمانيين»، باعتبارهم «أعداء تاريخيين للمملكة العربية السعودية». وفي هذا الإطار، تُركّز الكتب على كون «العثمانيين أعداء رئيسين لأوّل دولتَين سعوديتَين»، وتصف هؤلاء بأنهم «المعتدون الذين تجاهلوا واجب الدفاع عن المقدسات الإسلامية». أمّا بالنسبة إلى إيران، فيتمّ تجاهل دورها المركزي في الشرق الأوسط، حيث «يسمّى خليج فارس بالخليج العربي، فيما تُنتقد «بأسلوب مبطّن» عبر ذكر «أهمية التدخل السعودي ضدّ إيران والحوثيين في الحرب اليمنية». وعلى الصعيد الإسلامي، «فيستمرّ نَفَسُ العداء للفرس عبر اتهامهم بالتآمر لتدبير عملية اغتيال الخليفة الثاني (عمر بن الخطاب)».

في الشكل العام، تكشف الدراسة الأخيرة عن «تقدّم السعودية في مجال تطوير المناهج التعليمية بما يتناسب مع توجّه الدولة إلى ترسيخ قيم السلام والتسامح في الكتب المدرسية»، بحسب المعهد، الذي يعتقد أن الجهود السعودية لإصلاح المناهج «تشي بمسارٍ ثابت ومتدرّج لتطوير العديد من المواد المدرسية». ولذا، يُعقد، من وجهة نظره، «الأمل على تطبيق هذا المسار على نماذج كثيرة من المحتوى الإشكالي لا تزال حاضرة في بعض الكتب». وإلى جانب تعديل الكتب، يرى «إمباكت» أنه «من الممكن الاستفادة من طرح محتوى إضافي يطابق المعايير الدولية في هذه القضايا»، وأنه بالنظر إلى «دور المملكة الريادي في العالم الإسلامي»، فإن «الإصلاحات التعليمية السعودية تبعث برسالة قوية لتطوير المناهج التعليمية في دول أخرى ذات أغلبية إسلامية».