دول » الكويت

هاجم الحكومة والبرلمان.. ما الذي تحمله رسائل خطاب أمير الكويت؟

في 2023/12/21

يوسف حمود - الخليج أونلاين-

مع بدء تولي أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح، حكم البلاد خلفاً لأخيه الراحل الشيخ نواف الأحمد الصباح، ينتظر الكويتيون الشكل الجديد لإدارة بلادهم التي تعاني من عدم استقرار سياسي، خصوصاً أنها شهدت تشكيل خمس حكومات خلال سنة واحدة وتنظيم ثلاثة انتخابات برلمانية في ثلاث سنوات.

وكان لافتاً أن الخطاب الأول للأمير الجديد مختلف عن خطابات من سبقه، فقد حمل توبيخاً لاذعاً للسلطتين التنفيذية والتشريعية، وتعهداً منه بمحاربة الفساد ومحاسبة من "أضروا بالكويت"، وتأكيداً لعودة دبلوماسية الكويت الخارجية للعمل بشكل أكبر، بعد تراجعها خلال الأعوام الأخيرة.

ويملك الأمير مشعل خبرة سياسية كبيرة، خصوصاً أنه تولى بصفته ولي العهد، إدارة معظم شؤون البلاد في العامين الماضيين، خلال مرض الأمير الراحل، ما يطرح تساؤلات حول دلالات ما حمله خطابه الأول، الذي أعقبه مباشرة تقديم الحكومة استقالتها، وسط حديثٍ عن تغييرات واسعة ستشهدها الكويت في المرحلة المقبلة.

خطاب لاذع

على منصة مجلس الأمة الكويتي (20 ديسمبر 2023)، وقف الشيخ مشعل مؤدياً اليمين الدستورية، ومقسماً على أن يحافظ على الكويت وأمنها واستقرارها وسلامة أراضيها، وسط حضور حكومي وبرلماني ولأفراد الأسرة الحاكمة، فضلاً عن ممثلين لبعثات دبلوماسية مختلفة.

في خطابه الأول عقب اليمين الدستورية، بدت نبرة غضب وحزن من الأمير مشعل، فبينما رثى أخاه أمير الكويت الراحل، هاجم غاضباً الحكومةَ والبرلمان واتهمهما بـ"إضرار الوطن".

وأضاف: "أكدنا في خطاباتنا السابقة، أن هناك استحقاقات ينبغي القيام بها من السلطتين لصالح الوطن والمواطنين، ولم نلمس أي تغيير أو تصحيح للمسار".

واستدرك بالقول: "بل وصل الأمر لأبعد من ذلك عندما اجتمعت السلطتان واجتمعت كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد والعباد من خلال ملفات التعيينات وغيرها من الملفات".

وتابع: "الحكومة والمجلس توافقا على الإضرار بمصالح البلاد، وما حصل في تعيينات المناصب دليل على عدم الإنصاف، إضافة إلى تغيير للهوية الكويتية، وما حصل في ملف العفو وتداعياته والتسابق لقانون رد الاعتبار، وما يزيد في الألم سكوت السلطتين عن هذا العبث كأنها صفقة تبادل مصالح بينهما".

مرسوم.. واستقالة الحكومة

لم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد أشار أمير الكويت إلى أنه أصدر مرسوماً سيادياً (في 6 ديسمبر الحالي)، بوقف التعيينات والتنقلات كافة لأجل مسمى، مشيراً إلى أنها كانت "مخالفة لكل القوانين، وسط صمت الحكومة والجهات المعنية".

وبعد نحو ساعتين من كلمة أمير الكويت، قدمت الحكومة استقالتها، حيث ذكرت وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، أن رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح (نجل الأمير الراحل)، قدم استقالة الحكومة للشيخ مشعل، دون مزيد من التفاصيل.

ولاحقاً في اليوم ذاته، أصدر أمير الكويت قراراً بقبول استقالة رئيس مجلس الوزراء والوزراء، وتكليفهم بتصريف الأعمال إلى حين تشكيل الوزارة الجديدة.

ولا يوجد نص في الدستور يلزم الحكومة بتقديم استقالتها عقب تولي أمير جديد لحكم الكويت، بحسب الخبير الدستوري الكويتي محمد الفيلي.

ونقلت قناة "الشرق" السعودية عن الفيلي، قوله إن النص الوحيد الذي يلزمها بالاستقالة هو ما يتعلق بإجراء انتخابات جديدة لمجلس الأمة، إذ تقضي المادة الـ57 من الدستور بإعادة تشكيل الحكومة مع بدء كل فصل تشريعي.

وأشار إلى أن حكومة رئيس الوزراء السابق الشيخ صباح الخالد التي تشكلت في عهد الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، استمرت في أداء عملها بعهد الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد، واستقالت إثر انتخابات مجلس الأمة عملاً بالدستور.

وحكومة الشيخ أحمد النواف تم الإعلان عنها في الـ18 من يونيو من العام الجاري، بعد إعلان إعادة تكليف رئيسها بقيادة حكومة جديدة في الـ13 من الشهر ذاتها، ومنحه صلاحية ترشيح أعضاء الحكومة الجديدة.

"العزم والحزم" عنوان المرحلة

رئيس مركز "ريكونسنس" للبحوث في الكويت عبد العزيز محمد العنجري، قال: إنه "بعد الاستماع إلى الخطاب التاريخي لسمو الأمير، صار واضحاً عزمه الممزوج مع حزمه، على مواجهة مجموعة من الاستحقاقات الوطنية التي لم تتمكن السلطتان التنفيذية والتشريعية من القيام بها، أو تلك التي غاب عنها الإنصاف والعدالة كما وصفها سموه".

وأضاف عضو نادي الصحافة الوطني بواشنطن، في حديث لـ"الخليج أونلاين": "من الواضح أن الكويت ستدخل عهداً جديداً بقيادة سمو الأمير، الذي سيسعى جاهداً لتنفيذ مجموعة من الأفكار والرؤى التي لم يبدأ بتنفيذها خلال فترة ولايته كولي للعهد".

ويلفت إلى أن "خطاب سموه أبرز توجهه نحو تشديد الحوكمة والمساءلة، ما يعكس تطلعاً عميقاً إلى أهمية مكافحة الفساد في بناء نظام حكم فعال. كما أنه لم يتردد في التعبير عن انتقاداته الصريحة للسلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو ما يبين استعداده لاتخاذ إجراءات قد تكون جذرية ولكنها ضرورية من وجهة نظره للإصلاح".

واعتبر أن "هذا الأسلوب يتميز بالشفافية والوضوح والحزم غير المسبوق، حيث تجنب الخطاب المجاملات والعموميات، وتطرّق إلى التفاصيل، ودخل في عمق المشكلة، ما يعكس قوة شخصيته ويضفي مزيداً من الوضوح على المشهد السياسي".

ويبيّن أن دعوته إلى مراجعة الواقع الحالي في جوانبه الأمنية والاقتصادية والمعيشية "تبرز وجود رؤية مُعدة مسبقاً وشاملة للتحديات التي تواجه البلاد، ويتضح من ذلك أن الخطاب يمثل طريقاً نحو عهد جديد يركز على الإصلاح والتنمية وتحسين جودة الخدمات وحياة المواطنين دون أي اعتبار لأبرز معوقات المراحل السابقة وهي (التمييز والتفاضل بين الناس كما جرى في كثير من الأحيان). وهو ما نتوقع أن يكون سمة مميزة لعهد الشيخ مشعل، الذي بدأ- كما ذكرت- بالعزم والحزم الذي يمكن أن أطلق عليه: عنوان المرحلة".

صعوبات كبيرة

ويواجه أمير الكويت الجديد، الوضع السياسي ذاته الذي مر به الأمير الراحل، وهو الأمر الذي أثر على الاقتصاد وعرقل الإصلاحات لسنوات، وسط آمال بأن تبدأ عملية الإصلاحات مع توليه الحكم.

وبين صراع عاشته الحكومة والبرلمان تارة، وتفاهم تارة أخرى، عرقلت الخلافات السياسية أو أخرت إقرار عدد من القوانين، من ضمنها مشروع قانون يسمح للحكومة بالاقتراض أو السحب من صندوق الثروة السيادية في أوقات الحاجة.

وإلى جانب ذلك، فقد قاد الأمير الراحل مبادرة واسعة النطاق للمصالحة الوطنية، واتخذ خطوات لتخفيف الأزمة مع البرلمان، وضمن ذلك عديد من قرارات العفو عن أعضاء المعارضة والنشطاء الذين يعيشون في المنفى اختيارياً.

واليوم، ينظر الكويتيون بأمل كبير إلى أنه في ظل التقدم الذي قد يحققه الحوار الوطني، ينتظر أن يكون هناك تعاون بين الحكومة والبرلمان لحل القضايا العالقة المتعلقة بالإصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وملف التجنيس، وجذب الاستثمارات الأجنبية الضرورية، خصوصاً بعد الخطاب الأخير للأمير.

وخطاب الشيخ مشعل ليس الأولَ الذي ينتقد فيه الحكومة والبرلمان، ففي خطابه أمام البرلمان في أكتوبر الماضي، انتقد كلاً من المشرعين المنتخبين والحكومة المعيّنة، بسبب فشلهم في الارتقاء إلى مستوى التوقعات، لكن ما هو مختلف أن الخطاب الحالي يأتي في أول يوم له كحاكم جديد للبلاد وامتلاكه صلاحيات كاملة.