ملفات » العلاقات السعودية الاسرائيلية

الفلسطينيون منقسمون بشكل مفاجئ بشأن التطبيع السعودي - الإسرائيلي

في 2023/08/23

كاثرين كليفلاند- ديفيد بولوك- معهد واشنطن للدراسات-

يؤيد معظم سكان غزة تزايد التدخل العربي في الصراع بشدة، ونصفهم منفتح على تطبيع العلاقات مع إسرائيل لو قامت السعودية بذلك. لكن لا تزال غالبية سكان الضفة الغربية مترددة بشأن اقتراح كهذا.

بعد سنوات من الركود والصراع، عاد موضوع الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني إلى الأجندة الدولية من جديد، إلا أنه رجع هذه المرة على نحو بارز، مقابل أخذ خطوات نحو "تطبيع" العلاقات الإسرائيلية مع السعودية. وما برحت الشائعات حول إمكانية التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، الذي أصبح الآن هدفًا صريحًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تتردد منذ سنوات. في هذه الأثناء بدأت العلاقات غير الرسمية تتحسن، بما في ذلك فتح المجال الجوي السعودي أمام الرحلات الجوية الإسرائيلية والقيام بمشاريع مشتركة مبكرة في القطاع العام بين الشركات السعودية والإسرائيلية.

ووفقًا لمسؤولين سعوديين، سيعتمد المزيد من التقدم في العلاقات على بعض التنازلات الإسرائيلية للفلسطينيين. وقد أكدت المملكة على هذا العامل علنًا من خلال تعيين أول سفير غير مقيم لها لدى دولة فلسطين هذا الأسبوع. ولكن هذه المباحثة تفتقر إلى عنصر رئيسي، ألا وهو نظرة الفلسطينيين، أي الشعب نفسه وليس القادة، إلى إمكانية التطبيع السعودي.

وقد أجرى معهد واشنطن في تموز/يوليو، بالتعاون مع "المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي"، ومقره في بيت ساحور خارج بيت لحم مباشرة، استطلاعًا أُجريت من خلاله أكثر من 1500 مقابلة شخصية مع أفراد من الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. وتقدم النتائج لمحة فريدة عن الرأي العام الفلسطيني حول هذه القضية وغيرها من القضايا الرئيسية. وعلى وجه التحديد، سُئل المستطلعون عما إذا كانوا يوافقون على الرأي القائل بأن "إذا قامت المملكة العربية السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فيجب على القيادة الفلسطينية أيضًا تطبيع العلاقات وإنهاء الصراع".

وخلافًا للاعتقاد الشائع، لا يوجد في المجتمع الفلسطيني موقف واحد بشأن هذه القضية وغيرها من القضايا المتعلقة بالتطبيع. كما هو الحال مع العديد من المسائل الأخرى تختلف المواقف حول هذه المسألة بشكل حاد بين الضفة الغربية وغزة. فثلثا سكان الضفة الغربية يرفضون اقتراح التطبيع مقابل اتفاق سعودي إسرائيلي. أما في غزة، فالمواقف منقسمة، حيث يؤيد 50٪ من سكان غزة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لو قامت الرياض بذلك. ومن اللافت للنظر أن 21٪ من سكان غزة يوافقون على هذه الفكرة بشدة، مما يشير إحصائيًا إلى أن 23٪ منهم لا يوافقون عليها بشدة.

ويتجلى هذا الانقسام أيضًا في مواقف الفلسطينيين حول تأثيرات "اتفاقيات إبراهيم" على المنطقة، حيث يعتبر 47٪ من سكان غزة أن للاتفاقيات أثر إيجابي بعض الشيء، مقابل 29٪ من سكان الضفة الغربية. وما هو مفاجئ أيضًا أن حوالي نصف سكان غزة (42٪) يوافقون على الرأي القائل " آمل أن نصبح والإسرائيليين أصدقاء يومًا ما، ففي النهاية جميعنا بشر". وفي الضفة الغربية، تنخفض النسبة المقابلة إلى 30٪ فقط. والأمر الأكثر مفاجئًا هو أن الأغلبية الواضحة (63٪) من سكان القدس الشرقية، التي يقيم فيها ما يقارب 400 ألف فلسطيني بشكل دائم وقانوني ويحتكون يوميًا مع الإسرائيليين، توافق "إلى حد ما" على اقتراح "الصداقة مع الإسرائيليين يومًا ما".

وعلى النطاق الأوسع، غالبية سكان غزة والضفة الغربية على حد سواء (58٪ و61٪) يوافقون على الرأي القائل بأن "الحكومات العربية تهمل الفلسطينيين وتبدأ في تكوين صداقات مع إسرائيل لأن باعتقادها على الفلسطينيين أن يكونوا أكثر استعدادًا لتقديم التنازلات". وفي حالة غزة، عبّرت نسبة مماثلة عن هذا الموقف لسنوات، بما في ذلك عندما سُئلت عن هذا الموضوع لأول مرة في عام 2019. وعلى النقيض من ذلك، فإن انتشار هذا الموقف بين سكان الضفة الغربية أحدث بكثير. فعندما طرح السؤال نفسه في حزيران/يونيو من العام الماضي، 38٪ فقط من سكان الضفة الغربية وافقوا على هذا الرأي مقارنة بـ 61٪ من الذين يوافقون عليه اليوم.

علاوة على ذلك، فإن ثلاثة أرباع سكان غزة يؤيدون اليوم قيام الحكومات العربية "بدور أكثر نشاطًا في صنع السلام الفلسطيني الإسرائيلي، وبتقديم حوافز لكلا الجانبين لاتخاذ مواقف أكثر اعتدالًا". فقد قال نصف سكان غزة تقريبا (48٪) إنهم يوافقون على هذا الرأي "بشدة". وفيما يتعلق بموضوع القدس على وجه الخصوص، فإن ثلاثة أرباع الفلسطينيين في كل من المناطق الثلاث التي شملها الاستطلاع يقولون أيضًا بأنه يجب أن يكون للسعودية دور ما في مستقبل المدينة المقدسة. وتوزعت النسب على الشكل التالي: سكان غزة 73٪، وسكان الضفة الغربية 71٪، وفلسطينيو القدس الشرقية 77٪.

كما تعكس هذه الأرقام رغبة العديد من الفلسطينيين في تغيير الوضع الراهن، بما في ذلك بالوسائل السلمية إن أمكن، خلافًا للتصور السائد. ويوافق نصف سكان غزة على أن على "حماس" "التوقف عن الدعوة إلى تدمير إسرائيل والقبول بدلًا من ذلك بحل الدولتين الدائم على أساس حدود عام 1967". ويؤيد على الأقل نصف سكان الضفة وغزة عودة المفاوضات مع إسرائيل بنسبتي 58٪ و50٪ على التوالي.

ومع استمرار المفاوضات الانفرادية بين السعودية وإسرائيل، من المرجح أن تحظى المشاركة السعودية والتنازلات الناتجة عنها بشأن القضية الفلسطينية، التي قد تحصل عليها من إسرائيل، بقبول الكثيرين في غزة. أما في الضفة الغربية، فقد يتوخى المزيد من السكان الحذر بشأن ما إذا كان مثل هذا الاتفاق في مصلحتهم. لكن من الواضح أن غالبية الفلسطينيين يريدون التغيير، بطريقة أو بأخرى. فمن غير المرجح، إذا وفرت الخطوات نحو التطبيع السعودي الإسرائيلي تحسينات ذات مغزى لحياة الفلسطينيين ولو بدون إقامة دولة فلسطينية كاملة، أن ينظر إليها العديد من الفلسطينيين على أنها "طعنة في الظهر" كما أعلن بعض قادتهم. وبالنسبة للولايات المتحدة، تُظهر نتائج الاستطلاع المفاجئة هذه أنه إذا استمر الفلسطينيون في اعتقادهم بأن السعودية تعمل من أجل مصالحهم، فمن المرجح أن يروا الضغط الأمريكي الحالي لتحقيق هذا الاتفاق التاريخي مفيدًا.

ملاحظة منهجية

يعتمد هذا التحليل على نتائج استطلاع قائم على مقابلات شخصية أجريت في الفترة الممتدة بين 8 و27 تموز/يوليو 2023، مع عينة احتمالات جغرافية عشوائية حقيقية قوامها 1572 فلسطينيًا بالغًا الثامنة عشرة من سكان الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. قام المؤلفون بمراجعة ترجمة الاستبيان شخصيًا، بالإضافة إلى إجراءات أخذ العينات، وضوابط الجودة، وضمانات السرية، وبقية بروتوكولات العمل الميداني بالتعاون مع الفريق المهني الفلسطيني بأكمله، المتواجد في بيت ساحور في الضفة الغربية. يبلغ هامش الخطأ الإحصائي لعينة بهذا الحجم والطابع حوالي4 ٪ لكل عينة فرعية، ويبلغ مستوى الثقة إلى 95٪. تتوفر تفاصيل منهجية إضافية، بما في ذلك الإجابات الكاملة على جميع الأسئلة الواردة في الاستطلاع، عند الطلب أو على منصة بيانات الاقتراع التفاعلية الجديدة لمعهد واشنطن.